خلال عشر سنوات.. الانقسامات عميقة والخلاف بلغ مستوى الأحقاد
مشاهد الأمسية الدامية التي شهدتها واشنطن مع اقتحام متظاهرين مناصرين لترامب وغاضبين من نتيجة الانتخابات الأمريكية، التي يصفها ترامب بالمسروقة والمزورة، مبنى الكونجرس الأمريكي ونهب بعض محتوياته وتعطيل جلسة التصويت على نتائج المجمع الانتخابي ، أعادت إلى الأذهان مشاهد المظاهرات التي قادها الحزب الديمقراطي في واشنطن للمطالبة بتنحية ترامب عن السلطة عقب فوزه بالانتخابات وكان في مقدمة المتظاهرين وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري مع فارق أن تظاهرات ترامب عمّدت بالدم حيث سقط 4 قتلى من المتظاهرين .
الثورة/ إبراهيم الوادعي
قبل أربع سنوات بدأ العالم بالتحدث عما يجري في الولايات المتحدة والمظاهرات تجتاح شوارعها ، والتصريحات المشحونة التي رافقت نجاح دونالد ترامب حينذاك ، وأثارت قلق الحلفاء وخاصة الأوروبيين الذين اوفدوا فيدريكا موغريني منسقة شؤون الاتحاد الأوروبي إلى واشنطن للقاء المسؤولين الأمريكي وتقصي حقيقة ما يدور في واشنطن.
وبعدما يقرب من أسبوعين وبانوراما واسعة من اللقاءات المكثفة داخل الولايات المتحدة عادت موغريني لتبلغ الأوروبيين بنتائج صادمة وعلى منصة البرلمان الأوروبي وقفت لتقول :” لقد لمست انقساما حاداً وعميقا يتعدى النخب الحاكمة إلى الشارع المحتقن بشدة ، لقد بلغت الخلافات بين الأطراف السياسية مستوى الأحقاد ، وهناك استعانة بالشارع المحتقن وغير المنضبط ، هناك إحياء للنزعات العنصرية ما يدفعني إلى القول إن الولايات المتحدة التي ترونها اليوم لن تكون قائمة بعد 10 سنوات.
ووجهت موغريني النصح إلى دول الاتحاد الأوروبي بالاعتماد على النفس وتطوير علاقات دولية منفردة بعيدة عن مظلة وهيمنة الولايات المتحدة التي قد يدفعها وضعها الداخلي المتأزم إلى ارتكاب حماقات خارجية لا يتوجب على الحلفاء تحمل تبعاتها وآثارها.
اقتحام مبنى الكونجرس والذي شد أنظار العالم نحو واشنطن دفع العالم للسؤال مجددا بعد أربع سنوات عما يجري في داخل الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم؟
تقرير لوكالة الأمن القومي الأمريكي ذكر أن الجماعات المتطرفة نمت خلال الـ4 سنوات الماضية بشكل كبير وأوضحت لها ولاءات سياسية وتسعى اطراف سياسية لكسبها إلى جانبه.
وأضاف التقرير: أن الخطر على الولايات المتحدة يأتي من داخلها وتفشي هذه المجموعات بشكل يهدد السلم الداخلي ، وليس من خارجها.
بحسب وسائل الإعلام الأمريكية، قادت جماعة متطرفة أطلقت على نفسها اسم “براود بويز” أو “The Proud Boys” عملية اقتحام مبنى الكونجرس، وأشارت إلى أن الجماعة بدأت نشاطا ملحوظا منذ العام الماضي، بعد أن طلب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب من الجماعة “الوقوف إلى جانبه” خلال مناظرة رئاسية، وهو طلب احتفل به الأعضاء، حيث اشتبكت المنظمة المتطرفة، بحسب “الـ”واشنطن بوست”، أكثر من مرة مع ناشطين من التيار اليساري.
وعقب أحداث الكونجرس ، قال زعيم جماعة “براود بويز” إنه “يتوقع المزيد من الاضطرابات في أمريكا.. سيعود الناس إلى هنا من أجل التنصيب.. قد نظهر لم نقرر بعد “.
وفي المقابل يمتلك الديمقراطيون أيضا مجموعات عنف مؤيدة لهم ، من ابرزها مجموعة نشطاء أنتيفا” ، وتصنف “أنتيفا” على أنها حركة “مناهضة للفاشية” ومن الجماعات المتشددة ذات الميول اليسارية المتطرفة والمعروفة أيضًا بمواجهة المتعصبين البيض وتستخدم تدابير عدوانية لترهيب من يعتبرونهم سلطويين أو عنصريين، بحسب الصحف الأمريكية.
وكان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض قد أشار في بيان له إلى أن “نشطاء أنتيفا هاجموا بوحشية أصدقاءنا (مناصري ترامب) وجيراننا وأصحاب الأعمال الملتزمين بالقانون، ودمروا معالم تاريخية تعتز بها مجتمعاتنا منذ عقود”.
وفي السياق صرح عضو الحزب الجمهوري بشار جرار والمؤيد لترامب محذراً من اطلاق شرارة قد تقود إلى الحرب الأهلية في نهاية المطاف ، ويقول : ما شهدناه منذ الـ3 من نوفمبر هو تحالف بين المؤسسات التقليدية والدولة العميقة في الولايات المتحدة لإسقاط ترامب الآتي من خارج دائرة المؤسسات التقليدية لصنع النخب الحاكمة في الولايات المتحدة.
وبحسب جرار فإن هناك من صنع فخا في إشارة إلى اقتحام المتظاهرين مبنى الكونجرس ، وقال : “مقاطع الفيديو أظهرت أن هناك من قام بفتح الأبواب لاندفاع المتظاهرين إلى داخل مبنى الكابيتول ، وهو مبنى محصن ويمنع في بعض المناطق من قربه التصوير، ثمة فخ أوقع فيه ترامب بالأمس”.
وتوقع جرار الذهاب إلى الحرب الأهلية في نهاية المطاف قائلا :” القضاء الأمريكي لم ينظر أبداً في دعاوى التزوير التي تقدم بها ترامب , لم يقم بأي جلسة ، لم يكلف نفسه حتى عناء النظر في مسوغات الدعوى ، فقط رفضها وهي مغلقة ، وهذا رضوخ ودفع بالأوضاع في البلاد إلى الأسوأ وقد نصل في قادم الأيام مع استمرار سطوة المؤسسات التقليدية واليسار والدولة العميقة إلى الحرب الأهلية”.
عضوة الحزب الديمقراطي عبّرت هي الأخرى عن قلقها مما وصفته المؤامرة وتساءلت عن سر عدم قدرة شرطة الكونجرس البالغ تعدادها 2000 شرطي من صد المتظاهرين ، وعدم نزول الحرس الوطني مدة 3 ساعات.
وكان أنصار ترامب قد استطاعوا تعطيل جلسة الكونجرس لساعات قبل أن تجري السيطرة على الوضع ويتم نشر الحرس الوطني الأمريكي بطلب من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ويعود النواب لمقاعدهم ليثبتوا بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية.
وعلق ترامب : انه يشعر بالألم ويشعر بمدى الألم الذي يحس به أنصاره ، وقال : لقد اخذوا كل شيء ، انها انتخابات مزورة ، أخذوا كل شيء منا ، مني، منكم ، ومع ذلك ادعوكم للعودة إلى البيوت بسلام ، ليخرج أنصاره من مبنى الكونجرس.
رئيس التكتل الجمهوري في الكونجرس اكتفى بالإعراب عن قلقه مما ستؤول إليه الأوضاع في الولايات المتحدة مستقبلا ، في معرض رده على أسئلة الصحافيين بشأن الدعوات لتنحية أو عزل ترامب وقال: إنه يتمنى أن تمر الـ 14 يوما المتبقية لولاية ترامب بسلام ، ما يشير إلى أن الاحتقان القائم كبير على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة.
وقال ترامب، أمس الجمعة في أول تغريدة له بعد الحجب عبر تويتر :”هذه الأحداث تقع عندما يجرد الوطنيون العظماء، الذين عوملوا بطريقة سيئة وغير عادلة لوقت طويل، من فوز ساحق ومقدس بطريقة وحشية وغير قانونية” وكرر تأكيده على سرقة نتائج الانتخابات منه.
.. اهتزاز دولي
دوليا تعرضت الولايات المتحدة للاستهزاء من قبل الصينيين والروس الذين أشاروا إلى أن على الولايات المتحدة أن تكف عن تعليم العالم ديمقراطيتها.
وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني “انتهى فيلم الديمقراطية الأمريكية بإطلاق نار دام” ، وتابع: “لقد فشل الأمريكيون في الديمقراطية داخل وطنهم، تماما كما فشلوا في الشرق الأوسط”.
هل دخلت أمريكا مرحلة الانحسار ؟!
أسهم شركات السلاح الأمريكية سجلت نموا عشية الأحداث التي شهدتها واشنطن ، وعزز ذلك خطاب ترامب مساء الخميس الماضي عن مرحلة جديدة من النضال لاستعادة الديمقراطية المسروقة في الولايات المتحدة ، وبرغم إدانته لأعمال العنف في الكونجرس إلا انه اعتبر ذلك ردة فعل من جانب مناصريه جاء نتيجة تجريد من وصفهم بـ”الوطنيين العظماء” من الفوز بالانتخابات ، ورفض اعتبارهم إرهابيين أو متمردين حسب توصيف بايدن وأعضاء بالكونجرس طالبوا بتنحية وعزل ترامب في رغبة للقضاء على مستقبله السياسي.
خبراء أمريكيون أكدوا أن تنصيب بايدن رئيسا جديدا في 25 يناير الحالي قد لا يعني أن الجروح التأمت وأن دورة العنف التي ولدت لن تخمد قريبا في الولايات المتحدة ، في ضوء الاحتقان المغذى على مدى اربع سنوات مضت ، وشروع انصار ترامب في التجمهر في ولايات أمريكية عدة ، ما يعد مؤشرا على أن فترة رئاسة بايدن لن تكون هادئة ، وان أمريكا دخلت طريقاً مغايراً لما عرفته منذ انتهاء الحرب الأهلية.
النائبة التونسية عن حزب نداء تونس فاطمة المسيدي، أشارت عقب احداث واشنطن الدامية الأربعاء الماضي إلى أن الولايات المتحدة في طريقها للانحسار والانهيار التدريجي على غرار ما وقع في الاتحاد السوفيتي ، وهو ما يتفق مع خلاصات موغريني منسقة الاتحاد الأوروبي عند تولي ترامب الحكم قبل اربع سنوات ، مع فارق وحيد أن مشهد الصدام في الولايات المتحدة وانهيار ديمقراطيتها في عقر دارها كان جليا للعالم ومصبوغاً بالدم هذه المرة.