تحالف العدوان واستثمار الإرهاب
عباس السيد
تُوصَفُ كلمة الإرهاب بأنها العنف المتعمد الذي تقوم به دول أو جماعات غير حكومية أو عملاء سريون بدافع سياسي ضد أهداف غير مقاتلة، ويهدف عادة إلى التأثير على الجمهور عن طريق بث الخوف والرعب في قلوب الناس وتهيئة المجتمعات للقبول بما لن يقبلوا به في حالات الاستقرار .
والإرهاب عمل قديم يعود إلى مئات السنين ، ويُعتبر اليهود أقدم من عمل بالإرهاب وأتقنه .
ففي القرن الأول الميلادي، قامت جماعة من المتعصبين اليهود بترويع وقتل اليهود الذين تعاونوا مع السلطات الرومانية في بعض مناطق فلسطين. وقد عُرف هؤلاء في التاريخ باسم (رجال الخناجر)، ثم عبر منظمتي أرجون وشتيرن الصهيونيتين اللتين مارستا الإرهاب ضد السكان الفلسطينيين ، وارتكب الصهاينة الكثير من المجازر قبل وبعد تأسيس كيانهم الغاصب على أرض فلسطين .
الاستثمار في الإرهاب بدأ بواسطة جماعات ، لكنه تطور وأصبح استثمارا تمارسه الدول والأنظمة ، حتى ظهر ما بات يعرف لدى علماء الاجتماع بـ “الحكم الإرهابي “، وهو نوع من الحكم الاستبدادي الذي يقوم على سياسة معاملة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية ، وينطبق هذا على الأنظمة القمعية في السعودية ودول الخليج .
كما أن الحرب على الإرهاب ، هو إرهاب من نوع آخر ، وهو بحسب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبغنيو بريجينسكي : « استخدام تعبير الحرب على الإرهاب كان بهدف خلق ثقافة الخوف عن عمد لأنها “تحجب العقل، وتزيد من حدة المشاعر، وتجعل من الأسهل على السياسيين الغوغائيين تعبئة الجمهور بالسياسات التي يرغبون في تمريرها” .
ومن يتأمل في الحرب المفروضة على بلادنا منذ ست سنوات ، يجد أنها منظومة من الأعمال الإرهابية المتعددة ، والذي يشمل من حيث الأطراف : الدول الداعمة لتحالف العدوان ، دول العدوان المباشر ، الحكم الذي يمارسه المحتل أو أدواته في المحافظات المحتلة ، وكذلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية ، داعش والقاعدة ، إضافة إلى الأعمال الإرهابية التي يمارسها أفراد ، أو هكذا تبدو للرأي العام .
لا مجال للتطرق إلى الأعمال الإرهابية التي مورست بحق اليمنيين طوال السنوات الماضية ، إذ لم يخل يوم من التدمير والقتل والحصار وتداعياتها . وسنقف هنا أمام التفجيرات التي شهدها مطار عدن الأربعاء الماضي بالتزامن مع قدوم أعضاء حكومة المرتزقة من الرياض ، وكيف تستثمر قوى العدوان في هذا العمل الإرهابي .
ومنذ اللحظات الأولى للعملية ، لوحظ ارتباك أدوات العدوان وتبادل الاتهامات فيما بينها ، وبعد ساعات ، عملت قوى التحالف على توحيد مواقف أدواتها وأوعزت إليهم بتوجيه التهمة نحو صنعاء ، ولعل هذا هو أحد أهداف العمل الإرهابي .
يضاف إلى ذلك ، استمرار الفوضى الأمنية في عدن ، وفرملة طموحات المواطنين الذين كانوا يعوّلون على دور لتلك الحكومة ، وإظهارها في موقف صعب لا تملك حماية نفسها ، وعليها أن تبقى رهينة في تبة معاشيق أو العودة إلى فنادق الرياض . فالمخابرات السعودية والإماراتية لا يمكن لها أن تتخلى عن إدارة عدن قبل تحقيق الأهداف النهائية لها .
كما أن استمرار بقاء هادي في الرياض يشكل إحراجاً لشرعية الفنادق وللرياض أيضاً، وقد جاء هذا الحادث ليعطي مبرراً لاستمراره في عاصمة العدوان . وفي المقابل ، منحت التفجيرات ذريعة لاستمرار التواجد السعودي الإماراتي في عدن والمحافظات المحتلة .
التفجيرات الإرهابية التي شهدها مطار عدن ، لا تخرج عن مشروع “الفوضى الخلاقة ” التي بشَّرت بها الولايات المتحدة ، وتعمل على تنفيذها في اليمن وعدد من دول المنطقة . وتتلخص في « إحداث متعمَّد لفوضى بقصد الوصول إلى موقف أو واقع سياسي يرنو إليه الطرف الذي أحدث الفوضى».
وبناء على هذا التصور، فإن «منظومة» الفوضى الخلاقة إنما تقوم وترتكز على مجموعة دعامات أساسية، هي التي من شأنها إسناد ذات المنظومة وضمان سبل تصريفها بنجاح على أرض الواقع:
وتشمل هذه الدعامات : تأجيج الصراع العرقي والطائفي والعصبيات المناطقية والعشائرية والقبلية والمناطقية .
ضرب البُعد الأمني في الصميم وتشتيت عمليات التنسيق فيما بين المؤسسات والأجهزة المعنية .
زعزعة الوضع الاقتصادي والمالي والعمل على بث الشك في المؤسسات المصرفية والائتمانية، وتشجيع المعاملات المالية في السوق السوداء، وضرب كل مكامن الثقة في العُملة الوطنية.
ثم يأتي دور « القوة الناعمة» من خلال إعمال الآلة الإعلامية والاتصالية للترويج للوعود التبشيرية والخلاصية التي تحملها «المنظومة الجديدة» من رخاء وديمقراطية وحرية .. الخ.
تلك باختصار ، هي الدعامات الكبرى لـ”منظومة” الفوضى الخلاقة، والتي تم تضمينها في مشاريع الإدارة الأميركية «لإصلاح الشرق الأوسط وبلدان شمال أفريقيا» منذ بداية القرن الحالي. ويجري تنفيذ هذا المشروع في عدد من الدول العربية، بينها بلادنا .