وجهة نظر حول إلغاء قرار التصنيف
فهمي اليوسفي
ملت مسامعي من ضجيج الإعلام الامبريالي المسوق لمشاريع التغريب خصوصا حين يروج أن إدارة بايدن تسعى للحل السياسي في اليمن على حد ما يتم ترويجه، وخصوصا حين يستدل أن هذه الإدارة – أي التابعة لبايدن – عازمة على إلغاء قرار التصنيف الذي أصدره بامبيو قبل دور الاستلام والتسليم بين السلف والخلف، أي بين ترامب وبايدن بشأن تصنيف حركة أنصار الله كمنظمة إرهابية.
اليوم يزداد ضجيج مكنات إعلام الناتو بهذا الشأن وبجانبها الكهنة وحملة المباخر، ومن لديهم عقم في التفكير السياسي أن بايدن هو هو وهو و قد وافق على إلغاء القرار واقتراب إشهاره يوم الثلاثاء.. وكأن إدارة بايدن نزلت من السماء بزنبيل.
من يغوص بعمق في قراءة مضمون نص قرار الإلغاء سيجده لا يحمل في طياته إلغاء لما ورد في مجمل ما ورد بنص القرار السابق من حيث الشكل أو المضمون بل هو تجديد لقرار بامبيو لكن بشكل ناعم وبنفس الوقت يمنح واشنطن صلاحيات بالتدخل عسكريا في اليمن بشكل مباشر على غرار التدخل السعودي في اليمن الذي بدأت نسجه تحت اسم المبادرة الخليجية، كما أن الترويج الإعلامي وبالذات منابر الامبريالية حين تشيع أن مملكة المنشار ضد قرار الإلغاء وأن بايدن ومن معه سوف يلقنونها جرعاً تأديبية مع أن كل هذا من وجهة نظري مسرحية وهمية 100 % سوءا كانت تصيب أو تخيب لكنها تظل وجهة نظر، كما أن الأمريكان من خلال هذه المسرحية لديهم مصفوفة من الأهداف يسعون لتنفيذها من ضمنها وضع برنامج تنفيذي للقرار السابق الذي أصدره بامبيو بشكل ناعم وعبر بايدن والتعتيم على استمرارية مشاريع التطبيع مع كيان صهيون ونسج المبررات لتواجد أساطيل ومساطيل الغرب في البحر الأحمر والعربي والشروع في بناء قواعد عسكرية في بلدنا مع وضع الترتيبات لاستمرارية الوصاية الإمبريالية على اليمن والتعتيم على مشاريع التدعيش الممولة غربيا وخليجيا.. ولمزيد من الإيضاح ينبغي أن ندرك في حال توفرت المصداقية لإدارة بايدن كما يروجه الإعلام بموافقته على إلغاء القرار نتمنى في هذه الحالة أن تكون ديباجة القرار تنص بإلغاء قرار التصنيف السابق شكلاً ومضموناً دون استثناء أي شخص سواء السيد القائد عبدالملك الحوثي أو شقيقه أو أبو علي الحاكم ممن هم على رأس الهرم القيادي لحركة انصار الله أو بقية القوى المناهضة للعدوان، بينما الموافقة على إدراج الأسماء المذكورة بقرار بامبيو ضمن سياق قرار الإلغاء، يعني أن هذا ليس قرار إلغاء بل مشروع خداعي لتنفيذ ما ورد في القرار السابق وهذا الموضوع برمته قد ألمح إليه الدبلوماسي نبيل خوري لان الإشارة لتلك الأسماء في قرار الإلغاء الواردة بالقرار الترامبي يعني أن إدارة بايدن تمارس الخداع الناعم وتسعى من تحت الطاولة لتمرير قرار بامبيو بنعومة وفي هذه الحالة لن يتغير في الأمر شيء وكل ذلك أوصلني لقناعة ذاتية بأن ما تقوم به البيت الأبيض والرياض هي مسرحية مشتركة ولا خلاف بينهما.
هذه القضية دفعتني للغوص بعمق تفكيري لأستحضر من أرشيف ذاكرتي الوجدانية بعض المسرحيات التي كان يهندسها الصريع عفاش ليضحك بها على عامة الشعب من خلال أساليبه الخداعية والتضليلية، على سبيل المثال مسرحيته البهلوانية التي نسجها في الانتخابات الرئاسية الوهمية عام 99م حين قررت المعارضة مقاطعة الانتخابات ما دفعه لجلب منافس وهمي يمكنه من خوض انتخابات وهمية وإضعاف المعارضة كوسيلة للاستمرار في اغتصاب السلطة عبر انتخابات وهمية تطلبت منه ضخ بعض الكاش موني لمنافسه الوهمي الذي جلبه من مستودع الوهميين، بحيث يقول للرأي العام انه يؤمن بالديمقراطية وظل يضحك على الذقون وكأنه فعلا يخوض معركة الديمقراطية مع منافس قوي بينما الواقع برهن أنه كان يستهدف الهامش الديمقراطي ويشوهه ويعمق ثقافة التزوير والاغتصاب وفي حقيقة الأمر تحول ذاك المنافس الوهمي إلى منسق مع الصريع عفاش مقابل منحه سيارة وبضعة ملايين من الريالات ليصبح شاهدا للزور وشريكا أساسيا في المسرحية الاغتصابية وفي النهاية أتقن ذاك الصريع تلك المسرحية لاغتصاب الحكم والضحك على الشعب ووضع كلبشات قوية للمعارضة، واليوم حين نقف أمام نفس المسرحية لإدارة بايدن ومحمد ابن منشار عنوانها وهمي ينص على الحل السياسي لقضية اليمن والغاء قرار إدارة ترامب عن تصنيف حركة انصار الله واخشى أن تمارس الإدارة البايدنية نفس المسرحية الوهمية لتصبح السعودية شريكة في نسجها حتى وإن حاولت أن تبرز بحلقات المسلسل أنها منزعجة من عزم خارجية بايدن بإلغاء القرار السابق ثم يأتي المهرج خلفان ليسوق نفس المسرحية.
على ضوء ما سبق استطيع الوقوف أمام بعض الملاحظات:
أولا: الإشارة للأسماء التي وردت في القرار السابق هي مدونة ضمن سياق قرار الإلغاء ولم يشملها قرار الإدارة البايدنية هنا يكون قرار بامبيو ساري المفعول ويتحول قرار الإلغاء لبرنامج تنفيذي بشكل ناعم على اعتبار أن ورود اسم السيد القائد عبدالملك الحوثي حفظه الله وشقيقه وعبدالله الحاكم في قرار بامبيو وكذلك بقرار خلفه الجديد يعني الاتفاق بين صناع القرارين على تنفيذ ما ورد في الأول عبر الثاني من خلال توجيه التصنيف للرمز الأول في هذه الحركة الثورية وشقيقه ونجل الحاكم، على اعتبار أن التصنيف والاتهام الأمريكي لأهم رمز في قوى 21سبتمبر هو تصنيف لكل الأطراف المناهضة للعدوان وفي طليعتها حركة انصار الله ويوفر المبرر للتدخل الأمريكي عسكريا وسياسيا بشكل مكشوف. ومن يرحب بالقرار السابق أو اللاحق إما لديه فائض من الغباء السياسي أو أنه مصاب بفيروس الأمركة الخفية ويصنف ضمن من يسعون لاستهداف هذه الرموز الثورية بشكل ناعم.
هنا يتجلى الغلاط الناعم لإدارة بايدن ومؤشر على أن لعبتها راهنا أصبحت بالتعاون والتنسيق مع الرياض كما أن ترحيل الإعلان للقرار ليوم الثلاثاء وتزامن ذلك مع معركة مارب في ظل صياح ونياح الغرب عن هذه المعركة وتسابقهم في الإدانات ضد انصار الله عن هذه المحافظة إضافة لتطابق موقف السمسار الأممي غريفيث مع مضمون المسرحية مؤشر على الوجود إما مساومة بين السعودية و البيت الأبيض وخفافيش مجلس الأمن ليوفر الفرصة لقوى العدوان في حسم معركة مارب أو من أجل أن تقبل الرياض شروط العقد الجديد مع واشنطن.
أما من يسوقون بأن الرياض منزعجة وقلقة من إدارة بايدن فهذا كلام استهلاكي له طابع وهمي لان واشنطن تبحث عن مصالحها ولن تفرط في البقرة الحلوب بل ستجلب لها لوبيات ومشاريع الحلابة سواء بآليات الديمقراطي أو الجمهوري.
بالعودة لبحث الأسباب عن تأخير الإعلان عن القرار إلى يوم الثلاثاء، هنا يكون احتمالان الأول إما أن السعودية دخلت بهذه اللعبة الوهمية مع بايدن خصوصا بعد المصالحة القطرية السعودية والاحتمال الثاني قد يكون هناك مساومة بين واشنطن والرياض بترحيل الإعلان لإتاحة الفرصة للسعودية لدراسة موقفها أو لترويضها بقبول موافقة البيت الأبيض.وطالما هذا القرار ما يزال حبراً على ورق في ظل المعركة القتالية في محيط مدينة مارب مع تعالي الصياح والنياح للناتو والخليج وبقية أجندات العدوان حول هذه المعركة وبروز شراكة سمسار الأمم المتحدة في طباخة المسرحية وتنامي درجة القلق لديه فإن الأمر فيه إنّ.
أما الترحيب بقرار بايدن من بعض الأطراف المحسوبة مع أو ضد العدوان فإن كانوا لا يدركون خطورة اللعبة فالمصيبة أعظم، أي اذا لم يفهموا عمقها فإن ترحيبهم جزء من الكارثة وبهذه الحالة لا ينبغي أن يكونوا صناعاً للقرار السياسي والمصيري لمستقبل البلد.. وإذا كانوا يفهمون ويدركون عمق هذه المسرحية فإن المصيبة أعظم، أي أنهم قد يكونون إما مؤمركين أو مطبعين مع الصهيونية الغربية والعربية من الباطن ويقفون ضد رمز الثورة والحركة بما يكفل تحقيق مصفوفة الأهداف لواشنطن، كما أن صمت بعض القيادات المعنية من أعلى إلى أدنى جزء من المشكلة، عار والخوف عار وعلامة الرضا عار.
بالتالي إذا كان هناك مصداقية من واشنطن بالحل السياسي العادل والشامل لليمن فيتطلب ذلك منها موقفاً صريحا وفوريا من إدارة البيت الأبيض يكون مدخلها العملي التالي:
أن تصدر إدارة بايدن قراراً بإلغاء كل ما ورد في قرار بامبيو شكلاً ومضموناً بحيث لا يرد أي اسم ضمن قرار الإلغاء دون شروط من هذا أو ذاك.
أن يتوقف عدوان دول التحالف البري والجوي والبحري وتنسحب كافة القوى الأجنبية من اليمن وعلى رأسها الإمارات والسعودية إلى حدود عام 90 م.
أن تتولى واشنطن كسر الحصار الشامل على اليمن وتسمح بدخول المشتقات النفطية وغيرها.
أن تلتزم إدارة بايدن بتوفير الضمانات الدولية بإلزام دول العدوان بإعادة إعمار اليمن جراء عدوانها وتوفير مرتبات موظفي جهاز الدولة منذ انقطاعها ويكون هناك توازن دولي في صناعة الحل من خلال دخول روسيا والصين على المستوى الدولي وإيران على المستوى الإقليمي.
أن تلتزم إدارة بايدن تسليم عناصر الإرهاب إلى الأجهزة الأمنية في صنعاء لمحاكمتهم ممن قدمت لهم واشنطن والرياض الرعاية والدعم وفتحت لهم معسكرات لقتال اليمنيين.
أن تلغى كافة الاتفاقيات والمعاهدات التي تم إبرامها خلال فترة هذا العدوان بين حكومة فنادق الرياض وأطراف أخرى.
أن لا تتواجد أي أساطيل عسكرية للناتو في المياه السيادية اليمنية.
أن تعاد كافة الأموال المنهوبة إلى البلد والقبض على المتورطين بتهريبها.
إذاً في حال وافقت واشنطن على هذه الشروط فإنها ستكون بوابة الولوج لإيجاد كافة الحلول السياسية برمتها المتعلقة باليمن وهو المراد والأمل..
* نائب وزير الإعلام