توقف آلاف المصانع وعشرات الملايين من الأشخاص عن العمل أدى إلى خسائر تقدر بـ تريليوني دولار
اقتصاديون يتوقعون أزمة عالمية غير مسبوقة بسبب موجة ثالثة لفيروس كورونا
تعكف دول العالم الآن على الاستعداد لعالم ما بعد كورونا، واضعة في الاعتبار مصالحها القومية كأساس يحدد إطار حركتها للتعاطي مع هذا العالم الجديد، كما أنها تلهث لتعويض الخسائر التي حدثت خلال الفترة الماضية، والانطلاق بشراهة لاستئناف الأنشطة الاقتصادية أكثر من قبل والهيمنة على السوق العالمية.. إلا أنه من الضروري أن يخرج العالم بدرس من هذا الوباء يتمثل بضرورة التفكير برؤية عالمية موحدة، فالعالم أصبح أسرة واحدة، ولن تجد الأفكار والمعالجات التقليدية القديمة، حتى لو اقتضى الأمر الخروج عن الآليات والمنظمات العالمية والإقليمية الموجودة، فلابد من التفكير في آليات خلاقة لتعزيز التعاون الدولي بدلاً عن هذه القائمة حالياً.
الثورة /
وبدون تحقيق تقدّم سريع في تطوير اللقاح والعلاج، ترجّح إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة أن يكون عالم ما بعد كوفيد-19 مختلفا إلى حدّ كبير عن العالم الذي عرفناه.
وعلى الرغم من أنه من المتوقع في عام 2021م حدوث انتعاش طفيف بنسبة 3.4%، معظمه سيكون من استعادة الناتج المفقود، أوضح التقرير أن إمكانية الانتعاش البطيء تلوح في الأفق إذا طال أمد الركود الاقتصادي مع تزايد الفقر وعدم المساواة.
يُذكر أن قطاعي التجارة والسياحة أصيبا بالشلل، في حين أن العجز الكبير وارتفاع مستويات الدّين العام يشكلان تحديات كبيرة في البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة.
وتوضح توقعات الأمم المتحدة أن تعزيز الدعم والتضامن متعدد الأطراف لاحتواء الجائحة، إلى جانب المساعدة المالية والاقتصادية المقدمة إلى البلدان الأكثر تضررا من الأزمة، سيظل أمرا “حاسما” لتسريع عجلة الانتعاش وإعادة العالم إلى مسار التنمية المستدامة.
إلى ذلك أكدت وكالة TRT في تقرير نشرته في 3 يناير الجاري: “لم يحسم الجدل حول مصدر الفيروس وطبيعته بعد، بيد أنه من المؤكد أن ما حدث ويحدث هو بمثابة حرب، سواء أخضعنا الأمر لنظرية المؤامرة أم لا”.
وقال التقرير “فمن المؤكد أن الأثر الذي تركه فيروس كورونا يماثل التداعيات التي تعقب الحرب الكونية الثالثة، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ظل العالم يترقب حرباً كونية ثالثة غير تقليدية سواء من ناحية الأهداف والغايات أو الوسائل، فقد تكون هذه الحرب باردة أو حرباً على المياه أو النفط أو خلافه، فالعالم أصبح يهيئ نفسه لحروب الجيل الرابع، والتي تستخدم فيها كل الوسائل لخلق دولة ضعيفة منهكة تستجيب للنفوذ الخارجي وتخضع لإرادة الدول التي تنجح في استغلال مواردها المختلفة، بالأسلحة كافة التي يسخر لها النبوغ والتفوق العلمي، حرباً لم تشهد البشرية مثلها من قبل”.
وأكد أن “ما ظهر حتى الآن من آثار على العالم بعد أن ضرب فيروس كورونا الكون، يعتبر مقدمة لما سوف يكون عليه العالم في السنوات القادمة، فعنصر المفاجأة دفع الكثير من الدول نحو العمل بصورة عاجلة من خلال مراكزها الاستراتيجية لوضع خطط وبرامج للتعامل مع الحرب التي أشعلها هذا الفيروس، ومن المؤكد أن الخطوة الأولى تتمثل في احتواء الفيروس والتغلب عليه، والوصول إلى عدم تسجيل إصابات جديدة على أراضيها، وكذلك التفكير في لعب دور طليعي في ريادة العالم بعد كورونا بنفس القدر”.
كما لفت لا أحد يدري متى يمكن لأيّة دولة الوصول إلى هذه المرحلة من اليقين بالقضاء على الفيروس، حتى الصين التي أعلنت انتهاء الوباء فيها، ما زالت تسجل حالات متفرقة، كما أن المعركة مع فيروس كورونا ذات طابع كوني، فما لم يتم احتواء الفيروس في العالم كله سيظل العالم تحت تهديد الفيروس”، مستدركا “بيد أن بعض الدول تستعجل الخطى لإعلان احتوائها للجائحة، والتعجيل بإنهاء حالة الإغلاق لأسباب اقتصادية في المقام الأول وأسباب اجتماعية بعد أن ضاقت البيوت بالأسر المسجونة فيها. فالاقتصاد الأمريكي انكمش 4.8% خلال الربع الأول من هذا العام، في أسرع وتيرة منذ الأزمة العالمية في 2008م.
وأوضح التقرير “كشف فيروس كورونا عن هشاشة النظام الدولي القائم، وجعل القيم والمثل التي ينادي بها على محك، فبدلاً عن التعاون والتضامن ظهر الانكفاء والتجاهل حتى داخل المنظومة الواحدة مثل الاتحاد الأوروبي، أو داخل الدولة القُطرية نفسها، حيث جرى تجاهل كبار السن والمهاجرين عند تقديم الخدمات الطبية”، مؤكدا “أن التسابق المحموم والقرصنة التي شهدتها المستلزمات الطبية مثلت سقوطاً أخلاقياً للقيم التي يتشدق بها العالم المتحضر. وبرزت موازين أخرى للقوة والتفوق الدبلوماسي، مما يعني أن بعد كورونا سيظهر نظام جديد للتحالفات يبنى على قيم جديدة”.
واستغربت الوكالة في تقرير “اليوم، تقدم الصين نفسها كقوة علمية من خلال مشاركتها العالم للبروتوكول الذي استخدمته لاحتواء الفيروس، كما أن أطقمها الطبية تجوب العالم لتقديم الخدمات الطبية للدول المتضررة. وتفوقت تركيا دبلوماسياً من خلال تقديم مساعدات طبية لمختلف دول العالم شملت أكثر من 55 دولة من بينها الولايات المتحدة والصومال”، معلقة “في ظل هذا التنافس المحموم لقيادة العالم بعد انجلاء الجائحة، لابد من حدوث تغيير في مفهوم التعاون الدولي والنظريات الحديثة التي تدعو إلى النظر للعالم كمنظومة مترابطة، وجسم واحد “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
من جانبهم أكد خبراء اقتصاديون أن تجربة البقاء في المنزل لها الكثير من التداعيات الإيجابية والسلبية. يعيش أكثر من ثلث سكان العالم في سجن كبير، فهنالك ما يربو على 2.5 مليار نسمة تنحصر حياتهم بين مكان السكن وأسواق الأغذية والصيدليات. الكثير لم يتوفر لهم الخيار لاختيار أماكن بقائهم، فلقد انقطعت السبل بالكثير من المسافرين في المطارات، كما أن العديد من العمال المغتربين والطلاب ظلوا بعيدين عن أوطانهم وأسرهم، دون استعداد نفسياً أو مالياً لهذا الوضع.
ومن جهة أخرى رأى علماء الاجتماع أن الكثير من الأسر سعت للاستفادة من هذا العزل الإجباري في تعضيد التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، إلا أن الكثير من الاحتكاكات والمشادات حدثت، وتطور الأمر لحالات الطلاق، وكان من نتاج الحجر ازدياد الاكتئاب والانتحار، مشيرين إلى أن التوتر والقلق من الخوف بالإصابة بالمرض تزامن مع رهاب آخر تمثل في زيادة نسبة الذين فقدوا وظائفهم والملايين المرشحين لفقد وظائفهم حول العالم بعد كورونا، مؤكدين أن توقفت آلاف المصانع ومعها عشرات الملايين من الأشخاص عن العمل بخسائر تقدرها الأمم المتحدة بأكثر من تريليوني دولار حتى الآن. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول الكبرى لتغطية العجز الناتج عن اضطراب الاقتصاد بسبب كورونا، وتقدم مساعدات عاجلة مباشرة لمواطنيها، تقف دول العالم الثالث عاجزة عن الإيفاء بأبسط الاحتياجات لمواطنيها، مما يظهر بأن الفجوة بين الفقراء والأغنياء ستكون في ازدياد.
وأوضحت مصادر إعلامية “بعد كورونا زاد الاعتماد على التقنية لتسيير الأعمال، وأصبح مصطلح العمل من البيت أمراً واقعاً بعد أن كان مفهوماً نظرياً. سعى مديرو الشركات للاستفادة من التطور الرقمي في تسيير الأعمال في جميع المجالات، الأمر الذي يعني أن العالم ما بعد كورونا سيشهد اهتماماً بتعزيز وتطوير كل ما يتعلق بالتقنيات الرقمية، وخاصة الأمن السيبراني، وتوسيع تمدد تقنية الديجتال وتطبيقاتها على جميع الأصعدة، مما سيؤدي إلى تزايد التشبيك بين الدول ذات البنيات الراسخة، ويعزز التبادل المعرفي في جميع المجالات والتي سيكون لها بالطبع مردود اقتصادي”.
أما عن المؤشر الاقتصادي فيقول علماء الاقتصاد إن التغيير المرتقب في شكل النظام الدولي بعد فيروس كورونا، والتزايد المتوقع في الفجوة الاقتصادية بين دول العالم الغني والفقير، سيكون له تداعيات في تغيير نسق ومعدلات الهجرة، كما سينعكس على الصراعات الإقليمية والداخلية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. ربما تحسم بعض الصراعات كالوضع في ليبيا، وستستمر أخرى لفترة طويلة كما في اليمن، مع تغيير في موازين القوى.
مؤكدين “لن يقف الصراع حول الموارد الاقتصادية وخاصة في مجال الطاقة، إذ أن سوق النفط سيشهد اختلالاً لن يحكمه فقط قانون العرض والطلب، وإنما سيتحكم التنافس السياسي والسعي نحو الهيمنة في السوق. إضافة للطاقة سيكون هناك تنافس محموم حول الغذاء ومصادره. هذا التنافس سيتخطى أطر التعاون والخطط والبرامج التي كانت تتبناها التجمعات الدولية والإقليمية كمنظمات الأمم المتحدة المتخصصة مثل الفاو، بل سيكون هنالك توجه نهم من الدول الغنية التي تمتلك رأس المال والتكنولوجيا نحو الدول الفقيرة ذات الأرض البكر غير المستغلة سواء بسبب شح الأموال أو سوء الإدارة أو النزاعات المسلحة.”