محمد القعود
حين تحاول البحث عن نخلة باسقة في سيئون/حضرموت ,لن تجد سواه.. وحين تقلّب بصرك في سماء الوطن ستجده ذلك النجم اللامع والمضيء والفاتن.
وحين تحاول أن تنقّب في الوديان الخضراء والمتبرجة بالجمال والعطاء والبهاء والربيع والدهشة، ستجده أمامك وحولك ماثلاً بكل صفاته ومناقبه وإبداعاته, مثل واحة غنّاء بثرائها وجمالها وانه هو منجم الذهب الأصيل والجوهر النفيس ..والنبع المتدفق الذي لا ينضب وموسم الربيع الدائم البهاء والعطاء والبهجة والحضور والحياة.
وستجده سيرة عطرة على كل لسان ..ووردة ونشيد محبة في كل قلب.. ونبضة حب في كل فؤاد.. وترنيمة محبة وعشق على كل شفاه.
ذلك هو الأديب والشاعر المبدع والمثقف الكبير الراحل علي أحمد بارجاء رحمه الله وطيب ثراه.
***
الأديب الأريب العالم جامع فنون العلم، والأدب، الرائع المبدع والمثقف الموسوعي الكبير الراحل علي أحمد بارجاء رحمه الله وطيب ثراه, كان صاحب نفسٍ أمّارةٍ بالمحبة والخير والحبِّ والسلام, وصاحب قلبٍ غدقٍ بالنقاء والصفاء والمشاعر المتدفقة بالبراءة والدفء الإنساني.
وتميزت مسيرته الأدبية والعلمية بالعطاء الثقافي والإبداعي المثمر والمبهر، المتعدد الجوانب والتي توضح مدى قدرات ومواهب وإمكانيات الأديب والمبدع والمثقف والشاعر والباحث الأكاديمي الراحل علي أحمد بارجاء ومنجزه الأدبي والثقافي، فله أربعة دواوين شعرية، “رواء” و “أشرعة الروح” و”نبض يتشكَّل حرفا”، و”رد نجمي في سماك”، ُطبع منها الأول وكتابان آخران هما “الشاعر الحكيم الفلاح أبو عامر” و”من أدب النخلة”، وهناك مجموعة من الكتب تنتظر النشر، منها: “الدان الحضرمي.. دراسة تاريخية وصفية” و”كتابات في الأدب والتراث اليمني” و”المعجم الهادي إلى لهجة الوادي”، ورسالة ماجستير قدمها حول “الشعر العربي في المهجر الشرقي”.(دول شرق آسيا).
وكذلك دوره وأسهامه العلمي والفاعل كأستاذ ومدرس للغة العربية في جامعة ” حضرموت ” و ” سيئون” .
وفقيدنا الكبيرالذي ولد في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت في يوم الاثنين 19 فبراير 1962م، الموافق 15 رمضان 1381هـ,
كان يعد بحقٍّ ضمن نخبة معدودة من الأدباء والباحثين الذين يستحقون عن جدارة لقب” ذاكرة حضرموت الثقافية الثريّة” والشخصية المعروفة والمحبوبة في مدينة سيئون بصفة خاصة ومحافظة حضرموت واليمن بصورة عامة .
والذي كان رحيله ووفاته في العاصمة المصرية القاهرة الموافق ٦ مارس ٢٠٢٠م ,أثناء علاجه هناك, خسارة كبيرة للوطن وللساحة الثقافية اليمنية.
وكان من الأدباء والمثقفين المتميزين ,وممن يمتلكون صفات وقيماً نبيلة وصاحب مبادئ عظيمة تشرّبها وتمثّلها في حياته العلمية والعملية وفي سلوكه وتعامله مع محيطه ومع الآخرين..
حيث كان حَلِيم الطَّبْع، وَاسِع الْخُلُقِ، رَحْب الصَّدْر ، رَحْب الْبَال، وَقُور النَّفْسِ، رَاجِح الْحِلْم والعقل، ويتمتع برَزَانَة، ، وَرَصَانَة، وَدَعَة، ، وَحَصَافَة وَسَكِينَة، وَرَجَاحَة ،وَأَنَاة .. لا يَسْتَفِزُّهُ نَزَق، وَلا يَسْتَخِفُّهُ غَضَب، وَلا يَتَسَفَّهُ رَأْيَهُ مُتَسَفِّه ولا ينزلق نحو سفاسف الأمور وتستهويه تهاويم الكلام .
كأنما هو من قيلت فيه هذه المعاني والأوصاف:” رَقِيق الشَّمَائِلِ، حُلْو الشَّمَائِلِ، ظَرِيف الطَّبْعِ، رَقِيق ، لَطِيف الْمَلَكَة، لَطِيف الرُّوح، خَفِيف الظِّلِّ، بَارِع الظَّرْف، حُلْو الْمُعَاشَرَةِ، ظَرِيف الْمُحَاضَرَةِ، عَذْب الأَخْلاقِ، عَذْب الْمَنْطِقِ”. ورؤاه اشراقات بهية وصافية القصد والمقصد.
شاعر وباحث وأديب ومثقف كبير، وحقيقي يمتلك خلفية فكرية ومعرفية عميقة وواسعة وقوية، وعلى اطلاع واسع بالتراث الشعبي وفنونه ومجالاته وأنواعه.
و منارة أدبية وثقافية شاهقة في مدينته الجميلة سيئون وفي حضرموت واليمن بصورة عامة.. وله باعه الطويل والعميق بفنون “الدان” والتراث وأطواره المختلفة.
ومن اللافت تميز الأديب الكبير الراحل و احتفاؤه واهتمامه الجاد المتواصل طوال حياته العلمية ومسيرته الثقافية بالتراث اليمني والموروث الشعبي في حضرموت واليمن وذلك من خلال كتاباته المتعددة ودراساته الضافية التي اسهم بها وسلط الضوء فيها على جوانب متعددة من التراث وجمالياته وأعلامه ومن ذلك كتابه الموسوم ب “الشاعر الحكيم الفلاح أبو عامر ” والصادر عن الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومركز عبادي للدراسات والنشر عام 2004م،و الذي أعاد طباعته سنة 2008م.
كما كانَ هذا الشاعر والمبدع الكبير أنموذجًا حَيًّا ومثالا رائعا يُحتذى بهِ وصورة للمثقف والمبدع والأديب الحقيقي صاحب الإبداع الأصيل والمواقف المضيئة المنحازة للقيم النبيلة والحياة والجمال والمنتمية للإنسان وهمومه وتطلعاته وللوطن وغده ورغده ..ولم يكن من حملة المباخر وباعة وتجار المبادئ والمروجين للأوهام وسموم الدعوات للمناطقية والطائفية والحزبية السوداء والتصنيفات البغيظة والبلهاء وموضات الأفكار المريضة والوافدة المحرضة على تشرذم وتمزيق الأوطان والشعوب.
***
صاحبته وجالسته ورافقته في العديد من الأسفار والفعاليات والمؤتمرات الثقافية والأدبية, وفي جلسات المقيل الأدبية وفعاليات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين المختلفة, فكان نعمَ الصديق والأخ والرفيق والزميل, كريم النفس والطباع, عفّ اللسان والحديث, حلو المنطق والمعشر, عذب الكلام ,واسع المعرفة, بهي الأخلاق والأعراق,.. يفيض محبةً وعلماً وثقافة وإبداعاً ومودة وودّاً وسلاماً وإشراقا وحضوراً مبهجاً.. يأسرك ويسحرك بحضوره ولطفه وتعامله, وأحاديثه الشيقة, وبهاء قلبه ونقاء ضميره وصفاء سريرته. ولذلك كانت دوماً شخصيته طاغية الحضور والألق وجاذبة وجذابة وآسرة لكل من جالسه واستمع إليه وعرفه, ورافقه.. كان شخصية أدبية وثقافية فاتنة وآسرة ورائعة , لها مكانتها العالية والعميقة في قلوب محبيه وأصدقائه وزملائه وكل من عرفه.
ومن النادر ان تجد شخصية تحمل وتملك كل تلك المزايا والصفات النبيلة, إلا من رحم ربي.
***
علي أحمد بارجاء.. الأديب المفرد.. والقامة الأدبية والثقافية الشاهقة.. والهامة الفكرية الوارفة.. والإنسان الممتلئ والناضح حياة وروعة وجمالا وعشقا وسحراً.. من الصعب نسيانه ومن المحال تجاوزه .. فهو الغائب الحاضر والمقيم في قلوب محبيه ووجدان كل من عرفه.. والمتواجد بقوة وغزارة في الساحة والذاكرة الثقافية الحضرمية واليمنية وذلك من خلال إبداعاته وعطاءاته الفكرية المتعددة التي تحمل بصماته ولونه وملامحه ونكهته المائزة وروحه العابقة بالجمال والروعة.
تعرفه المنابر والمحافل والأماكن على امتداد الوطن اليمني.. من خلال مشاركاته المتعددة وإسهاماته الثقافية الكثيرة والتي كان دوما فيها الفارس الذي يخطف الإعجاب والتقدير والإجلال.. ولعل مشاركته في تحكيم المسابقات الشعرية التي كانت تقيمها وتبثها القنوات الفضائية قد جعلت مشاهديه يتعرفون على ثراء موسوعيته وعمق معرفته بفنون الشعر. ويبحرون مع رؤاه وملاحظاته وإضافاته وإضاءاته المفيدة حول مضامين تلك المسابقات الشعرية, وينهلون من علمه وثقافته بفنون الشعر وجمالياته.
رحم الله الفقيد الراحل وأسكنه الله فسيح جناته ورضوانه.