الغارديان: إطلاق سراح الهذلول إرضاء لواشنطن

السعودية.. أحكام مشددة تحكي مظاهر الانتقام من نشطاء حراك القطيف السلمي

 

 

الرياض/
تصر السلطات السعودية على تطويع النظام القضائي وفقاً للأهواء والآراء السياسية التي تخدم مصالحها، فبعد جلسات محاكمة سرية افتقدت للمعايير القانونية قررت المحكمة الجزائية المتخصصة البت بقضية الناشطة المعتقلة إسراء الغمغام ومجموعة المعتقلين الأربعة في القضية عينها، وأصدرت أحكاما ابتدائية ضدهم بسنوات سجن مشددة تشي بحجم الانتقام والتنكيل والاضطهاد الذي يضمره النظام ضد النشطاء من أبناء القطيف والأحساء، والعمل على الانتقام منهم على دورهم في الحراك السلمي المطلبي الذي احتضنته القطيف عام 2011م.
ويوم الأربعاء 10فبراير 2021م، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكما بالسجن 8 سنوات بحق الناشطة المعتقلة إسراء الغمغام إبنة بلدة الشويكة بعد تراجع النيابة العامة عن طلب الإعدام بحقها قبل عام، وحمل الحكم المشدد بحقها صورة انتقامية من نشاط الغمغام الفاعل في انتفاضة الكرامة الثانية. وتقضي الغمغام أيامها منذ ديسمبر 2015م، خلف القضبان، وقد يستمر حالها هذا إلى ثلاث سنوات أخر أيضا، نتيجة التشديد في الحكم المغلظ ضدها وضد صوتها المطالب بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء المنطقة.
وضمن الأحكام الصادرة في جدول المحاكمات وإصدار أحكام مشددة، قضت الجزائية بموجب حكم ابتدائي بالسجن 17 سنة ضد الناشط المعتقل السيد موسى الهاشم الذي اعتقل وزوجته إسراء نتيجة عملية دهم لمنزلهما عام 2015م ويحاكما بالاتهامات والقضية عينه، وكان المدعي العام يطالب بالإعدام للسيد موسى، شأنه شأن المعتقلين النشطاء في القضية إذ صدر حكما بالسجن 10 سنوات بحق الناشط علي عويشير، كما جرى تغليظ الحكم الابتدائي بحق المعتقل أحمد المطرود بالسجن 15 سنة، فيما لم تتضح حيثيات الحكم ضد الناشطين خالد الغانم ومجتبى المزين المتهم ضمن المجموعة نفسها بالانتماء إلى ائتلاف الحرية والعدالة، أبرز التشكيلات المنظمة في انتفاضة الكرامة التي شهدتها المنطقة بين الأعوام 2011م وحتى مطلع العام 2016م.
وتحكي أحكام ابتدائية مشددة مظاهر الانتقام من مجموعة من النشطاء الذين شاركوا في حراك القطيف السلمي، وطالبت النيابة العامة بتشديد العقوبات بحقهم بتهم تتعلق بنشاطهم السلمي المطلبي الذي احتضنته شوارع القطيف في العام 2011م، وتأتي الأحكام المشددة بصورة تعكس الدوافع السياسية الإنتقامية من النشطاء وعدم استنادها إلى مبررات أو مسوغات قانونية حقيقية، خاصة وأن جلسات المحاكمة التي تعرضت لها إسراء ومجموعة النشطاء بدأت في أغسطس 2018م، افتقدت لمعايير العدالة القانونية والإنسانية مع غياب الأدلة وعدم إثبات الاتهامات المزعومة بحقهم، ومنعهم حقهم في الدفاع عن أنفسهم بتوكيل محام، وغياب المعتقلين عن جلسات المحاكمة المضطربة والغامضة.
الحكم المجحف والانتقامي بحق الناشطة المعتقلة إسراء الغمغام يكشف هول القمع السلطوي، إذ سبق أن تحدثت معلومات عقب تراجع المطالبة بإعدامها عام 2019م، رجحت المعلومات أن يتم فرض أقصى العقوبة ضدها وفق العقوبة المقررة في المادة الثامنة من النظام الجزائي لجرائم “التزوير”، وهو ما يعني أنها تواجه حكما قد يصل إلى 5 سنوات في السجن وغرامة مالية تصل لنصف مليون ريال (120 ألف يورو)، والحد الأعلى من العقوبة المقررة في المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، والتي تصل حتى السجن 5 سنوات وغرامة حتى 3 ملايين ريال (722 ألف يورو)، وفينا لو حكمت ظلما وتعسفا بهذه العقوبة كان يفترض أن يجري الإفراج عنها، إلا أن النظام قرر تغليظ الحكم بشكل انتقامي، على أساس تهم غير متناسبة وغير عادلة.
تجزم شاكلة الأحكام المشددة، ولو بضبغتها الابتدائية، بانعدام الإنصاف لمجموعة المعتقلين، خاصة مع محاكمتهم في محكمة الإرهاب وبموجب قانون الإرهاب بسبب ممارستها لأنشطة سلمية مكفولة في القوانين الدولية، ولعل أبرز أوجه الانتقام وانعدام العدالة وغياب المعايير الموحدة في النظر للقضايا، أنه جرى تغليظ الحكم الابتدائي بين مجموعة النشطاء، وبشكل متفاوت على الرغم من توجيه الاتهامات عينها وتشابه التهم إلى حد كبير جدا الأمر الذي يثير الكثير من الاستغراب.
من جانب آخر اعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها، أن الإفراج عن الناشطة السعودية “لجين الهذلول”، هو عبارة عن حركة من ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” للتقرب من الإدارة الأميركية الجديدة.
وأضافت أنه في الوقت الذي عاشت فيه الهذلول أول يوم خارج السجن بعد ثلاثة أعوام، كان الحاكم الفعلي ابن سلمان يتطلع لنتائج عرض السلام من جهته إلى الإدارة في واشنطن.
وقال التقرير إن ولي العهد السعودي يتعامل مع قراره الإفراج عن الناشطات السعوديات المطالبات بحقوق المرأة كمحاولة وإن متأخرة للانفتاح على الإدارة التي أعلت في الأسابيع الأولى نبرتها حول موضوعات حقوق الإنسان التي أصبحت شرطا للعلاقات مع الرياض بالإضافة لتصحيح أخطاء فترة دونالد ترامب.
ويقول الكاتب إن إنهاء سجن الهذلول التي تحولت خلال 1001 يوم وراء القضبان إلى رمز شهير استخدمه نقاد النظام السعودي في الولايات المتحدة.
وكان الإفراج عنها على رأس قائمة الأعمال في جدول الرئيس بايدن، وهي رمز معروف حصل على شهرة أثناء فترة باراك أوباما عندما طالبت بإحداث تغييرات اجتماعية في بلادها ثم قبعت في زنزانة طوال فترة دونالد ترامب الذي لم يظهر أي اهتمام بمأزقها.
ولكن الأمور مختلفة اليوم وبدت من رد فعل بايدن السريع على الإفراج عنها عندما قال: “كانت داعية قوية لحقوق المرأة” و”الإفراج عنها قرار صائب”.
ومضى على وصول بايدن إلى البيت الأبيض أكثر من أسبوعين ولم يرفع الهاتف بعد للاتصال مع محمد بن سلمان أو والده الملك سلمان.
والصمت يصم الآذان في الرياض التي كانت في منعطف آخر من إدارة ترامب تحضر لاحتفال ضخم لرجل وصل متعهدا للتخلي عن مواقف سلفه ويقدم أمريكا كحليف يهمه العقود والصفقات ولا اهتمام له بحقوق الإنسان.
وحظي ترامب في زيارته للرياض بأعلى التكريم واستعادة الراية كحليف استراتيجي للسعودية، وتراجعت العلاقة السعودية- الأمريكية في ظل أوباما الذي رأى أن الاتصال مع إيران هو مفتاح خفض النزاع في منطقة تستعر فيها الحروب.
وفي أول قرار له في السياسة الخارجية، أعلن بايدن أنه سيوقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن وسيزيل اسم أنصارالله من قائمة الجماعات الإرهابية في محاولة لتسهيل حل دبلوماسي للأزمة.
وفي ضربة أخرى للسعودية، أعرب بايدن عن نيته العودة إلى الاتفاقية النووية، مما يعني تفكيك العلاقات الخاصة التي أضفاها ترامب على العلاقات مع السعودية ويعيدها إلى علاقات تقوم على أسس تقليدية.
وعندما أصدرت محكمة سعودية حكما بالسجن على الهذلول في ديسمبر قال جيك سوليفان المعين في حينه كمستشار للأمن القومي إن إدارة بايدن المقبلة ستجعل من حقوق الإنسان مركزا لموقفها من الرياض “لقد ركزنا على أهمية حرية التعبير والنشاط السلمي في السعودية أثناء تحسينها لحقوق المرأة” و”نتطلع للإفراج المتوقع عنها في 2021م”.
وأضاف أن “سجن الهذلول لأنها مارست حقوقها العامة غير منصف ومثير للقلق. وكما قلنا فإدارة بايدن – هاريس ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان تحدث فيه”.
ونظر مسؤولون سعوديون بارزون في الإفراج عن الهذلول بأنه لفتة ذات مخاطر قليلة وقد تؤدي إلى حسن نية من إدارة بايدن.
وشملت قائمة الاتهامات التي وجهت للهذلول، مشاركتها معلومات عن حقوق المرأة في السعودية مع منظمات حقوق الإنسان في الخارج والاتصال مع دبلوماسيين وصحافيين أجانب.
وكانت قد اعتقلت في 2014م بمجرد تحديها المنع على قيادة السيارة. ومن التهم الأخرى تقديمها طلب عمل في الأمم المتحدة.

قد يعجبك ايضا