نائب عميد كلية الزراعة بجامعة صنعاء الدكتور/ عدنان الصنوي لـ»الثورة «: لا بد من تفعيل القوانين ضد ذبح صغار الماشية وتحطيب الغطاء النباتي

 

شحة الموارد ينبغي أن لا تكون سبباً لعدم توفير الحد الأدنى من متطلبات العملية التعليمية
كلية الزراعة كانت تزرع وتبيع الخضروات.. والبحث العلمي لا يزال بدون تطبيق

تقدمت البلدان بالزراعة قبل أن تتجه إلى الصناعة والتجارة والسياحة .. ولم يحدث في تاريخ الشعوب أن استغنت دولة عن تحقيق الأمن الغذائي، لقد أكل الأجداد من خيرات أوطانهم على مر الأزمان بلا إمكانيات.. فلماذا تحدث المجاعات في زمن المعجزات العلمية؟
تخطط حكومة الإنقاذ لتفعيل قطاع الزراعة ، ومواكبة لهذا التوجه أجرت “الثورة” حواراً مع الدكتور/ عدنان الصنوي –
أستاذ الاقتصاد الزراعي – نائب عميد كلية الزراعة للدراسات العليا بجامعة صنعاء؛ للحديث حول الزراعة الكلية .. الواقع .. التطلعات.. وحصاد الحكومات المتعاقبة فإلى تفاصيل الحوار:

الثورة /
سارة الصعفاني

بداية هل لنا بجولة تعريفية عن كلية الزراعة؟
– اسمحي لي في الرد على هذا السؤال أن أبدأ من حيث وصلنا، فحاليا وللمرة الأولى يجري تحديث للبرامج الدراسية الثمانية في الكلية (الاقتصاد، الإرشاد الزراعي، التربة والمياه، الهندسة والوقاية، البستنة، الصناعات الغذائية) منذ تأسيس الكلية في عام 1987م بإضافة برامج لتلبية متطلبات سوق العمل هي: الموارد الطبيعية، البيئة، إدارة الأعمال المزرعية، تغذية الإنسان، إلا أن تطويرها يجب أن يرافقه بالتوازي تجهيز القاعات وتأهيل أستاذ المقرر وتغيير سياسة التدريس ونمط تقييم مستوى الطالب.
أيضًا تمت الموافقة على برنامج الدكتوراه لجميع الأقسام بعد تعذر سفر عضو هيئة التدريس، لكن يجب أن تكون المنحة الداخلية لجميع المعيدين والمدرسين والفنيين على نفقة الجامعة – على الأقل.
القدرة الاستيعابية منذ تأسيس الكلية 200طالب، وبعد امتحان قبول خاصة في السنوات الأخيرة يتقدم للكلية ألف طالب، لكن بالإمكان زيادة عدد الطلاب المقبولين، فالكلية بنيت بمعايير دولية بمعنى هناك مساحة، وهو ما مكننا هذه السنة من قبول (450) طالباً بتوجيه من اللجنة العليا الزراعية وآخرين شرط صيانة التالف، وتزويد الكلية بالإمكانيات.. تأهيل المزرعة.. ننتظر التنفيذ حتى لا تكون النتيجة عكسية، وهذا لا يعني أن تقليص القدرة الاستيعابية إلى عشرة طلاب مثلاً سيجعل الاستغناء عن تطوير الكلية فكرة مطروحة خاصة بعد إلغاء نظامي النفقة الخاصة والموازي، تستقبل الكلية 50-60 طالبًا – تشجيعًا للالتحاق بكلية الزراعة.
لماذا لم تتحول الأبحاث العلمية إلى خطوات عملية تسفر عنها منتجات زراعية وحيوانية تنقذ المواطنين من شبح المجاعة؟
– سؤال هام اتفق معه، وهناك توجه كبير مؤخرًا.. منذ أيام طلب رئيس الجامعة من لجنة البحث العلمي أن لا يكون البحث لمجرد الترقية الأكاديمية.. عالميًا لا تعني درجة الاستاذية التوقف عن إجراء البحوث العلمية في حين يتوقف عضو هيئة التدريس في وطننا عن البحث بعد الدكتوراه بدرجة أستاذ مساعد.. ومنذ عشر سنوات توقف دعم الباحثين من أعضاء هيئة التدريس رغم أن البحث العلمي أساس الجامعات وسبب تقدم الدول مع ذلك أبدى رئيس الجامعة الحالي استعداده تمويل البحث الذي يحل مشكلات المجتمع، لأن الجامعة جوهرها البحث العلمي وخدمة المجتمع لا التدريس فحسب، فكيف إن كان نظريًا معرفيًا دونما تطبيق عملي، وبلا مكتبة إلكترونية مزودة بأحدث المراجع والكتب والمجلات الدورية وإنترنت سريع من أجل الطالب والباحث.
ما الذي ينتظر خريج كلية زراعة لا يملك أرضًا ولا ماشية ولا بئراً ولا مصانع يتطلبها تخصصه العلمي؟
– بالفعل، في كل العالم الأراضي ملك للدولة لكن في اليمن لم يتبق إلا القليل من الأراضي الصحراوية مع إمكانية معالجة الأمر بالتخصيب والاسترداد، كما أن شحة المياه أحد المعوقات الرئيسية.
في السبعينيات والثمانينيات نجحت مصر بإعطاء الطالب مساحة من الأرض لاستصلاحها بمحددات منصفة، في بلادنا طرحت فكرة منذ التسعينيات وأنه بالإمكان إشراك الطالب ولكنها لم تنفذ.. يتطلب التنفيذ إرادة سياسية.
وأيًا يكن، علينا كجامعة تأهيل الطالب وإكسابه مهارات وخبرات تزيد الإنتاجية للمزارعين مثلاً.. من سيرفض مخرجات كلية الزراعة؟ لكن بما نحن عليه الآن من إمكانيات في المختبرات والمزرعة سيظل الطالب لا يعرف سوى الجانب المعرفي، يتخرج الطالب لا يعرف التعقيم والتطعيم تطبيقيًا.
كيف تجتمع الزراعة مع جفاف وندرة المياه في بلادنا؟
– معظم المياه جوفية أو مياه الأمطار الموسمية، اليمن من الدول الأفقر عالميًا بالمياه، ومع هذا يستنزف مخزون تراكم عبر آلاف السنين في حين أن الزراعة تتطلب مياه وفيرة، حتى عند هطول أمطار غزيرة يؤثر التوقف على استكمال الحصاد، ومن غير الممكن الاعتماد على المياه الجوفية لا بد من تحلية مياه البحر والتفكير بطرق أخرى للاستفادة من كون اليمن أرضًا زراعية.
ماذا عن اللجوء لزراعة نباتات اقتصادية في استهلاك المياه.. هل من أبحاث في هذا الجانب؟
– نظراً لشحة الموارد، كثير من الأساتذة لا يقومون بالبحث في هذا الشأن فضلاً عن مشاعر الإحباط في ظل متغيرات الواقع، وإلا هناك الزراعة الهوائية، والزراعة النباتية، والزراعة المائية من غير استخدام التربة مكنت غالبية دول العالم من الحفاظ على المياه وزادت الإنتاجية.
ألا ترون أن قبول المعدل المنخفض يكرس النظرة القاصرة لكلية الزراعة حتى لدى المسؤولين عن التعليم؟
– لم يعد المعدل معياراً لدخول الكليات لانتشار الغش، لكن خفض المعدل إلى الستينات لا يعني الرغبة في الحصول على أي طالب.. وفي الأخير دور الكلية – أي كلية- هو تحويل طالب معدله منخفض إلى خريج مؤهل لاقتحام سوق العمل، لكن السؤال.. إلى أي درجة تستطيع كلية الزراعة جامعة صنعاء بالإمكانات البشرية والمادية المتاحة لها إنجاز ما هو معول عليها؟
هل كلية الزراعة من الكليات العلمية أم النظرية ليتم استبعادها مما يعرف بكليات القمة – إن جاز التعبير-؟
– الزراعة من العلوم العلمية لكن هناك صورة نمطية لدى المجتمع بأن الزراعة فلاحة للأرض لا تتطلب دراسة، بالإمكان دراسة العلوم الإنسانية عن بعد لكن من المستحيل أن يدرس الطالب المقررات العلمية التطبيقية لكلية الزراعة عن بعد، في دول العالم إن كان معدل الطالب في الزراعة بتقدير جيد جداً في السنة الأولى بإمكانه التحويل مباشرة إلى كلية الطب بل إن معالجة النبات أصعب من الإنسان، لكن للأسف في بلادنا ليست هناك رؤية ومعرفة بأهمية الزراعة لدى الحكومات المتعاقبة رغم أن بلدنا زراعي وأكثر من 60% من المواطنين يعملون في مجال الزراعة، إنما الحق يُقال بدأ هناك اهتمام في السنوات الأخيرة من قبل اللجنة العليا الزراعية ورئيس الجامعة، ومن جهة قيادة الكلية أيًا يكن مستوى المحاولات إلا أن الأمر لا يخلو من المطالبة من حين لآخر خاصة خلال 7 سنوات سابقة لعلاقة شخصية بين عميد الكلية د. جلال عوض وأفراد منظمات دولية لهذا حصلت الكلية إلى عام 2015م على إمكانيات كبيرة، زادت عدد الطلاب الراغبين بالالتحاق بالكلية، وما تزال لدينا أجهزة قيمة ومكلفة ماديًا منذ عام 2014م لم تستخدم بعد، وحاليًا تلقينا وعدًا منه بتأهيل مزرعة الكلية بمبلغ 300 مليون ريال من موقعه في الصندوق الاجتماعي، نأمل أن يتحقق ذلك.
ما الذي تقوم به الإدارة في سبيل تشجيع الطلاب المستجدين على الالتحاق بالتخصصات العلمية للكلية وتغيير الصورة النمطية لدى المجتمع؟
– جميع برامج الكلية محفزة لكن منذ لحظة التسجيل يميل الطلاب لبرنامج الصناعات الغذائية، وتغذية إنسان، ويفضلون البرامج ذات الإمكانيات المتوفرة حين يسألون الدفع السابقة، لكن يجري توزيع الطلاب في الأقسام وفقًا لمستوى الطالب ورصيد درجاته في المقررات من سنة ثالثة، أما العالم يتجه للتخصص الدقيق المبكر، ما يفرض أن يكون الاختيار منذ التحاق الطالب بالكلية أو حتى مثل جميع كليات الهندسة عالميًا من سنة ثانية وخاضعًا لرغبة الطالب وميوله، ونحن حاولنا التغيير في هذا الجانب لكن دونما جدوى لاختلاف القناعات.
هل نحن في طريقنا إلى (الاكتفاء الذاتي) أم أن المشاريع الزراعية التي نراها في المهرجانات السنوية تجريبية؟
– وصلنا إلى الاكتفاء الذاتي في الفواكه والخضروات بدليل العرض والتصدير والأسعار مناسبة وطبيعية في بلادنا بخلاف دول العالم، لكن المشكلة أن مستوى دخل المواطن المستهلك في وطننا وقدرته الشرائية ضعيفة للغاية لكن إن لم يكن الثمن منصفًا للمزارع ومربحًا له سينصرف لزراعة القات مثلاً.
التحدي الكبير هو في زراعة الحبوب كالقمح والشعير إذ تتطلب وفرة في المياه ومساحة واسعة من الأرض.. وتحرك الحكومة سيحدد ما إذا كنا في طريقنا نحو الاكتفاء أم لا.
ما الذي تعنيه إقامة مهرجان زراعي لكلية الزراعة؟
– إقامة المعارض من الأهمية بمكان من الناحية المعرفية والنفسية والمادية للمزارعين ولكلية الزراعة لكن لم يعد المهرجان كما كان لا من حيث استفادة الكلية ماديًا، ولا مستوى مشاركة القطاعات المنتجة، وللأسف لا تشارك كلية الزراعة إلا في أضيق الحدود في زمن صار العالم يتحدث حول ” الكلية المنتجة ” لا مجرد الاعتماد على تمويل الحكومة والجامعة.. الكلية في فترة من الفترات كانت تبيع البطاطا والخيار والخس والفلفل الأخضر في السوبر ماركت تحت لافتة كلية الزراعة.
لو تغيرت استراتيجية الكلية بالإمكان أن نشارك وإن بزراعة الزهور في زمن العنف.
ما الذي تقدمه الكلية في إطار الخدمة المجتمعية؟
– هذه من الأمور الهامة جدًا التي يجب أن تفعَّل، يجب أن يكون لدينا مراكز استشارية تخدم المجتمع ومؤسسات البلد لكن مع الأسف لا يوجد سوى خدمات بسيطة ليست مجانية لفحص المياه أو التربة لأحد المزارعين، ولم يعد الطب البيطري ضمن اختصاص كلية الزراعة – وإن كان لدينا قسم الإنتاج الحيواني- بعد افتتاح كلية لهذا التخصص بالقرب من كلية الطب البشري.
كيف تقيمون مخرجات مؤسسات التعليم الزراعي؟
– لدى طلابنا حصيلة معرفية لكن الجانب العملي مفقود، فكيف ستكون مخرجات تعليم زراعي لا يعرف الإنتاج الزراعي والحيواني تطبيقيًا.
وليست المشكلة عجز في عدد أعضاء هيئة التدريس – لدينا 125 أستاذاً حاصلاً على الدكتوراه – أو عدم توافق عدد الطلاب مع حجم الإمكانيات فحسب، فالمختبرات بلا صيانة.. أحيانًا حل المشكلة استبدال قطعة، كما أن المزرعة بلا تأهيل منذ عام 1990م، والمعمل بلا كمبيوتر.. كيف لطالب في الاقتصاد الزراعي أن يرى دراسة الجدوى الاقتصادية نظريًا.
في المقابل لدينا معامل عملاقة، لدينا ميكروسكوب حديث وأرقى أجهزة BCR توازي ما يفحص به الإنسان للكشف عن كورونا.
إجمالاً يجب أن لا تكون ” شحة الموارد ” سببًا في عدم توفير الحد الأدنى لمتطلبات العملية التعليمية.. المياه إحدى المشكلات في كلية الزراعة.
في بلد زراعي كاليمن لماذا لا نجد مستثمرين في الأنشطة الإنتاجية الزراعية والحيوانية.. أين يكمن الخلل؟
– الاستثمار في الزراعة مجازفة محفوفة بالمخاطر من أجل ذلك أنشئ بنك زراعي تدعمه الدولة لكنه تحوَّل قبل عشر سنوات لبنك تجاري، والبنوك التجارية لا ترفض إعطاء قرض مالي لمستثمر في الثروة النباتية أو الحيوانية، فضلاً عن الاستقرار الأمني والحماية اللذين توفرهما الدولة للمستثمرين وهما أساس الاستثمار في أي مجال.
إلى أي مدى تنعكس خطط الدولة للنهوض بالزراعة على الاهتمام بمؤسسات التعليم الزراعية؟
– لدينا عدد من الاستراتيجيات، وقد شاركت باستراتيجية في الجانب الزراعي في عامي 1998م، 2013م لكن المشكلة في التنفيذ، فما نلمسه حالياً هو أن هناك إرادة من القيادة السياسية، واللجنة العليا الزراعية التي شكلت مؤخرًا باجتماعاتها المستمرة مع كلية الزراعة، ومحاولة المساهمة معنويًا لكن الزراعة والمدخلات الزراعية بحاجة إلى جانب مادي.. لا أدري ما مدى توفر الإمكانيات.
هل تعمل مؤسسات الدولة ومراكز الدراسات والأبحاث المعنية بالمياه والزراعة والكليات العلمية الزراعية معًا؟
– للأسف لا يوجد هناك تعاون وتنسيق حتى على مستوى الكلية ومركز المياه داخل جامعة صنعاء لكننا نتمنى أن تتشكل علاقة ودية مع جميع المؤسسات ذات العلاقة بالزراعة ما سينعكس إيجابيًا على الواقع.
هل تحضرك أمثلة عن أخطاء ترتكب في حق النبات والحيوان؟
– هناك جريمتان تحتمان على الدولة تفعيل القوانين وهما: ذبح صغار الماشية قبل أن تكون منتجات للإنسان، وتحطيب الغطاء النباتي الذي يزوِّدنا بالأكسجين وغيره.
ما الذي ستقدمه الكلية لمزارع ومالك آبار ومربي مواش يرغب في الالتحاق بمقاعد الدراسة؟
– نحن نتعامل مع طالب في الأخير، العملية مركزية وفق شروط عادلة فإن كان معدله أقل من 60% لا يقبل حتى إن كان مزارعًا ولديه ما يقدمه للكلية، لكن بالإمكان تفعيل المقترح باتفاقيات بين الكلية والجمعيات الزراعية بما يخدم الطلاب والوطن، وهذا ما لم يحدث.. هناك حلقة مفقودة تمنع التواصل.
ماهي استراتيجية الكلية للمستقبل؟
– الكلية تخطو خطوات كبيرة في برامج الدراسات العليا بعد أن قطعت شوطًا في الماجستير منذ سنوات، اليوم لدينا عدد كبير من المسجلين في برنامج الدكتوراه لكن المشكلة تتمثل في عدم وجود مكتبة الكترونية ومعمل للكمبيوتر.
أيضًا يجب أن تحل رئاسة الجامعة مشكلة تكدس المعيدين والمدرسين والفنيين في الكلية خلال السنوات الماضية بالإعفاء من الرسوم عوضًا عن ابتعاث يستحقونه على بساط الجدارة، وحتى لا تحدث فجوة معرفية مستقبلاً بين أعضاء هيئة التدريس المبتعثين والعالقين في الكليات فضلاً عن أن أعضاء هيئة التدريس الحاليين سيحالون للتقاعد بعد سنوات، لا بد أن تستمر الجامعات في تأهيل الطلاب لسوق العمل.. التعليم الفعال هو الضامن لمستقبل الوطن.. والاستثمار في التعليم أساس اقتصاد الدول.

قد يعجبك ايضا