إيضاح وبيان في مقاطعة بضائع دول العدوان (5)

 

عدنان الجنيد

ثانياً : الأدلة العقلية والمنطقية في مقاطعة بضائع دول العدوان :
إن من له مسكة من عقل فسيرفض -بداهةً- أن يتعامل مع المحاربين له ولشعبه ولوطنه، ولا يمكن أن يستورد بضائعهم أو يشتري منتجاتهم ..
وإذا كنت – أخي القارئ – تمنع نفسك أن تشتري أي شيءٍ من محل لعلمك أن مالكه مشهور بالفسق والظلم والمعاصي، كون شرائك من محله يُعد من المودة له والرضا به وتشجيعاً له، وهذا قد يؤدي به إلى الاستمرار والتمادي بفسقه وظلمه ومعاصيه، بينما مقاطعتك للشراء من محله يعني عدم رضاك بما يقوم به من ظلم ومعاصٍ ، وهذه وسيلة لردعه، ناهيك عن أن بغضك له إنما هو لله وليس لمصلحة ذاتية دنيوية ضيقة، فإذا كان كذلك، فكيف بمن يستعبدون الشعوب ويقتلونهم وينهبون ثرواتهم ويأكلون خيراتهم ويستعمرون أرضهم؟! كيف بمن يرتكبون المئات من المجازر في حق الشعب اليمني والشعب الفلسطيني وبقية الشعوب المستضعفة! فهل بعد هذا يليق بك ديناً وأخلاقاً وإنسانية أن تستورد بضائع هؤلاء المجرمين ونشتري منتجاتهم !!..
إن الواجبين الأخلاقي والإنساني – فضلاً عن الواجب الديني – لتأمرنّك بالتصدي لأمثال هؤلاء أعداء الإنسانية ولو بمقاطعة بضائعهم ومنتجاتهم على أقل تقدير ؛ إذ ليس من الذوق والمنطق بمكان أن نساعد وندعم من يقتلون أبناءنا ونساءنا وشيوخنا ويدمرون منازلنا ومؤسساتنا، بل ويهلكون حرثنا ونسلنا، ناهيك عن حربهم للإسلام وإساءاتهم المتكررة لرسول السلام سيدنا محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام ..
فنحن كمسلمين ينبغي علينا أن نعي وندرك أن أي تعاملات أو صفقاتٍ تجارية نعقدها مع أعداء الإسلام والإنسانية أملاً بجني المكاسب والأرباح إنما ستعود علينا وبالاً بالخسران المبين لا محالة..
كوننا بتلكم الأفعال المشينة والحمقاء في آنٍ معاً إنما نساعدهم في تقوية شوكتهم اقتصادياً وعسكرياً، ونمهّد لهم -رويداً رويداً- طريق استعبادنا ومن ثَمَّ القضاء علينا..
فإن كان بغضهم وكرههم من علامات الإيمان، فكيف بمعظمنا ما يزال حتى اللحظة يشتري منتجاتهم !!
إن العقل والمنطق يأمراننا أن ننهي كل علاقاتنا مع هؤلاء المستكبرين المفسدين في الأرض، نعم ننهي كل علاقاتنا معهم بجميع صورها وأشكالها الظاهرة والباطنة، فلا تعامل معهم لا في البيع ولا في الشراء ولا في غير ذلك..
والذي نفسي بيده لو أن كل المسلمين قاطبةً من كل فجٍّ وصوب بمعية الشعوب الحرة قاطعوا جميع بضائع ومنتجات دول الشر الاستكبارية، لما قامت لها قائمة، ولسوف يلجؤون إلى إيقاف عدوانهم واستبدادهم على الشعوب المستضعفة وهم صاغرون، بل وسيرضخون ويلبون كل مطالبها ؛ لأن المقاطعة الاقتصادية من أفتك الأسلحة المضرة باقتصاد دول العدوان، والذي بدوره سيؤدي -لا محالة- إلى إضعاف قوتها العسكرية وانهيارها..
وهناك شواهد وأمثلة تاريخية على مر العصور أثبتت أثر المقاطعة الاقتصادية كسلاح ضغط رادع على الظالمين والمعتدين والمحتلين والمستعمرين، وتكبيدهم الخسائر الفادحة في اقتصادهم، وإليكم بعضاً منها :
• الزعيم الهندي غاندي : بعد ثورته على الاحتلال البريطاني عام ١٩٣١م، وبعد أن منعت بريطانيا الشعب الهندي من استخراج الملح … إلخ
دعا غاندي إلى مقاطعة كل البضائع والمنتجات البريطانية، واستجاب له الملايين من الهنود، وأدى ذلك إلى خسائر اقتصادية كبيرة مُنيت بها بريطانيا في الهند، وكانت هذه الخسارة واحدة من الأسباب التي أدت إلى انسحابها من الهند عام ١٩٤٧ (١).
• عندما احتلت ألمانيا بعضاً من المدن في أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، ( 1945م) لجأ الكثير من الناس في تلك المدن المحتلة إلى مقاطعة كل البضائع المصنعة في ألمانيا كوسيلة ضغط منهم لإخراج الألمان من مدنهم وبلدانهم، وقد كان لهذه المقاطعة الأثر البالغ في خروج المحتلين من مدنهم وبلدانهم (٢).
• الشعب الياباني : على الرغم من هزيمته في الحرب العالمية الثانية التي ألحقت به دماراً شاملاً، إلا أنه قاطع جميع السلع والبضائع الأمريكية، ناهيك عن إعلانه للرفض القاطع للاحتلال الأمريكي، والسيطرة على مقدرات اليابان الاقتصادية والعلمية، ومن خلال تلك المقاطعة عمد -بالمقابل- إلى تشجيع الصناعة الوطنية والإنتاج الزراعي والخدماتي التي بدورها أهلته إلى أن يفرض سيطرته الاقتصادية حتى على السوق الأمريكية نفسها، وبهذا انتصر الشعب الياباني على الاستكبار الأمريكي في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجيا وغيرها..
وهكذا نجد الكثير من الدول والشعوب قد استخدمت سلاح المقاطعة الاقتصادية لردع الظالمين وطرد المحتلين والمستعمرين..
فما أحوجنا اليوم كمسلمين لاستخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية ضد إسرائيل وأمريكا وبقية دول الشر والاستكبار شريطة ألَّا يكون استخدامنا لسلاح المقاطعة آنياً لفترة وجيزة أو لموسم عابر لإطفاء غضبٍ أو نحوه، ومن ثمّ العودة إلى التعامل معهم وشراء بضائعهم وسلعهم ومنتجاتهم، بل تقع على عواتقنا جميعاً مسؤولية النهوض بوطننا من خلال الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الدولة وتشجيعها للتوسع في المجالين الصناعي والزراعي واقتناء واستهلاك كل منتجاتنا المحلية للنهوض باقتصادنا، وبالمقابل يجب علينا ديمومة الاستمرار بالمقاطعة لكافة منتجات دول العدوان، لإجبارهم على اللجوء -وهم صاغرون- إلى وقف عدوانهم وفسادهم واستعبادهم للشعوب المستضعفة..
الهامش
(١) انظر : القاموس السياسي ص١٠٣٧ .
(٢) انظر : الموسوعة العربية العالمية [ ٢٣ / ٥٦١ ] .

قد يعجبك ايضا