أمريكا أمام خيار صعب في مواجهة الشرق .. الصين تواصل كسب الوقت .. والشرق الأوسط يزداد صعوبة

حصان “الفوضى الخلاقة” فقد بريقه وقادته يختارون تركيا كمنفى اختياري
يعود الديمقراطيون بعد 4 سنوات من شرعنة الحرب على اليمن وقد أضحى الأخير لاعباً إقليمياً

الثورة / إبراهيم الوادعي

على الرغم من مواصلة ترامب السير في دعواه ببطلان نتائج الانتخابات التي منحت خصمه بايدن الفوز، وبعد مماطلة، شرعت دائرة الخدمات العامة بالبيت الأبيض، في نقل أولي للسلطات الرئاسية إلى بايدن وفريقه الذين سيتاح لهم – وحتى يناير – الحصول على نسخ من التقارير الفيدرالية، وذلك يعطي مؤشرا إلى أن اللوبي الصهيوني ولوبي الشركات يدفع باتجاه اختيار بايدن رئيسا انطلاقا من مصلحتها في مواجهة التنين الصيني الذي يوشك أن يتربع على عرش العالم، وليس نتيجة لاختيار شعبها .
الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشهادة أحد أقطابها تمثل عملية احتيال كبرى في التاريخ – لايزال أمام ترامب فرصة للفوز بفترة رئاسية ثانية إذا ما اختاره المجمع الانتخابي في 14 ديسمبر المقبل – لكن يبدو أن بايدن الديمقراطي هو خيار أمريكا ولوبيهات أمريكا للبقاء على عرش العالم، بعد أن أضاع ترامب فرصة 4 سنوات استخدم فيها سياسات طغى عليها التصادم دون تقدم يذكر في مواجهة الصين، سوى مليارات تم حلبها من بقرات الخليج .
بحسب الكثير من المراقبين فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسات ذكية للتعامل مع الصين التي ظهرت خلال أزمة شركة هواوي للهواتف المحمولة أنها قد استعدت جيدا للتعامل مع مواجهة وصدام متوقع مع الولايات المتحدة المهيمنة على سوق البرمجيات العالمي، وهو ما أجبر أمريكا على إعادة التعامل مع هواوي ومنحها حق الوصول إلى برمجيات اندرويد ومنصات جوجل رغم اتهامها بالتجسس وفرض عقوبات عليها .
وخلال السنوات الأربع الماضية، فإن سياسات ترامب الحمقاء أوصلت أمريكا إلى نتيجة مسدودة مع عدد من الدول الغريمة تقليديا للولايات المتحدة والمناهضة لهيمنتها على العالم، خروج أمريكا من الاتفاق النووي لم يجلب إيران راغمة إلى المذبح الأمريكي، بل قوّى – في المقابل – من حجة القائلين بأن أمريكا تفتقد المصداقية ويجب الاستعداء لمواجهة معها وعدم ترك آليات المواجهة، كما أن إعادة فرض العقوبات على طهران لم يكن بذات الفاعلية، فهذه المرة وجدت طهران شركاء عازمين على مواجهة الولايات المتحدة وكسر هيمنتها على العالم.
الصين وروسيا وايران واصلت تهديد سطوة الدولار الأمريكي وأنشأت أنظمة مالية للتعامل بعيدا عن الدولار وأساليب عدة لتجاوز العقوبات الأمريكية، كما واصلت شركات صينية وروسية علنا تقديم عطاءاتها الاستثمارية في القطاعات الإيرانية متجاهلة العقوبات الأمريكية، ووصل حجم الاستثمار في قطاع البترول الإيراني منذ إعادة العقوبات الأمريكية إلى مليارات الدولارات خلال الفترة المقبلة .
الحلفاء الأوروبيون نأوا بأنفسهم عن تحمل أي تبعات مواجهة قد تحدث سواء مع الصين أو مع إيران التي مرغت أنف ترامب في التراب بإسقاطها طائرة غلوبال هوك، فخر المسيرات الأمريكية والبالغ ثمنها 20 مليون دولار .
حادثة احتجاز ستينا امبيروا في مياه الخليج عقب احتجاز بريطانيا بإيعاز من الولايات المتحدة الناقلة الإيرانية في جبل طارق، دفعت بالأوروبيين أكثر إلى الابتعاد عن أي صدام مباشر مع المحور الآخر، وقد تريد أمريكا جر الناتو اليه .
وفي المقابل كان تحالف الصين روسيا إيران يظهر تماسكه بمناورات هي الأضخم في تاريخ المحيطات وعلى امتداد 7 آلاف كيلومترات في المحيط الهندي، وتظهر تحديا للولايات المتحدة في خاصرتها الجنوبية، حيث زودت إيران فنزويلا – المحاصرة أمريكيا – بالمشتقات النفطية رغما عن الولايات المتحدة الأمريكية، كما أرسلت روسيا طائرات حربية إلى العاصمة الفنزويلية في رسالة فهم منها أن روسيا لن تترك حليفها هناك في مواجهة الولايات المتحدة.
يعود الديمقراطيون إلى البيت الأبيض أو إلى الاتفاق النووي، والولايات المتحدة أضعف منذ غادرته، كما أن خارطة الشرق الأوسط تغيرت كثيرا بعد أربع سنوات على رحيل إدارة أوباما الديمقراطية، فالمنطقة تغلبت أو أوشكت على التغلب على حروب الفوضى التي يبرع الديمقراطيون في إشعالها في العالم، وإيران عقب الانتصار على داعش في العراق والقوى التكفيرية في سوريا أكثر ثقة في مواجهة حروب الوكالة التي يبرع فيها الديمقراطيون .. وسوريا اليوم تتعافى وتوشك أن تخرج من عنق الزجاجة بعد 9 سنوات من الحرب والدمار، فيما حزب الله اقوى بكثير من وضعه عند مغادرة أوباما السلطة، واليمن بعد 6 سنوات من العدوان – الذي شن في عهد الإدارة الديمقراطية – غدا لاعبا إقليميا رغم استمرار الحرب والحصار.. والباعث على قلق الكيان الإسرائيلي، وهو نجح إلى حد كبير في دق عنق القاعدة وداعش – صنيعة المطابخ الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، كما صرحت بذلك هيلاري كلينتون، وإضعاف مليشيات المرتزقة حلفاء واشنطن وأدواتها في جنوب الجزيرة العربية.
كما أن تنظيم الإخوان المسلمين الذي امتطته الإدارة الديمقراطية في عهد أوباما لتثوير الشعوب وحرف نهضتها باتجاه المصالح الأمريكية وصنع الشرق الأوسط الجديد قد كبا على وجهه وفقد بريقه وحاليا يتجمع قادته في تركيا كمنفى اختياري.
الشرق الأوسط أصبح أكثر وعيا ونضجا في مواجهة السياسات الأمريكية للهيمنة، سواء عبر أذرعها أو بشكل مباشر، ومن الواضح عبر الاختيارات التي ضمت مساعدين من أصول عربية وفلسطينية في الإدارة الديمقراطية الجديدة، أن بايدن يسعى لتخدير دول منطقة الشرق الأوسط ولا يعني ذلك إيقاف صناعة الفوضى لإبقاء الوضع في المنطقة هشا لحين عودة أمريكا بعد حسم المواجهة مع الصين أو الاتفاق معها على شكل النظام العالمي الجديد، الوقت ضيق جدا والشرق الأوسط أضحى أكثر صعوبة وتعقيدا بالنسبة إلى الأمريكيين، ولا تريد الإدارة الأمريكية خسارة المزيد من الوقت الذي تكسبه الصين .

قد يعجبك ايضا