لاستغلال أمثل للثروات المعدنية في البلاد

 

وليد الغوري

يعد قطاع التعدين أحد اهم القطاعات الاقتصادية الأساسية المساهمة في بناء الدول، وتعتبر الصناعات المعدنية أبرز دعائم النمو الاقتصادي وركيزة أساسية لنهضة الأمم, وخصوصاً أنه لم يعد هنالك جدوى للاعتماد على قطاع النفط كمصدر وحيد للنمو الاقتصادي وخطط التنمية المستدامة، وتفخر اليمن بامتلاكها ثروات معدنية متنوعة وبكميات وفيرة .
يواجه قطاع التعدين في اليمن العديد من التحديات، ولديه الكثير من الطموحات التي يسعى لإنجازها، وذلك من خلال إيجاد قاعدة صلبة لإدارة وتنظيم قطاع التعدين ومشاريعه الاستثمارية القائمة والواعدة بما يضمن تحقيق معايير جودة عالية، وأفضل عائد استثماري، على خطى تحقيق الاكتفاء الذاتي والوصول إلى التصدير الخارجي وضمان زيادة مساهمته في الناتج الإجمالي، مع الاهتمام والاستفادة من الكادر اليمني وبناء قدراته النوعية في مجال التعدين، حيث تمتلك هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية العديد من الدراسات لمشاريع هامة وجبارة سوف تمثل نقلة نوعية لقطاع التعدين في حالة تم التنفيذ لهذه المشاريع مثل :-
إنشاء مصانع أسمنت في محافظات إب، ذمار، وصعدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وجعل اليمن مركزا متقدما لصناعات الإسمنت وتصدير الفائض من هذا المنتج لدول القرن الأفريقي.
إنشاء مصانع للسیرامیك في محافظتي حجة وریمة لما تمتلك هاتان المحافظتان من احتياطيات كبيرة للمواد الخام الداخلة في صناعة السيراميك.
إنشاء مصانع للألاف والقضبان البازلتیة حيث تتواجد احتياطيات كبيرة لصخور البازلت في مختلف المحافظات اليمنية.
إنشاء العديد من المصانع في تعز، إب، ذمار لمنتجات الزيولايت التي تستخدم في الجانب الزراعي والحيواني والصناعي نظرا لتوفر المواد الخام في هذه المحافظات.
إنشاء عدة مصانع للجبس في محافظات الحديدة، مارب، وإب، وصنعاء، والمهرة نظرا لتوفر مواد الجبس الخام في هذه المحافظات.
إنشاء مصانع لتكرير الملح وإنتاج محاليل الصودا في الحديدة، مارب، شبوة، حضرموت نظرا لتوفر احتياطيات كبيرة من الملح الصخري في هذه المحافظات.
إنشاء شركات تصدير للملح الصخري اليمني الذي يحتل المراتب الأولى عالميا من حيث النقاوة وله طلب متزايد من قبل المستوردين.
العمل على إنشاء مصانع خاصة لأحجار البناء والزينة بتكنولوجيا متقدمة لتقليل الفاقد منها، والحد من الاستيراد لهذه الأحجار كون اليمن تمتلك مخزونا استراتيجيا كبيرا ومتنوعا من أحجار البناء والزينة.
فتح باب الاستثمارات والترويج لشركات تعدين دولية تمتلك الخبرات والتقنيات الحديثة.
إنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الحرارية الأرضية في المنطقة الواقعة بين (ذمار، إب، الحديدة).
إنشاء ميناء خاص لتصدير الأحجار بمختلف أنواعها وتطوير البنية التحتية للموانئ لاستقبال السفن العملاقة الناقلة لها، والسعي للحصول على تمويل لعمل سكك حديدية لنقل المعادن من المصدر إلى قرب موانئ التصدير.
وهنا نؤكد على ضرورة التركيز على الجوانب الفنية البحتة والعمل على إثرائها بشكل تفصيلي في الخطط الاستراتيجية لقطاع التعدين، بما يضمن تعزيز نجاحها في المراحل القادمة وسوف نناقش هنا بعض أهم المتطلبات الأساسية لتطوير مشاريع التعدين في البلاد، آخذين بعين الاعتبار الوضع الراهن والظروف الحالية والمستقبلية لليمن وما نعول عليه في مرحلة إعادة الإعمار وإنعاش التنمية في ظل الحرب وما بعد الحرب، باعتبار قطاع التعدين من القطاعات الواعدة الذي يعول عليه في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية.
من أجل تنفيذ هذه المشاريع العملاقة على أرض الواقع.. يجب التركيز على أحد أهم المتطلبات الأساسية لتطوير أي مشروع للتعدين الذي يتمثل في « توفر التمويل» وما هي مصادر التمويل المختلفة التي يمكن الاعتماد عليها، فهنالك الشركات الحكومية التي يمكن أن يتم تمويلها حكومياً، وهنا نجد أن هذا الخيار غير مجد في اليمن حاليا، بسبب ضعف الميزانية العامة وعدم توفر التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية وخصوصا المشاريع العملاقة مثل مشاريع التعدين الفلزي والتي تعد من المشاريع التي تتطلب رأس مال كبير وفترة جني الأرباح والعائد طويل الأمد وليس على المدى القصير.
بشكل عام، تعتمد الشركات الاستخراجية الكبيرة التي تعمل في قطاع التعدين على ثلاثة مصادر رئيسية لتمويلها وهي: النقدية من المشاريع القائمة والأرباح المحتجزة، والقروض البنكية مقابل الميزانية العمومية للشركات، أو إيجاد تمويل للمشروع بناء على قدرة المشروع ودراسة الجدوى الخاصة به، مع ضرورة أن يكون هنالك تمويل ذاتي بمقدار ٢٠-٣٠ % والبقية قرض بنكي، وهذا لا ينطبق في اليمن لعدم وجود شركات وطنية أو أجنبية عملاقة تعمل في قطاع التعدين حالياً.
أما بالنسبة لشركات التعدين الصغيرة والتي غالباً ما يكون تدفقها النقدي مقيداً وقدرتها على الاقتراض صغيرة جداً، يتعين عليها أن تنظر في وسائل أخرى للبحث من زيادة رأس المال لتبني مشاريع استثمارية جديدة، من خلال الاندماج مع شركات أخرى، أو من خلال بيع جزء من الشركة لشركات اكبر سواء حكومية أو خارجية، أو الشراكة من خلال إحضار شريك بعد أن يتم دراسة وتحديد المشروع بشكل جيد ( على سبيل المثال: يتم الاتفاق على تمويل المرحلة التالية من مراحل تطوير المشروع في مقابل حصة متزايدة في المشروع)، والخيار الأخير هو الاكتتاب العام من خلال طرح أسهم الشركة للاكتتاب سواء شركات أو أفراد في مقابل منح حقوق للمساهمين في المشروع إلى جانب الأرباح.
الجدير بالإشارة أن حجم وقدرة الشركة في الغالب يتحدد بقدرة تلك الشركة على تمويل أو توفير التمويل من تلقاء نفسها من مشروع على نطاق عالمي في تلك الصناعة. وفي صناعة التعدين يتطلب الأمر تمويلا قد يصل إلى مليار دولار وربما أكثر، لتأسيس شركة مستقلة تتمكن من أن تستكشف، تنقب، تستخرج، تنتج وتصدر بكميات تجارية.
قبل اتخاذ قرار الاستثمار أو تأسيس شركة يجب معرفة جوانب فنية تتعلق بموضوع تقديرات الخام / الركاز والمعادن التي نحن بصددها، وذلك من خلال الاطلاع على الأعمال السابقة – التي يجب أن تكون مطابقة لشروط ومواصفات محددة- أو مواصلة الأعمال والدراسات التي توقفت واستكمالها أو البدء من جديد بعمليات الاستكشافات في المواقع الجديدة.
تقييم الموارد والاحتياطيات المعدنية الفلزية:
عند الدخول في الاستثمار في المعادن الفلزية لا بد أن يدرك المستثمر ما يقوم به من تبعات لهذا المشروع ومعرفة الخطوات الرئيسية المتسلسلة حتى يصل إلى المنتج ويعد هذه المحك الرئيسي والمتطلب الهام الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.. فعلى سبيل المثال تعد تركيزات خام الذهب من النوع الجيد والمجدي اقتصادياً اذا بلغت تركيزات خام الذهب اكثر من 5 جرامات لكل طن (وهنا نؤكد أنه يجب أن يكون هذا متوسط تركيزات الخام في العينات الصخرية والجيوكيميائية المأخوذة)، لهذا يجب القيام بدراسات استكشافية واخذ العديد من العينات ودراستها وعمل مسوحات جيوفيزيائية وحفر آبار استكشافية ضمن منهجية علمية لتحديد مبدئيا تركيز الخام يلي ذلك دراسات لتحديد حجم الاحتياطي للخام المعدني Reserve التي تعد الأساس لأي مشروع استثماري ويعتمد عليها في دراسات الجدوى الاقتصادية.
ولكي يتم التعامل مع هذه الأرقام والبيانات كأرقام رسمية تخول المستثمرين من الولوج في عالم الاستثمار بثقة أعلى وكذا الحصول على التمويل المناسب من شركات التمويل والبنوك والبحث عن شركاء، يجب على الهيئة سن الضوابط فيما يخص تقدير الاحتياطيات، بما في ذلك فحص ومراجعة بيانات العينات وتركيزاتها وطرق أخذها لضمان دقة المعلومات المقدمة من المختبر. وتبني المعايير والاشتراطات الفنية لتحديد وتقييم احتياطي الخامات المعدنية المعمول بها عالمياً، كما يجب تأسيس واعتماد المصادقة على تقديرات احتياطيات الخام من طرف ثالث يتمثل في شركات دولية متخصصة تعتمد وتصادق على هذه الاحتياطيات.
وهنا نشير إلى أن شركة اولتارا ULTARE Consulting قد قدمت مقترحا إلى رئاسة هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بالانضمام إلى مجلس التعدين العالمي ووضع اليمن على خارطة التعدين الدولية، والتي بدورها سوف تعزز مكانة اليمن وتساعد في جهود الترويج للاستثمار وضبط الإجراءات الفنية للشراكات العاملة في اليمن حسب معايير دولية تعد اكثر شفافية وتعزز الثقة في تعاملات الهيئة مع الشركات ومع أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في سبيل تطوير واستخراج الثروات المعدنية ودعم الاقتصاد الوطني.
دراسات الجدوى:
بعد معرفة حجم الاحتياطيات وتركيزات الخام، يجب تنفيذ دراسة الجدوى الشاملة والتي يجب أن تغطي الجوانب التقنية، والاقتصادية والمالية وتتضمن تقييمات تفصيلية لمراحل ومتطلبات التعدين المعمول بها دولياً وكذا عمليات التشغيل مع التحليل المالي التفصيلي الذي يعكس جدوى المشروع من عدمه، حيث تكون نتائج الدراسة بمثابة أساس لاتخاذ قرار نهائي من قبل المستثمرين والممولين وأصحاب العلاقة للمضي قدماً في تمويل المشروع، مع ضرورة ان يتم فيها مناقشة وتحديد ما يلي:
إجراء تقييم كامل للموقع المختار ومسح الموقع المقترح لأي منشأة أو مصنع.
تحديد ما هي التكنولوجيا التي ستستخدم لاستخلاص الخام وتقييم المخاطر ومحفزات استخدام التكنولوجيا الجديدة للتقليل من مخاطر تجاوز التكاليف أو زيادة الفاقد.
دراسات التأثير البيئي والاجتماعي.
البنية التحتية المطلوبة لتطوير المشروع
وللتوضيح يعد التعدين اللافلزي (خامات الجبس، المعادن الطينية، الملح، الزيولايت، الفلدسبار) اقل خطراً (مخاطر الاستثمار، المخاطر الجيولوجية) مقارنة بالتعدين الفلزي (معادن الذهب والنحاس والزنك والرصاص) ويجب اخذ هذا بالحسبان كون التعدين اللافلزي يعد مجديا ويمكن التركيز عليه ضمن الخطط الاستراتيجية لتطوير قطاع التعدين في مراحله الأولى.
وهنا نشير إلى ضرورة أن تقوم الهيئة بالعمل على إدخال التكنولوجيا الحديثة (تحليل الطيف لصور الأقمار الصناعية والاستفادة من تقنيات الاستشعار عن بعد) واستكمال أعمال التخريط الجيولوجي وإصدار الخرائط المعدنية لإماكن التمعدنات والخامات. بالإضافة إلى استكمال قاعدة بيانات الخرائط للجمهورية (اليابسة والجزر) وتغطية الجمهورية بخرائط ذات دقة عالية مستفيدين من التكنولوجيا الحديثة. واستكمال بناء قاعدة بيانات رقمية للهيئة والتأكد من أن كافة المعلومات الجيولوجية والمعدنية ذات مرجعية أكاديمية وعلمية ولها مستند ومن ثم إدراجها في قاعدة بيانات شاملة لكافة الموارد المعدنية. العمل على إعادة صياغة كافة البيانات والدراسات للمشاريع التي سبق دراستها بالتفصيل (الكتروني وورقي) من قبل الهيئة وفقاً للمعايير الدولية من اجل تشجيع المستثمرين فيها.
وفي الأخير .. وكون الغاية هو الإنسان وتنمية مقدراته فيجب تعزيز روح الشراكة مع القطاع الخاص، والمجتمعات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني من أجل تحسين سبل كسب العيش لدى ساكني المناطق التي تحتوى على خامات وترسبات معدنية وصخور صناعية وأحجار البناء والزينة ؛ وعلى الرغم من أن التعدين الحرفي لا يزال غير قانوني في اليمن، ولحين تأسيس وبدء العمل بشكل كبير، فإن التعدين الحرفي يمثل فرصة هامة لتوليد الموارد والمساهمة في الحد من الفقر في المناطق والمجتمعات المحلية التي لا تتوفر فيها بدائل أخرى كثيرة للدخل. ولكي يحدث ذلك، من الأهمية بمكان العمل على إضفاء الشرعية على من يقوم بالتعدين الحرفي وإضفاء الطابع الرسمي عليهم، وتحويل التعدين غير الرسمي وغير القانوني إلى نشاط أفضل وأقل ضررا للحرفيين وإدماجهم في النظام العام لإدارة حقوق التعدين بدلا من ترك الحبل على الغارب أو منعهم من التعدين. وهنا نوصي من باب الحوكمة الإدارية بضرورة وجود قسم خاص ضمن إدارة منح التراخيص معني بترخيص الحقوق المعدنية (بما في ذلك المحاجر والتعدين الحر في ضيق النطاق، تعدين الأحجار الكريمة) في نظام واحد وعام يقع تحت مسؤولية هيئة المساحة الجيولوجية وفروعها في المحافظات.
الخبير جيولوجي
مدير شركة اولتارا الاستشارية

قد يعجبك ايضا