غواصة التطبيع
فهمي اليوسفي
لم يعد غريبا أن تمر غواصة إسرائيلية عبر البحر الأحمر لتصل مضيق باب المندب خصوصا بعد استكمال عملية التطبيع مع بعض الدول المطلة على المضائق المائية كما هو الحال في الإمارات التي تطل على مضيق هرمز ثم المغرب التي تطل على مضيق جبل طارق وهنا نضع علامة استفهام:
لماذا بدأ التطبيع مع الدول المطلة على المضائق المائية هرمز وجبل طارق ؟
هل لغرض عسكري ؟ أم ماذا ؟
هل التطبيع بهذه الحالة سيفضي إلى تشكيل محور إسرائيلي عربي وغربي لمواجهة محور المقاومة؟
في كل الأحوال لم تمر هذه الغواصة إلا بموافقة وحماية الدول المطلة على حوض البحر الأحمر بما في ذلك حكومة المرتزقة اليمنيين القابعين في فنادق الرياض وأبوظبي على اعتبار هذه الأنظمة مطبعة من الباطن مع الكيان الإسرائيلي مع أن التسريبات السابقة واللاحقة توضح اللقاءات السرية بين الجانب الإسرائيلي مع الأجندات اليمنية التابعة لـ”أبوظبي أو الرياض”.
شيء جميل أن يغوص كثير من المحللين العسكريين والسياسيين في تحليل هذا الحدث لتقديم ترجمة عميقة عبر مختلف وسائل الإعلام عن هذه الغواصة وما بعدها التي كما أسلفت هبت من إسرائيل لتعبر قناة السويس وخليج العقبة بعد تناولها “سندوتشات” في جزيرتي تيران وصنافير و”نسكافيه” في مصر “وبيكات وسكي” في شواطئ السودان وشوكلاته بشواطئ كيان سعود، ثم وجبة الظهيرة لدى طارق عفاش في الساحل الغربي وباب المندب بمباركة الفار هادي من الرياض والتكفيريين من قطر وتركيا.
لهذا السبب نسج المجرم سلمان ونجله المعتوه مسرحية الألغام الوهمية قبل أيام كوسيلة للتعتيم.
هنا يبرز الدور السعودي لتسهيل دخول هذه الغواصة إلى البحر الأحمر مع بقية الأساطيل العسكرية للناتو التي تتوافد إلى هذا المكان من خلال تقديم التسهيلات لعبورها والحرص على اتباع السرية ورشق طهران باتهامات وهمية.
هنا سنجد الأسباب التي دفعت كيان سعود إلى استخدام قضية جزيرتي تيران وصنافير قبل سنوات والاستمرار في صناعة مسرحيات وهمية للتعتيم على توافد أساطيل ومساطيل الغرب من خليج العقبة وقناة السويس وصولا للخليج الفارسي.
وهنا من الطبيعي أن نلمس صمت مرتزقة الرياض وأبوظبي على التواجد الإسرائيلي والغربي في المياه السيادية لبلدنا لأن الفار والمرتزق هادي وبقية المرتزقة يستمدون قراراهم من الرياض كما لا نستبعد أنهم قد بصموا بالعشر مع الكيان الإسرائيلي في الرياض وكذا بقية مرتزقة الإمارات باعتبار صمت هؤلاء المرتزقة علامة الرضا بدخول هذه الغواصة + أساطيل أنجلوأمريكية وإسرائيلية إلى المنطقة لإن ذلك يتماشى مع البنود السرية لاتفاق الرياض الذي تم إبرامه برعاية دول الرباعية ليشمل طرفي التوقيع.
لم تقتصر اللعبة فقط على قوى العدوان بل يشاركها من خلف الستار سماسرة الأمم المتحدة ويتجلى ذلك بعدم تنفيذ الهيئة الأممية ما كانت قد وعدت به حول السفينة صافر، وهنا يتضح للعيان أبعاد المسلسل الخطير لمشاركة هؤلاء السماسرة في قضية السفينة صافر وكيف يستثمرون مهامهم الأممية لخدمة إسرائيل وليس لإنصاف ذات البين بل أصبحت مهامهم الأممية مخالفة للمواثيق الدولية ودليلاً على انهيار أخلاقهم الأممية ويبرز حرصهم على الغواصة وليس إصلاح السفينة صافر.
وصول الغواصة إلى مضيق باب المندب بالتزامن مع الترتيبات العسكرية والداعشية لمرتزقة العدوان في تعز من خلال حشد معسكرات إلى منطقة التربة ولحج وباب المندب وجبل حبشي في محافظتي تعز ولحج إضافة لما هو جار من زيارات سرية للوفود الصهيونية إلى سقطرى ولطارق عفاش في الساحل الغربي كل تلك الأحداث تضع أكثر من علامة استفهام بل تعطي مؤشراً أن الغرب يسعى لإغراق المنطقة بأساطيله العسكرية ليكون ضمن المخرجات استهداف محور المقاومة برمته ويشمل القوى المضادة للعدوان في اليمن وإغلاق المضائق المائية وتعطيل مشروع البركس واستكمال برنامج العزل لأي دور روسي أو صيني في المنطقة ويصبح المربع الشرق أوسطي حصريا على إسرائيل والغرب بما يكفل تحقيق الكثير من الأهداف الصهيونية.
دخول الغواصة دليل على أن هناك توافداً مستمراً لقوات إسرائيلية وغربية متعددة إلى المنطقة يفضي لتحقيق مصفوفة أهدافها لأن الغواصة عسكرية وتتبع أسطولاً عسكرياً متعدد المهام ودخول الأسطول يعني تنفيذ مهام عسكرية في المنطقة ليصبح دخول الغواصة جزءاً من منظومة عسكرية تندرج ضمن أسطول بحري ومثل هذه المؤشرات توحي بأن هناك مهام عسكرية كبيرة ستشهدها المنطقة.
في هذا الحالة لن يكون الخطر في اتجاه محور المقاومة بل سيشمل قوى دولية كما أسلفت ولا ينبغي أن نظل في موقع المتفرج بل على شعوب المنطقة ومحور المقاومة بشكل عام الاستعداد بما ينبغي لمواجهة هذا الخطر المتسارع.
هذه المؤشرات توحي بأن الغرب وإسرائيل يعدون لحرب كبيرة على مستوى المنطقة ضمن استراتيجيتهم لإغلاق كافة المضائق المائية على مستوى الشرق الأوسط كما أسلفت والإسراع في البسط على السواحل اليمنية مع بقية الجزر و بناء قواعد عسكرية في سقطرى وباب المندب ومحافظة تعز والمهرة وغيرها ووضع توجيه ضربات استهدافية للقوى المناهضة للعدوان في صنعاء في مقدمة أولوياتهم.
ثمة معطيات تتطلب الوقوف أمامها وهي مرتبطة بهذا الحدث، حيث تناولت قبل يومين قراءة ما كتبه أبوبكر القربي حول الدور الأمريكي في اليمن والرسالة تحمل لغة الاستعطاف لواشنطن والحرص على مصالحها، فكنت أعود لقراءتها بعد أن تم نشرها عبر وسائل الإعلام لكنني توصلت إلى قناعة ذاتية أنها تحمل في طياتها موافقة مبطنة على التطبيع وتزامنها مع وصول هذه الغواصة ليصبح ما ورد في كلام القربي مرسخاً لقناعتي أنه يعمل داخل مطبخ العملية التطبيعية فأيقنت أن الإسراع في تشكيل حكومة فنادق مرتزقة الرياض وصمتها على هذا الحدث هو جزء من التمهيد لنقل التطبيع من السرية إلى العلنية لكن الله أخزاهم مع أن البعض تجاهل تعليقي على ما ورد عن هراء القربي، لكن هذه وجهة نظر.
الحدث بالغ الخطورة ولدى الكثيرين إدراك من الماضي بنشاط إسرائيل في حوض البحر الأحمر والعربي أي منذ الحرب الباردة وحتى اليوم على ضوء قراءة البعض لحلقات التاريخ.
لهذا السبب نغوص بعمق لترجمة هذه القضايا حتى على مستوى التفاصيل وما كنا ولا زلنا نتوقعه دائما نسارع إلى نشره عبر العديد من وسائل الإعلام، منها الصحفية خصوصا منذ مطلع العدوان وحتى اليوم ونستند في الترجمة إلى معطيات بعضها تاريخية كونها توضح الأبعاد الخطيرة لمثل هذه المخططات الصهيونية وكل يوم يؤكد الواقع وتبرهن الوقائع ذلك.
إذاً الغواصة مرتبطة بالتطبيع والتطبيع مرتبط بالمضائق المائية ليفضي إلى تطبيع عسكري يكون حجر الزاوية ربما لتأسيس حلف صهيوعربي وغربي في المنطقة أحد أهدافه استهداف محور المقاومة.
مسارعة إسرائيل والغرب إلى إحكام سيطرتهم على باب المندب لعدة أهداف منها المشار إليها سلفا وضمان نقل مشروع تقسيم المقسم إلى حيز التنفيذ لأن ذلك يصب في خدمة الامبريالية.
بالتالي الأمر يحتاج ترجمة عميقة لمواجهة هذا الخطر بحيث تتضح الصورة أكثر ويستدعي الأمر العديد من الخطوات منها الآتي:
الغوص بعمق لترجمة ما ورد في رسالة القربي.. هل هي جزء من التطبيع غير المباشر أم لا ؟ ولا ينبغي تجاهل ذلك ؟
الغوص بعمق لجمع كافة المعطيات المتعلقة باجتماعات طارق عفاش مع الوفود الإسرائيلية في الساحل الغربي وباب المندب والمناطق الخاضعة لسيطرة مرتزقة العدوان في محافظة تعز وكذا مع انتقالي الجنوب منذ أن بدأت زيارات قياداته لـ”أبوظبي”.
الغوص بعمق لترجمة المخرجات السرية لاتفاق الرياض وتزامن هذا الحدث مع تشكيل حكومة المرتزقة.
الغوص بعمق لمعرفة لغز حشد المعسكرات الداعشية والعفاشية إلى منطقة الحجرية في تعز ولحج وجبل حبشي التي تطل على مضيق باب المندب وقاعدة العند من اتجاهين.
الغوص بعمق لمعرفة علاقة إسرائيل بإثيوبيا وارتيريا والصومال ومصر والسودان وسد النهضة ووو… إلخ منذ الحرب الباردة وحتى اليوم مع العودة للأرشيف التاريخي المرتبط بحرب ٧٣م لأن ذلك يساعد الباحث الحصيف في كشف طلاسم إسرائيل في المنطقة.
الغوص بعمق لربط قضية أرخبيل حنيش وجزيرتي تيران وصنافير وما تفضي إليه كل هذه المعطيات.
الغوص بعمق لمعرفة الإدراك المتقدم للإمام الخميني قدَّس الله سره عن هذا الخطر ونجاح ثورته بتوجيه أكبر لطمة للغرب وإسرائيل في الإطاحة بنظام شاه إيران وصمود الثورة حتى اليوم وإقامة علاقة بين طهران وعدن في ٧٩م كانت مثمرة ومتميزة ومزعجة للإمبريالية الغربية والعربية في ذلك الحين.
الغوص بعمق لقراءة ما بين سطور المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني أثناء حكومة باسندوة لمعرفة أين تكمن الفيروسات السامة لإسرائيل.
الغوص بعمق لتحديد الأحزاب المتصهينة والأفكار المؤمركة ومدارس التصهين واستثمارات الأمركة.
الغوص بعمق لترجمة ما ورد عن الشهيد القائد حسين الحوثي رضوان الله عليه بهذا الصدد وما ينصح به سيدي الحبيب عبدالملك الحوثي، قائد ثورة ٢١ سبتمبر عن خطر الناتو بقيادة امريكا وإسرائيل وتنفيذ نصائح هذا القائد العظيم والحكيم في مثل هذه القضايا، كما هي المستجدات والمعطيات لتصبح خارطة طريق لمواجهة تحديات اليوم كون نظرته عميقة وبعيدة المدى وأكثر واقعية.
الحديث متشعب من وجهة نظري عن هذا الحدث والوقت لا يسعفني لتناول ذلك بشكل تفصيلي وتفسيري، ولتكن هذه السطور بمثابة المدخل لفهم هذا الخطر الصهيوني،وخير الكلام ما قل ودل.
. في الأخير كم سيكون الأمر جميلا إذا تم إطلاق الصرخة والصواريخ الجهادية على كل من ينتهك أرضنا وجزرنا ومياهنا السيادية سواء كانت أمريكا أو إسرائيل أو غيرهما، فمن قال حقي غلب والدفاع عن الأرض والأوطان حق مشروع.
*نائب وزير الإعلام