لنــــرفع الصــــوت
عباس السيد
قبل ثوان من إلقائه الكلمة الافتتاحية لقمة “مجموعة العشرين” سأل الملك سلمان ولي عهده الأمير محمد : أين عقدت القمة السابقة ؟ أجابه : في اليابان . أضاف الملك سؤالا آخر: رحنا اليابان ؟! رد الأمير : رحت أنا بالنيابة عنك . وقبل أن يلقي الملك سؤاله الثالث ، نبهه ابنه إلى أنه على الهواء ، وعليه أن يبدأ بإلقاء الكلمة الافتتاحية باعتباره رئيسا للقمة .
كان ذلك الحوار أشبه بمشهد من مسرحية “كوميدية ـ تراجيدية” في آن ، وقد تابعه الملايين بالصوت والصورة بعد تسريبه من كواليس القمة إلى اليوتيوب ، وقد أشبع المشهد نقدا وسخرية في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول العالم ، لكننا هنا سنتأمل في المشهد من زاوية الحرب على اليمن ، وانعكاسات حالة الملك على هذه الحرب .
لأسباب كثيرة ، يطلق العديد من السياسيين والإعلاميين حول العالم على الحرب العدوانية المفروضة على اليمن ، اسم “الحرب المنسية”. لكن السبب الرئيسي في إطلاق هذه التسمية يعود إلى حالة الغياب والنسيان التي يعيشها الملك سلمان الذي تشن الحرب بقيادة مملكته وتحت لوائه .
فالملك الذي لا يعرف أين عقدت القمة السابقة مجموعة العشرين ، ولا يعرف هل شاركت بلاده فيها أم لا ، لا يعرف ما الذي يدور في مملكته ، بل لا يتذكر حتى زوجته الأميرة فهدة بنت فالح أم الأمير الطامح ، ولا يعرف أنها معزولة في “قصر المزرعة” لخشية ابنها العاق من تأثيرها على والده . وبالتالي ، لا يعرف هذا الملك أن بلاده تقود حرباً عدوانية خاسرة على اليمن منذ ست سنوات .
حالة الغياب التي يعيشها الملك “لأسباب صحية” لا تسقط عنه المسؤولية السياسية والقانونية والشرعية والتاريخية في كل ما يُرتكب من جرائم وانتهاكات باسمه وبالنيابة عنه داخل المملكة وخارجها ، لأنه أعد ابنه لتولي مهمة السلطة العامة منذ صباه ، ولم يحسن إعداده أو تربيته .
في حين يمضي الأمير في مغامراته مستغلاً غياب والده مدفوعاً بطموحه الجامح، دون أن يتوقف قليلاً لتقييم نتائج معاركة وإحصاء خسارته أو مكاسبه . كما استغل إمكانات وموارد شعب نجد والحجاز لتغييب وتحييد الإعلام والمنظمات والحكومات لتصاب هي الأخرى بـ”زهايمر المال”، ولذلك، اكتسبت الحرب العدوانية على اليمن اسم “الحرب المنسية”.
إلى جانب النسيان، يعمل التضليل لتبرير ما يُسمع أو يُرى من آثار الجرائم والانتهاكات، ومن يشاركون في تحالفها، يختلقون الذرائع والمبررات المضللة.. فالسودانيون مثلا، يبررون مشاركتهم في قتل اليمنيين بأنها “لحماية المقدسات في مكة والمدينة” وحين يسقط المرتزقة الجنجويد في رمال “البقع” يقال لأهلهم أنهم دفنوا في “البقيع”، وآخرون يتذرعون بحماية الملاحة البحرية وتأمين باب المندب، وهم لا يحمون سوى المشروع الإسرائيلي بجعل البحر الأحمر “بحيرة يهودية”.
الحرب والحصار على اليمن، هو متلازمة تجسد الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه وآلياته ووسائله، وهم يدركون ذلك جيدا ويعرفون عاقبة أفعالهم، فالأيام دول والتاريخ لا يرحم وعدالة السماء وسنة الله لا تتبدل ولا تحرف. ولذلك يحاولون نفي التهمة عن أنفسهم بإلقائها على الضحايا، على المدافعين عن أنفسهم، يدَّعون العفة ويمارسون العهر، يمارسون الإرهاب ويدَّعون السلام ، وصدق القائل: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون .
خلال ست سنوات ألقوا علينا ملايين الأطنان من القذائف والقنابل، ولم تؤثر في إرادتنا للمواجهة دفاعاً عن أنفسنا وعن أرضنا، فهل سنخشى مما قد يلقونه علينا من تهم وأباطيل ! .
ختاماً علينا أن نسأل: إلى متى يظل هذا العدوان البربري والهمجي والحصار الجائر منسياً ، كيف لنا أن نوقظ الملك من سباته ، وكيف لنا أن نُسمع صوتنا إلى العالم ؟!.
لا سبيل إلى ذلك، إلا أن نرفع الصوت عالياً ليسمع الملك بإذنه صوت “الصماد” في حديقة قصره، حينها سيطرح الملك الأسئلة التالية على ابنه: حنا في حرب؟ حاربنا اليمن؟.
قد يعترف الأمير الجامح ويقول لأبيه: حاربت اليمن نيابة عنك؟ قد يعترف بأعداد الضحايا، لكن المؤكد أنه لن يقول: حققت أهدافنا في اليمن نيابة عنك، ولن يقول: سأذهب إلى جهنم نيابة عنك.