عيد الاستقلال.. وغصة المحتل الجديد
علي محمد الأشموري
ظلت عدن ترزح تحت الاحتلال البريطاني 128 عاماً بالتمام والكمال نتيجة لموقعها الاستراتيجي الحيوي الهام, حيث كانت عدن المحافظة اليمنية تتصدر موانئ العالم، وخلال فترة الاحتلال البريطاني والمخططات الجهنمية للاحتلال البريطاني الذي أقام المعسكرات والمعتقلات وفصل المحافظات بأسلاك شائكة وحولها إلى كانتونات ضعيفة مقسمة وبنيت السجون السرية للمقاومة لتعاني من تعذيب، واختطاف قسري وإخفاء رموز إما “بالحبس” أو بالموت البطيء.. في تلك الفترة نشطت الحركة العمالية اليمنية وكان لها دور بارز في الكفاح المسلح.. وشكلت الثقافة الرافضة للاحتلال دوراً تنويرياً وتعبوياً من خلال الشعر الذي تحول إلى ملاحم تحفيزية لمقاومة المستعمر البغيض, وبالمقابل ووسط العمليات الفدائية من قبل الجبهة القومية وجبهة التحرير ظهر المثقفون في أورقة الأمم المتحدة ليوصلوا صوت الشعب المظلوم إلى العالم ودفع الشعب اليمني الحر خيرة شبابه وأبنائه وكانت المرأة اليمنية في مقدمة الصفوف، وعقب كل عملية فدائية كانت أبواب عدن للأحرار اليمنيين مفتوحة فلجأ المستعمر وماما “فيكتورريا” إلى استمالة عدد من المرتزقة لتجنيدهم في صوف الاحتلال وكانت بعض الخلايا تقع إما بالمقاومة أو بوشاية أصحاب البراقع الذين كانوا يخرجون إلى جانب المحتل المدجج بأحدث أنواع الأسلحة ومعهم المرتزقة الذين “برقعوا” ولم تكن تظهر وجوههم اللهم أعينهم وأصابعهم التي تشير إلى رموز المقاومة وما أشبه الليلة بالبارحة.. فالمناضلون دفعوا الثمن وسطروا تاريخاً مجيداً, فمني الجنرال هينس بالهزيمة تحت ضربات المقاومة والكفاح المسلح والقنبلة التي هزت عرش البريطانيين وأذابت أسلاكهم و وكسرت شوكة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فغابت..
فكان أصغر مناضل هو من اغتال آخر جندي وهو الأستاذ/ أحمد الحماطي, وأول مرتزق ارتهن للجيش البريطاني المحتل هو “هادي” ولأن “هادي” هو الورقة الضعيفة والمكشوفة للعلن فقد اختير من قبل دول التحالف وعلى رأسها بريطانيا التي غابت عنها الشمس بعد قرن ونيف من الاحتلال فقبل بالدور السعودي- الإماراتي وأن يعلب الدور بتمزيق اليمن من جديد من داخل فنادق الرياض وأبوظبي، ويدعو كما أمره أسياده السعوديون والإماراتيون الجدد لقراءة البيان رقم “2” الذي أعلن من واشنطن استمرار عاصفة الحزم..
في تناولة سابقة وبعد الإغراق في كتب تاريخ النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني الذي كان آخر اختبار له قبل 1967م وبعد التسليم بالأمر الواقع وتحت الضربات الموجعة “لأحفاد فيكتوريا” “وهينس” كانت هناك مسابقة بعد تدخل حركة عدم الانحياز ونجاح المقاومة المسلحة في طرد المستعمر القديم، فقد قيل إن ضابطاً بريطانيا وضع قبعته على شجرة وقال “من يسقطها فإن مكافأته ستكون كبيرة, فحاول الكثير من العملاء إسقاطها وحدث شجار كان سيقلب رحيل المستعمر إلى فرحة وحينها ظلت بريطانيا تخطط بعينين يشوبهما الحزن والندم, وظلت تبحث عن بقايا المرتزقة وأتباع “مارياتريزا” ممن فقدوا الهوية اليمنية وهم يلهثون وراء الربح وتقديم معلومات استخباراتية عن أسماء قادة وأعضاء المقاومة “بالشياذر” خوفاً من انتقام المناضلين الذين كان يأويهم كل منزل في عدن والأماكن الراضخة تحت الاحتلال” وخرج الشعب اليمني منتصراً وارتفعت أصوات “برَّع يا استعمار من أرض الأحرار” بعد أن دفع اليمنيون خيرة أبنائهم وعلى مختلف الجبهات السياسية والعسكرية والإعلامية والعمالية والمرأة والطفل وبعد أن أعيد توحيد الوطن اليمني الواحد في الـ22 من مايو 1990م بعد محاولات مستميتة من رأس الأفعى السعودية بالترغيب المالي وبعد الفشل الذريع في إحباط محطات ولقاءات القادة والمفكرين الذين يجمعهم هم واحد هو “الوحدة اليمنية” وبعد تحقيقها بين الشريكين كان بالإمكان ترسيخها ببناء دولة المؤسسات والابتعاد عن المناكفات والمكايدات السياسية، لكن ذلك لم يتم رغم تدخل الملك حسين بن طلال لإيجاد الحلول في الأردن وبدلاً من عودة الشريك الاشتراكي إلى صنعاء المفتوحة لكل اليمنيين اتجه السياسيون تحو السعودية لأداء العمرة أو “العملة” كما قيل حينها وانسلخ النسيج الاجتماعي ليس في الداخل بل في الخارج منذ 1993م عندما دخل السفير السعودي إلى مدرسة الجالية اليمنية يوزع كتب “الوهابية” فكان الرد مزلزلاً من قبل اللواء حسين الغفاري عميد السلك الدبلوماسي وتشاجره مع السفير السعودي، فاستعداني حينذاك “الغفاري” المناضل رحمه الله وقال “اكتب عن كل ما حدث”.. حاولت إثناءه عن ذلك الموقف لأني كنت أعلم علم اليقين أنه “سيطير” من منصبه وربما من الحياة لكنه أصر وبعد كتابة العبد لله في “الثورة” يوميات “معجون سياسة” لم يستمر المناضل العفاري سوى أسابيع وإذا به يهاتفني بأنه رجع غير عابئ بالمنصب المفقود، وتلى ذلك حرب 1994م “وتيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي”.
ودخلت أذرع بريطانيا التي تحلم بالعودة عبر أذرعها السعودية والإمارات وشرعنت الخيانة والاحتلال “بالريال والدرهم” وعلبة رنج ومائة حقيبة مدرسية وماكنة إعلام قائمة على مبدأ الزور التزوير والشحن الطائفي والمناطقي وبفضل هادي وشلته المشئتين أصبح زايد وأولاده يحلون في واجهات عدن بصورهم محل المناضلين ومكان من سالت دماؤهم من أجل الاستقلال وبنيت السجون السرية لقمع كل صوت حر وكان آخرهم “سامي باوزير” في صبيحة الـ30 من نوفمبر 2020م باستهداف حياته من قبل ملثمين مأجورين في مديرية كريتر بعد ظهوره في فيديو انتقد فيه الاحتلال السعو-إماراتي ومن يعيشون في فنادق الرياض والمتسكعين في بقية الدول
“الحرية” والعبودية بين الأمس واليوم..
نحتفل اليوم بعيد الاستقلال والعالم المنافق والأمم المتحدة وبريطانيا وأمريكا وشذاذ الآفاق من 17 دولة ما زالوا يراهنون على جواد خاسر انتهى وانتهت مهمته في 2012م وهو متمسك بشرعية مهترئة لا وجود لها.. فهل سيهب الشعب اليمني من جور معاناة المحتلين الجدد وأذنابهم “فردتي الحذاء” السعودية- والإمارات قادة التطبيع والبسط على التاريخ اليمني العريق والحضارة الضاربة جذورها في الأعماق.. المؤشرات تدل على أن اليمنيين قاطبة بعد أن ذاقوا الأمرين وبعد سرقة الآثار والأحجار والأشجار من بلادنا مستعدون لإعادة الكرَّة لطرد الاحتلال، فراجح “لبوزة” ومواقفه ومواقف الجبهتين القومية والتحرير على أهبة الاستعداد لإجلاء المستعمر الجديد..
والشرارة الأخيرة هي اغتيال الشاب سامي باوزير في وضح الفجر.. فالفجر قادم لا محالة .. المجد والخلود للشهداء الأبرار وعاشت الجمهورية اليمنية “الواحدة” حرة أبية كريمة، والفضل يعود إلى أبطالنا الميامين في الجبهات من أبناء الجيش واللجان الشعبية والقيادة الحكيمة.. “أما الزبد فيذهب هباء” وعاش صوت الحرية والخزي والعار للمطبعين والمطبلين بائعي الأوطان الذين خرجوا من أسواء بوابات التاريخ.. ولا نامت أعين الجبناء.