“أشار المبعوث الأممي مارتن غريفيثس يوم أمس في إحاطته المقدمة إلى جلسة مجلس الأمن “إلى خطر المجاعة الذي يهدد اليمن، فيما لا يتلقى الكثيرون من موظفي الخدمة المدنية رواتبهم ، وقال إن “عدم كفاية سفن الوقود التي تدخل ميناء الحديدة ومعوقات التوزيع المحلي أدى إلى نقص كبير في الوقود في مناطق سيطرة أنصار الله” معربا عن أمله في أن تسمح الحكومة اليمنية بدخول سفن الوقود للتخفيف من حدة الوضع” هذا النص من إحاطة المبعوث التي قدمها لمجلس الأمن وبقدر ما تتضمنه الإحاطة من أكاذيب مستفزة وتمالؤ مكشوف في موضوع الحصار ، بقدر ما تعكس الحال البائس لهؤلاء جميعا بعدما قضّت معارك الأبطال مضاجع العدوان ومرتزقته وأحلافه في مارب.
عندما لا يتحدث المبعوث الأممي مارتن غريفيث عن اختطاف سفن النفط واحتجازها في البحر إلا باعتبارٍ هامشي لا يعده السبب الرئيسي في أزمة الوقود الخانقة التي تضرب اليمن وباتت تهدد بتوقف الخدمات والنقل ، وعندما يمارس مارتن الدجل والوقاحة معا ويقول إن “سفن الوقود التي تدخل ميناء الحديدة ليست كافية” فيما لم يدخل ميناء الحديدة حتى الآن قطرة وقود واحدة منذ بداية العام 2021 ، هل يجب أن نستمع إلى دعواته حول الحلول السياسية وما يتعلق ببقية ملفات الحرب والعدوان والحصار؟
وعندما يذهب مارتن غريفيث للاجترار بكذبة أن معوقات التوزيع المحلي قد أدى إلى نقص كبير في الوقود – ويقصد بذلك أن قرار اللجنة الاقتصادية العليا في صنعاء بمنع دخول المشتقات النفطية المهربة من المحافظات والمناطق المحتلة إلى صنعاء وغيرها من المحافظات هو السبب في الأزمة – فمعنى هذا أن المبعوث صار وكيلا مفوضا لتجار السوق السوداء وشبكة المهربين على رأسهم جلال هادي وآخرون ضمن مافيا الحرب والسوق السوداء ، أغلب هؤلاء يقيمون في الرياض ضمن فريق المرتزق هادي ، وجزء كبير من سبب تشديد الحصار على ميناء الحديدة ومنع كل السفن من التفريغ فيه يعود إلى أن هذه المافيا تريد إبقاء توريد شحنات النفط والوقود حصريا عليها ، وتحويل اليمن إلى سوق سوداء كبيرة ومفتوحة لتجار الحرب وأباطرة النهب “جلال هادي ، وحافظ معياد ، والعيسي ، وحيتان أخرى” وبرعاية من المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي ظهر محاميا بارعا وهو يسوّق القضية على غير حقيقتها ولكن في إطار إنساني تضامني يحاول من خلاله إدانة الضحايا ومنح المجرمين رايات المحسنين.
نطرح هذه التساؤلات التي تكشف نفاق المبعوث الأممي وأكاذيبه حتى لا نُخدع من جديد، وهل يتعذَّر على من يكون هذا منطقه معتلا ومختلا بأن يفتش عن أشياء أخرى يعلكها حماية للمرتزقة وتبرئة للمجرمين القتلة الذين يعتدون على اليمن ويحاصرونه ويرتكبون بحقه أبشع الجرائم ، تضاف لتلك الأكاذيب التي صار يجترها مع كل مناسبة ومقام؟
الواضح أن المبعوث الأممي غريفيث حتى اليوم ما زال يتنكّر للحقائق ويكذب على العالم ويرفض قول الحقيقة ويغطي على كل شيء يحصل في اليمن ، ومنذ توقيع اتفاق السويد في 2018 تعثّر الاتفاق وتمدّد وانتكس وانكمش وتلاشى وطُرح أرضا ولم يُبدِ مارتن غريفيث أي تصريح يدين فيه الطرف الذي فعل كل ذلك ، والشيء بالشيء يذكر فحتى اليوم لم يتخذ المبعوث ذاته موقفا إزاء تعنت العدوان ومرتزقته بشكل متكرر في ملف الأسرى وإفشالهم للمفاوضات مرارا وتكرارا ، وما زال مارتن يكذب ويغالط بشأن محاصرة اليمن الذي يُعَدُّ أفظع جريمة في القرن الحاضر ، يخفي الحقيقة عن العالم ويعمل على إبعاد المجرمين عن المسؤولية ويبرّئهم ويحمّل الضحايا المسؤولية.. المجتمع الدولي يعرف والأمم المتحدة وموظفوها وكل العاملين في الوكالات الإنسانية يعرفون أن التحالف يختطف سفن الوقود ويحتجزها في نقاط تفتيش وسط البحر لكن مارتن يغطي على هذه الحقيقة بوقاحة ويعمد إلى استجرار الأكاذيب وعلكها ويترك التحالف يقرصن السفن ويخطفها ويمنحه صكوك البراءة الأممية ، لم يقل المبعوث حتى الآن أن إغلاق مطار صنعاء جريمة حرب فقد تسببت في وفاة عشرات الآلاف من المرضى وهو يعرف ذلك ويسمع به ويشاهده ، لقد صار من الثابت أن مارتن يمثل نقطة محورية في عدم التوصل إلى حلول في مختلف القضايا ، وصار من الثابت أن كل ما يفعله هو محاولات التفاف وافتئات على الواقع ، مرة بالهروب إلى الأمام من خلال التصريحات الناعمة وسوقها على نحو خادع وغير حقيقي ، ومرة بمزيد من الاستفزاز والابتزاز من خلال الأكاذيب وإطلاق التهم.
قد يكون من السهل على غريفيث التنصل من المسؤولية، ولا نستبعد أنه يعتبر هذه القضايا خارج اختصاصه ، لكن منذ متى كانت أزمة الوقود بسبب معوقات التوزيع المحلي؟ ومنذ متى صارت السوق السوداء وفتح الأبواب على مصراعيها لتجار الحرب حلا ينقذ اليمنيين من المجاعة؟ هل يريد المبعوث هذا الشكل من الوضع في اليمن؟ قد يكون ذلك لكن دوافعه من ذلك تبقى سرا في بئر عميقة كما يقال.
الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي لم تخرج بموقف على نحو يمكن اعتباره نقطة أولى للحل وفي الحدِّ الأدنى منه إطلاق سفن الوقود المحتجزة، فقد طغى عليها الصراخ والعويل على مارب التي ستعود حتما إلى حضنها الوطني اليوم أو غدا ودون تأخر ، ولعل التباكي الممزوج بالعويل ونبرة غريفيث في ذلك كانت التعبير المباشر عن الجلسة وما فيها ، ويبقى حديث المبعوث عن الحل السياسي وما تضمنه الحديث من مفردات جديدة تعبيرا كلاميا جديدا لجأ إليه مارتن مؤخرا ليحاول إعادة نفسه من زوايا جديدة ، لكنه في الواقع حديث ينطوي على غير واقع وهو قفز أو شذوذ كلامي يعكس هستيريا مارب وتقدُّم أبطالنا فيها ، إذا كان غريفيث جادا في دعواته فإن رفع الحصار عن اليمن سيبقى الخطوة الأولى التي يجب قطعها في مسار نزع التوتر في مارب وغيرها ، ومن غير المجدي لغريفيث أن يضرب من جديد في الرمال ، والعمل بالتوازي مع كل جولة مفاوضات أو تواصلات او تهدئة على مُحاولة تغيير المُعادلات في الميدان ليتيح للعدوان ومرتزقته العودة إلى مربعات الصفر ومنحهم التقاط الأنفاس ، إذ أن التمترس خلف جبال الأوهام السعودية الإماراتية باحتلال اليمن ونهب ثرواته ومحاصرته وقصفه لم يَعُدْ ممكنا اليوم في عهد الطيران المسيَّر والصواريخ الباليستية وفي مرحلة ما بعد مارب.