استغلته أبواق العدوان كمادة للارتزاق
بداية أود التأكيد أن السبب الوحيد لاهتمامي بما حدث مؤخراً بشارع هائل بأمانة العاصمة صنعاء هو انطلاق من واجبي الديني والوطني وأيضاً الأخلاقي.
فقد أزعجني كثيراً حجم تلك الهجمة الشرسة التي لم تراع ديناً أو ضميراً لأبواق الإرجاف والعمالة والتضليل التي وظفت ذلك الإجراء الروتيني لبلدية العاصمة صنعاء والذي يتكرر دائما في ضبط بعض الممارسات المخالفة للقانون للمحلات التجارية وأصحاب البسطات لتخلق منها قضية سياسية وموقفاً متطرفاً من خلال اختلاق تفاصيل مفبركة لمعركة وهمية تنطلي على المثقف العتيد قبل المواطن البسيط بينما هي في الحقيقة لا تمت للواقع بصلة..
انطباعات كتبها/ طارق مصطفى سلام
نعم، أنا أعرف وأعي جيداً بأن أبواق العمالة والإرجاف في الطابور الإعلامي الخامس والخلايا الإرهابية النائمة تختلق دائما أحداثاً زائفة في محاولة بائسة منها للإثارة والتهويل وسبق لها وفي شارع هائل تحديدا والذي يتميز بكثافة سكانية لذوي الدخل المحدود أن وظفت أحداثاً اعتيادية وتفاصيل نمطية تقع يوميا في المجتمع والشارع اليمني لتخلق منها فرصة مواتية لتخترق جبهتنا الداخلية من خلال الترويج للوقائع المختلقة وأساليب الدس الرخيص والتي تكررت كثيرا مؤخرا في محاولة محمومة منها لتضليل الشارع اليمني المكافح وخداع المواطن البسيط، وفي ظل غياب غير مبرر لأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية الوطنية في الرصد والتوعية في هذا الجانب الهام المتعلق بتماسك جبهتنا الداخلية، وفي سياق تقاعس ملحوظ وغريب لعقال الحارات وكافة مستويات العمل المجتمعي في المدينة الشامخة صنعاء !!
نعم، قرأت في شبكات التواصل الاجتماعي تصريح المصدر المسؤول في حكومة الإنقاذ الوطني بينما لم أسمعه أو أشاهده في وسائل الإعلام الوطني أو انه لم يحظ بالاهتمام المطلوب بقدر أهمية التصدي لفتنة الطابور الخامس ومحاولته المتكررة لنخر جبهتنا الداخلية، وهذا سياق آخر للنقد الذاتي المسؤول يجب أن يتقبله إخواننا في قيادات هذه الأجهزة المسؤولة.
وها كم نص التصريح للمصدر المسؤول في حكومة الإنقاذ الوطني الذي لم يحظى بالاهتمام اللازم من قبل وسائل الإعلام الوطنية:
(صرح مصدر مسؤول في حكومة الإنقاذ الوطني، إن ما قام به مكتب البلدية في شارع هائل بالعاصمة صنعاء هو مجرد إجراءات طبيعية ضد المحلات التجارية المخالفة، والتي قامت بعرض منتجاتها في الشوارع، وهو ما يتسبب باختناقات مرورية.
وأضاف المصدر ”، أن بعض المحلات قامت بعرض مجسمات في الشوارع، متسببة بازدحام مروري، الأمر الذي دفع البلدية لاتخاذ إجراءاتها تجاه المحلات المخالفة.
وأكد المصدر أنه لا يوجد حملة ضد المحلات التجارية، وما تم هو مجرد إجراءات عادية.):.
نعم. ربما هذا البيان الشفاف للحكومة يكفي (ويشفي صدور قوم مؤمنين).
ولكن حجم الحملة الإعلامية والاجتماعية المهولة هذه المرة لأبواق العمالة والإرجاف ووقوع نخبة ممن يدعون بأنهم من مثقفي هذا الوطن الصامد في شراك الزيف ومصيدة التضليل لعدونا جميعا المتربص بالوطن والحاقد على الشعب منذ زمن قديم .
نعم، هالني حجم هذا الانجرار الغريب لبعض مثقفي الوطن ليقعوا في شراك هذا الحقد الدفين على اليمن وأهله الكرام..!!
إلا أنني عزمت أمري كمواطن يمني حر وغيور أن لا أكتفي بتصريح المصدر المسؤول وأن ابحث عن الحقيقة من مصدرها الشفاف.
ولأجل معرفة الحقيقة دون تجميل أو رتوش توجهت راجلا إلى شارع هائل منذ ما بعد صلاة عصر يومنا هذا الأحد الموافق 24 يناير2021م إلى قبيل صلاة المغرب ومررت (منفردا دون صحبة) على المحلات التجارية وبسطات البيع العشوائية وسلمت على أصحابها وتحادثت ومزحت معهم محاولا تطمنيهم وكسب ثقتهم قبل أن اقدم نفسي لهم كصحفي مثابر يبحث عن الحقيقة في ما جرى لهم ومعهم مؤخرا ، فكانت الحصيلة الثمينة هذه الحقائق من مصدرها المباشر، وأسردها لكم بشفافية مطلقة كما جاءت وسمعتها من أصحابها وأرفق معها بعص الصور الفتوغرافية التي أخذتها بنفسي للمحلات التجارية بشارع هائل أو تلك الصور التي قبل أصحاب المحلات أن يأخذوها لي في محلاتهم وبعضها برفقتهم دلالة لثقتهم بي، ومن ناحية أخرى حرصت أيضاً على أخذها وعرضها هنا لأثبات مصداقية ما سوف يرد ويكتب في مقالي هذا وعلى النحو الآتي :
1/ أكد لي معظم أصحاب المحلات في بداية شارع هائل من ناحية الزبيري أن الحملة لم تستهدفهم بل لم تصل لهم مطلقا كونها تستهدف أصحاب البسطات ولكون البسطات لا توجد في بداية شارع هائل فهذا يعني أنها لا توجد أمام محلاتهم، فبالتالي هم عرفوا بحملة البلدية في شارعهم بمجرد السماع وعندما سألتهم ماذا سمعوا عنها أفادوا بأنهم سمعوا بأن الحملة جاءت لازالت البسطات الممتدة من طرفي الشارع مما ضيق على انسياب وسهولة حركة السيارات والمواطنين في الشارع، وعندما لاحظت وجود (المانيكانات/الاصنام) في محلاتهم..
سألتهم : هل حملة بلدية أمانة العاصمة جاءت خصيصاً لازالت ما تسمى بالأصنام كما ادعت أبواق الإرجاف، تعجبوا لأنهم لم يسمعوا بذلك ولكن بعضهم الآخر استدرك الأمر وقالوا: نعم سمعنا ان بعض القائمين على الحملة طلبوا من بعض المحلات التي تعرض المانيكانات أمام محلاتهم على رصيف الشارع وعليها ملابس داخلية تخدش الحياء العام ان يتم إدخالها لداخل المحل وذلك لسببين، أولا لأن عرضها بالشارع مخالف لقانون البلدية، وثانيا لان عرضها بالشارع على ذلك النحو يخل بالآداب العامة ويسيء لعاداتنا الاجتماعية، ولكن بعضهم طلب مني (لمعرفة الحقيقة من مصدرها) أن أتوجه إلى منتصف الشارع عند لكمة شارع هائل حيث بدأت الحملة من قرب محل القمرين للملابس الجاهزة.
2/ توجهت للبسطات بجانب محل القمرين بشارع هائل ولكني بدأت بسؤال أصحاب المحلات هناك عن تلك الحملة المشهودة للبلدية فاكدوا لي أنها استهدفت البسطات في الشارع كونها تسببت بالتضييق على حركة السيارات والمارة وعندما سألتهم عما يشاع أنها استهدفت ما يسمى بالأصنام (المانيكانات) اكدوا لي أن القائمين على الحملة طلبوا منهم عدم عرض المانيكانات أمام المحلات على رصيف الشارع وإدخالها لداخل المحلات وان لا يتم عرض المانيكانات بالملابس الداخلية في مدخل المحل ويفضل عرضها بالدور الثاني اذا كان المحل يتكون من عدة أدوار لما يسببه ذلك من إحراج لرواد المحل خاصة من الفتيات وذويهم، كما انه يسمح لبعض المراهقين والمنفلتين من اطلاق التعليقات البذيئة التي تستفز مشاعر الناس في الشارع، واكدوا لي انهم يتفقون مع هذه التعليمات بقولهم: نحن من هذا المجتمع ولدنا ونعيش فيه ولم نأتٍ من المريخ وجميعنا لدينا أمهات وبنات وأخوات نحرص على مشاعرهن ولا نقبل أن نحطهم في مثل هذا المواقف المحرجة (والشاذة).
مع شاب أرعن
3/ انتقلت إلى محل آخر فوجدته يعرض المانكينات التي تخدش الحياء العام على الرصيف بجانب المحل وفي مدخله..!!
سألت بأدب احد العمال ممن يقفون في مدخل المحل: لماذا يا ابني تعرضوا هذه المناظر الخادشة للحياء على قارعة الطريق.
ويبدو أنه كان شاب أرعن إذ رد عليا مستفزاً: أيش تشتي يا والد نكسر لك هذه الأصنام؟
رديت عليه محتداً: نحن لسنا في الجاهلية نحن في عز الإسلام، نحن لسنا بقريش الكفر والنفاق نحن بصنعاء عاصمة الصمود وراية الانتصار.
ارتبك الشاب وتلعثم في كلامه وهو يحاول أن يبرر لي موقفه المتهاون وخلص للقول: نحن لسنا من أسميناهم بالأصنام بل هم من قالوا أنها أصنام وأرادوا أخذها معهم ..
حاولت تهدئته وكسب ثقته مجدداً بأن سلمت بكلامه ومبرراته وابتسمت وأنا أقول له: ألستم أنتم العاملين في المحلات التجارية من تسمونها بالمانيكانات، لماذا تسميها اليوم بالأصنام؟، ومن هم الذين أرادوا أخذها معهم ؟
قال مرتبكا: الحوثيين..
قلت له: وكيف عرفت أنهم الحوثيين؟
قال: هم من جاءوا بالأمس بالحملة..
قلت له: أولئك هم عمال البلدية وليس الحوثيين، وإن كانوا من الحوثيين فقد أخطأوا بهذه التسمية النكراء وهذا الأسلوب المنفر..
ولكن لماذا لم تلتزموا أنتم في هذا المحل كما فعل غيركم بالمحلات الأخرى المجاورة وتزيلوا مثل هذه المناظر التي تخدش الحياء العام وتشجع المراهقين من الجنسين للخروج عن الآداب العامة والأخلاقيات المتعارف عليها في مجتمعنا اليمني المحافظ..
تجمع حولي بعض زملائه في المحل وقالوا لي: نحن التزمنا بهذه الضوابط الحريصة على آدابنا العامة وتقاليدنا المجتمعية ولكن انظر لأصحاب البسطات ما زالوا يعرضون الملابس الداخلية على المانيكانات..
4/ خرجت للشارع لأتحدث مع أصحاب البسطات عن حملة البلدية، وبعد أخذ ورد معهم انبرى لي أحدهم وخاطبني بنبرة واثقة قائلا :
يجب مراعاة ظروفنا
نعم ، كانت الحملة موجهة ضدنا لتضييقنا على الشارع، ولكن أين نذهب وهذه البسطات مصدر رزقنا الوحيد، هل يريدون قطع أرزاقنا ولقمة عيشنا فتتشرد نساؤنا وأطفالنا؟ عليهم أن يعدلوا ويراعوا الله في ظروفنا ونحن جزء من هذا الشعب الصامد، نحن لم نخضع للعدوان ولم نهاجر وصامدون في الشارع.
فوجئت بهذا الكلام القوي والحجة المقنعة للشاب صاحب البسطة وسألته عن مستواه الدراسي فقال لي انه خريج كلية التجارة جامعة صنعاء وبامتياز .. تأثرت من إجابته وأعجبت بها بل كادت الدمعة أن تفارق عيني فرحا. وعدت لسؤاله بصوت مرتعش لأتبين مدى وعيه بما يقول من كلام عميق : أنت تتحدث عن كفاحك وعن الشعب الصامد، ولكن هل تعلم من هو عدوك وعدو شعبك؟
ابتسم وقال لي مداعبا: هل تريد اختبار موقفي الوطني؟ أنا ضد العدوان السعودي على بلدي في الماضي والحاضر وأعرف أن حصاره لوطني يقتل شعبي ويقتلني وأنا حاقد عليه أكثر منك ومن الحوثيين، لماذا تعتقدون أن مواجهة العدوان موقف خاص بكم أنتم فقط، أنا من أسرة فقيرة ولكن أبي كان يقول لي دائما أن حقد آل سعود علينا كبير وأن معظم المسؤولين والمشائخ في اليمن عملاء لهم ولن ينتهي فقرنا وتعبنا يا ابني إلا اذا عاد الحمدي وتخلصنا من عملاء آل سعود ونحن تعبنا في مواجهة السعودية وفشلنا في تغيير اليمن والأمل فيكم أنتم الجيل الجديد وعليكم التسلح بالعلم والوعي لتنتصروا على هذا السعودي المجرم عدو اليمن واليمنيين كافة..
تسمرت في مكاني من الدهشة وأنا أستمع إليه وأتمنى أن يستمر في حديثه وأزعجني انقطاع حديثه لانشغاله بزبائنه العديدين والمترددين عليه بكثرة وبود ملحوظ.
انتظرت إلى أن انتهى من زبونه الأخير فقلت له: هل عاش أبوك في عدن!
فقال لي مستغرباً: لماذا تسأل هذا السؤال العجيب ..
قلت له: لأنك تتحدث بثقافة أهل عدن قبل الوحدة في موقفهم من العدو السعودي.
قال لي معاتباً : لماذا تحصر الموقف الوطني بمواجهة السعودي الحاقد بأهل عدن فقط، والدي من محافظة …. وأنا من اليمن ولدت في صنعاء وفي صنعاء التي أحببتها عرفت مدى حقد السعودي عليها وعلى كل اليمن.
سألته: من أين عرفت ذلك؟
قال لي: من أبي ومن بعض أساتذتي في الثانوية والجامعة ومن ناس المجتمع في صنعاء وفي قريتي.
وبينما هذا الشاب البسيط يتدفق حماسا ووطنية في حديثه معي وأنا لا أملك إلا أن أستمع له مدهوشا، سرحت قليلا بأفكاري لأقول في سري: جئت إلى شارع هائل لأبحث عن بعض الحقيقة فوجدت كل الحقيقة، جئت لشارع هائل لأكشف زيف المرتزقة وأكاذيبهم فوجدت الوطنية في أرقى مواقفها وعمق صدقها.. نعم.. هنا يولد اليوم في صنعاء ألف قائد مثل الحمدي وألف مجاهد مثل الصماد..
لملمت شتات أفكاري المبعثرة بسبب إعجابي بهذا الموقف القدوة الذي قدمه لي هذا الشاب المتواضع في سلوكه الكببر بمواقفه الوطنية وهو يتحدث معي بكل أنفة وشموخ حيث لم أتوقع أبداً أن أجد عند صاحب بسطة على باب الله في شارع هائل كل هذا العنفوان والشموخ اليمني الأصيل ..
نماذج وطنية
جئت إلى شارع هائل وأنا أتقمص دور الناقد الأستاذ فاكتشفت أنني لست سوى تلميذ خائب في محراب هذا القديس العملاق..
حاولت أن أتماسك وأنا أسأله: هل والدك الطيب ما زال على قيد الحياة، أريد أن أقابله..
قال لي متأثراً: تأخرت كثيرا يا أخي فقد توفاه الله منذ زمن بعيد..
قلت له مؤمنا: اُدْعُ لوالدك دائما يا ابني فقد كان أبا صالحاً ووطنياً غيوراً.
ثم سألته فجأة : هل لي أن آخذ صورة معك، فشرف لي معرفتك ..
اعتذر بأدب وقال لي: أنت صحفي وأنا لا أثق بالصحافة والصحفيين ولكن لا اعرف لماذا وثقت بك انت هذه المرة.
قلت له مبتسما : ربما لأنني حر مثلك وأشبهك، ولكن هل تسمح لي بنشر حديثنا هذا دون صورة.
قال: نعم ولكن لا تذكر اسمي..
قلت له ضاحكا: ومتى أخبرتني باسمك حتى أنشره.
قال لي مبتسما: اكتب عني فقط، إنني شاب حر مجاهد من اليمن يواجه العدوان ويكره أعداء الوطن.
مددت يدي له مصافحا ومودعا وقبلت جبينه قائلا: لك ذلك يا عاشق اليمن..
سوف أكتب عنك بكل الحب والامتنان وسوف اذكر موقفك اليوم بكل التقدير والاحترام وسوف اجعل منك قدوة لي بكل الفخر والاعتزاز..
وها أنا افعل.
ويبقى السؤال الواجب طرحه هنا على مجتمعنا اليمني وقياداتنا الثورية والسياسية :
إلى متى نظل ننظر إلى معالجة قضايانا الهامة الاقتصادية والاجتماعية بنظرة أحادية قاصرة وسطحية في وضع الحلول ؟!
وإلى متى يظل أمر معالجة قضية البسطات بين جدلية تنظيم الأسواق وقطع الأرزاق؟!
لماذا لا نفكر أن نوجد أسواقاً مجانية نجمع فيها الباعة المتجولين وأصحاب البسطات؟
دون ذلك، ودون دراسة عميقة وشاملة لقضية الباعة المتجولين وأصحاب البسطات فإن مكافحتهم بهذا الأسلوب العشوائي السقيم تظل معركة خاسرة بالتأكيد، والله على ما أقول شهيد .