حمّل مجلس الأمن مسؤولية إطالة الحرب في اليمن
الثورة / إبراهيم الوادعي
بعد سنوات من الصمت، خرج مجددا المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر بمعلومات صادمة عن عبثية الحرب في اليمن، وأن اليمن قدم إلى السعوديين كجائزة ترضية عن الاتفاق النووي مع إيران، وقال للمرة الأولى إن مجلس الأمن شرعن عبر القرار “2216” لكل الفظائع وجرائم الحرب التي وقعت.
المقال الذي كتبه بنعمر في صحيفة النيوزويك الأمريكية، يكشف عمن صاغ القرار “2216” ، وإدراك الدول الغربية لعدميته منذ اللحظات الأولى التي تلقفوه فيها من السعوديين وتوقعوا أن يعارضه الروس.
وقال : قرار مجلس الأمن 2216 صاغه السعوديون، وحملته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن والذي يفترض به صون السلم وليس تشريع الحروب – حد وصف بنعمر.
وأضاف أن الدول الغربية قدمت اليمن كجائزة ترضية للسعوديين، وقال: وقفت بمرارة أشاهد من نافذة الفندق إحدى أقدم المدن- صنعاء- تدمر بشكل عنيف.
بنعمر كشف عن أن الدول الغربية كانت تعتقد أن روسيا ستعرقل القرار الأممي الذي صاغه السعوديون ، وبدا للجميع بمن فيهم الدول الحاملة له عقيما، لكن على العكس نظر إليه الروس من زاوية السلاح وصفقات السلاح مع السعودية، وفق قوله.
“الطرف الغربي الذي حمل القرار 2216 إلى مجلس الأمن كان يعرف أن مطالبة أنصار الله، المسيطرين على الأرض والمتقدمين ميدانيا، بالاستسلام لحكومة تعيش في منفى فندقي أنيق في الرياض لم يكن أمرا واقعيا أو مقبولا. لكن ذلك لم يكن ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم لأنهم كانوا موقنين بأن الروس سيعرقلون القرار، وقد أخطأوا التقدير! فموسكو التي شعرت بوجود فرصة لها كذلك للإفادة من الصفقات التجارية مع السعودية، امتنعت عن التصويت مزيحة العقبة الوحيدة أمام تبني القرار.”
جمال بنعمر أشار إلى عقم الحلول التي اعتمدتها الأمم المتحدة خلال ست سنوات هي عمر العدوان والحصار على اليمن، مرجعا السبب إلى أنها اعتمدت القرار 2216 كمرجعية رغم قصور وعقم القرار، الذي وضع في حينها لترضية السعوديين المقصيين عن الاتفاق النووي مع ايران، حسب قوله، مضيفا : ” قرار مجلس الأمن 2216 وفر غطاء للفظاعات التي تلت بعد ذلك “.
خلال سنوات العدوان جرت عدة جولات تفاوضية منيت جميعها بالفشل من جنيف 1 إلى جنيف 2 إلى مفاوضات الكويت والتي دامت شهورا، لكن جميعها لم تفض إلى أي تقدم بسبب تعنت الأمريكيين والسعوديين، باستثناء مفاوضات السويد 2018م والتي أفضت إلى اتفاق هش في الساحل الغربي نتيجة ضغط دولي من انعدام الأمن في البحر الأحمر الحيوي للتجارة الدولية .
وأكد جمال بنعمر في مقاله بالنيوزويك ما جاء في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن كمبعوث أممي بعد الحرب بأيام وقبيل إقالته بطلب من النظام السعودي، من أن اليمنيين كانوا على أعتاب اتفاق سياسي لتقاسم السلطة وإدارة البلاد برعاية أممية، جرى فيه الاتفاق على كل شيء.
وقال بنعمر: انتهينا من كل التفاصيل حول تقاسم السلطة وإدارة البلاد وقبل يومين من وقوع الحرب – 26 مارس 2015م – ذهبت إلى الرياض لأطلعهم على النتائج ونتشاور حول مكان إجراء حفل التوقيع، وقبل أن أعود إلى صنعاء تفاجأت بالغارات الجوية.
ظل جمال بنعمر في صنعاء لنحو أسبوع على الأقل قبل أن تتاح له فرصة المغادرة في برهة من الغارات المكثفة التي كانت تتعرض لها صنعاء في العام 2015م ، وقدم بنعمر إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن قبل أن يعين إسماعيل ولد الشيخ – الذي شغل مراسلا سابقا لدى الإعلام السعودي في بلده موريتانيا – مبعوثا جديدا للأمم المتحدة بطلب من الرياض الغاضبة من بنعمر الحانق على اتفاق ضاع من بين يده في اللحظات الأخيرة .
لقد أحس جمال بنعمر – وفق مصادر مطلعة – بالمرارة، فالرجل خُدع من جانب النظام السعودي وعملائه في الداخل والذين كانوا يجلسون على طاولة المفاوضات وهم يحضّرون للحرب، وبدأ الكثير منهم بالسفر بحجج وذرائع متعددة قبيل الحرب بأيام وبعضهم بساعات، وحدهم أنصار الله الطرف على الطاولة كان الأصدق ، وكان صادقا وملتزما بما جرى الاتفاق عليه.
ولعل الظهور الوحيد لجمال بنعمر خلال سني العدوان على اليمن واتصاله بالشأن اليمني، كان حينها لاستعادة جثمان الطيار المغربي الذي أسقطت طائرته في صعدة شمالي اليمن في مايو 2015م ، حيث أعاد انصار الله جثمانه بعد توسطه لدى قياداتها تقديرا لمصداقيته في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن ، وأملا في أن يراجع المغرب موقفه من الانضمام إلى التحالف الذي أنشأته السعودية برعاية أمريكية وبريطانية وفرنسية و إسرائيلية، كما يعتقد ..
صنعاء لم تعلق على ما تناوله المبعوث الأممي الأسبق جمال بنعمر في مقاله، ونظرته إلى الحلول في اليمن عبر وضع مرجعية جديدة للتدخل السياسي الأمريكي والأممي في القضية اليمنية ، فالداخل اليمني وكذلك الدول الغربية بما في ذلك واشنطن والتي خاطبها بنعمر عبر صحيفة محسوبة على الديمقراطيين الأمريكيين منشغلة بمعركة مارب الحاسمة والفاصلة، وهي تتذرع بشتى العناوين بما في ذلك الإنسانية لإيقافها .
معركة مارب تقول صنعاء أنها تتعدى البعد الجغرافي والاقتصادي إلى معركة استقلال واسترداد لبقعة كريمة إلى حضن اليمن، وفق ما جاء في تصريحات رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء الدكتور عبد العزيز بن حبتور، وتتقاطع حولها المكونات السياسية والمدنية باعتبار التراجع عنها خيانة وطنية وسكوتاً عن بقاء مارب معقلا للتنظيمات الإرهابية التي تهدد اليمن وتزعزع استقرار ليس اليمن وحدها وإنما كامل المنطقة.
فيما يراها الخارج – وعلى الخصوص بريطانيا وأمريكا و”إسرائيل” – بأنها نهاية لسلطة من دون أرض ولا شعب اجتهد على أحيائها ونفخ الروح فيها لمصالح سواها، في سابقة تاريخية لم يشهدها العالم قبلا .
واذا كانت مسؤولية التحالف العدواني على اليمن قائمة بطبيعة الحال ، فثمة سؤال مطروح على خلفية ما كشفه المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر هل يتحمل مجلس الأمن مسؤولية قانونية وأخلاقية عما وصل الوضع إليه في اليمن جراء إصدار شرعنته للحرب وانحرافه عن مهمته في صون السلام في اليمن وليبيا ، وما خلفته تلك الحروب خاصة في اليمن من أزمة إنسانية هي الأكبر تاريخيا وسقوط ما يقارب 250 ألف مدني ضحايا ؟!
والسؤال التالي: ما الذي تبقى ليكشفه بنعمر المبعوث المخضرم في اليمن منذ العام 2011م وحتى عزله عن العالم بعدوان وحصار لم تشهدهما البشرية مطلقا، من كواليس وخلفيات شن الحرب على اليمن وشراء صمت العالم وتجميد قوانين البشرية وحقوق الإنسان ؟!