عندما قرر اليمنيون أن يكون بلدهم يمناً حراً يزرع ويصنع ويبني اقتصاده تم الاعتداء عليه

نائب مدير المعهد الوطني للعلوم الإدارية للبرامج وتنمية التدريب الدكتور أيمن الحوثي لـ”الثورة”: كُلِّفنا بإعداد دليل ممارسة الحكم الرشيد على جميع مستويات الوظيفة العامة

انتشار الفساد في المؤسسات بشكل كبير نتيجة عدم المساءلة
إذا لم تكن هناك سيادة قانون فالرؤية الوطنية لن تنفذ
التحدي الآن لم يعد في الجبهات فقط بل يجب أن يخوضه المسؤولون في الدولة
إخراج اليمن من الوضع الراهن لن يكون إلا بوجود إرادة سياسية ورؤية وطنية
تركة الفساد الإداري والمالي ثقيلة وتحتاج إلى فترة للتخلص منها
إذا تم تطبيق القانون فمن المؤكد أن العدالة ستتحقق مع وجود دولة عادلة
تم تدريب 150 بدرجة وزير ونائب وزير ورؤساء عدد من الجهات الحكومية

أكد الدكتور أيمن علي الحوثي -نائب مدير المعهد الوطني للعلوم الإدارية للبرامج وتنمية التدريب أن الرؤية الوطنية هي التي فتحت المجال كخطة استراتيجية جعلت أفق التغيير في اليمن أكثر وضوحاً ، وأنها لو طبقت فستتجاوز البلاد مشاكلها السياسية والاقتصادية بشكل كبير .
وقال: إن الفساد الذي يمارس في الجهات الحكومية هو نتيجة غياب “الشفافية” التي تعتبر أحد معايير الحكم الرشيد حيث يتم منع الجهات الرقابية من الاطلاع على الوثائق سواء كانت متعلقة بتنفيذ المشاريع أو غيرها ويجب على كل مسؤول أن يكون مستعداً لـ”المساءلة” كونها أهم المعايير والنقاط المرتبطة بعملية مكافحة الفساد، وأن الفساد الكبير الموجود في المؤسسات هو نتيجة الركون إلى عدم المساءلة والإفصاح عن المعلومات التي يجب أن يطلع عليها حتى المواطنون.
الدكتور أيمن الحوثي تطرق في حوار أجرته معه “الثورة” إلى جملة من القضايا والتفاصيل المتعلقة بأسس ومعايير تطبيق الحكم الرشيد وفقاً للمحاور الواردة في الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة ..تفاصيل أوسع في سياق الحوار التالي:

الثورة /أحمد المالكي

* ماذا عن مفهوم الحوكمة وارتباطها بالحكم الرشيد؟
* أولاً أرحب بصحيفة ومؤسسة “الثورة” للصحافة ، وأشكركم على إتاحة هذه الفرصة ،وبدايةً الحكم الرشيد هو أخذ جزءاً من محور إدارة الحكم في الرؤية الوطنية، ومن خلاله نحن انطلقنا ، حيث كانت هناك أيضاً اتفاقية بيننا وGIZ مرتبطة بالحكم الرشيد ،ونحن حاولنا أن نفعِّل الاتفاقية فيما بعد بما يتناسب مع الرؤية الوطنية، أو بالأصح مع مفهومها برغم اختلاف مفهوم الحكم الرشيد لدينا ، فالحكم الرشيد هو مفهوم إدارة الدولة ضمن معايير العشرة المحاور، وعندما تطبق هذه المعايير فهي تعتبر حوكمة للمؤسسة نفسها ، بمعنى أن الحكم الرشيد هو على مستوى الدولة كاملة أما الحوكمة فهي على مستوى المؤسسة نفسها.

* التزام الدول النامية بمنهجية الحكم الرشيد أمر في غاية الأهمية ، وعلى اعتبار أن بلادنا دولة نامية برأيكم ما مدى إمكانية تطبيق الحكم الرشيد في اليمن؟
– اعتقد أن الرؤية الوطنية هي التي فتحت المجال ،حيث كان الأفق لدى اليمن غير واضح ،وعندما جاءت الرؤية الوطنية وهي تمثل خطة استراتيجية لـ12 سنة، وما فيها من محاور ونقاط ودراسات أعدها خبراء ممتازون جداً ما جعل أفق التغيير في اليمن بشكل أكثر وضوحاً، ولذلك صحيح نحن دولة نامية، لكن لو طبقت الرؤية الوطنية مثلاً نستطيع القول إننا سنتجاوز المشاكل السياسية والاقتصادية التي كانت تعاني منها اليمن بشكل كبير جداً.

* من الأهمية التي يكتسبها الحكم الرشيد خلق حالة الشفافية والمساءلة، وتعزيز مشاركة جميع فئات المجتمع.. من وجهته نظركم ما هو المطلوب لتطبيق هذه المفاهيم أو المعايير في اليمن؟
– مثلاً مبدأ الشفافية أحد معايير الحكم الرشيد والتي تتمثل في الإفصاح عن المعلومات ، وللأمانة الكثير من الاتفاقيات والأعمال التي تقام في الجهات الحكومية لا تتمتع بالشفافية ، ومن هنا تبدأ عملية الفساد، وعلى سبيل المثال ما حدث مؤخراً من توقيف لعدد من المسؤولين من قبل هيئة مكافحة الفساد، ولكن كمثال كانت الإشكالية في الشفافية حتى للجهات المختصة نفسها، يعني جهة رقابية تأتي للرقابة على جهة معنية ، ويتم منعها من الاطلاع ، ويفترض أن يتم الاطلاع عليها بشفافية وأن تسمح هذه الوحدات التي تعمل المشاريع أن يطلع على وثائقها حتى المواطن العادي، ولذلك عندما تخفي أي جهة وثائقها وموازنتها وصرفياتها ونفقاتها اعلم مباشرة أن هنالك فساداً.

* في مجال الحوكمة أو الحكم الرشيد ، المساءلة تعني تحمل المسؤولية بما يخدم الصالح العام؟ ما أهمية المساءلة في الحكم الرشيد فيما يتعلق بمكافحة الفساد؟
– المساءلة هي أن يتحمل الشخص المسؤولية ، وأن يكون مستعداً لتحمِّل مسؤوليته عن أي تصرف يقوم به سواء كان مالياً أو إدارياً ،وهي أهم نقطة مرتبطة بعملية مكافحة الفساد عندما تكون هنالك مساءلة فسيتم تقويم الاتجاه الخاطئ ومن ضمنها التصويب ، ولذلك تعتبر المساءلة محورية ،وعلى سبيل المثال ، انتشار الفساد في المؤسسات لدينا بشكل كبير هو ناتج عن الركون إلى عدم المساءلة، ولو كانت هناك مساءلة ، بغض النظر عن الالتزام الديني ،فسيحسب لموضوع المساءلة ألف حساب لأن ذلك سيجعل الشخص الفاسد تحت طائلة القانون، ويحاسب على تصرفاته، ولذلك المساءلة هي أحد المعايير العشرة في الحكم الرشيد.

* الشفافية تعني “الحكومة المفتوحة” ما هو المطلوب لتحقيق هذا المبدأ في تقييم وفهم القرارات المتخذة من قبل المسؤولين؟
– لكي يكون هناك علم لدى جميع المسؤولين ،أنه ليس كل شيء يخفى ،يجب أن ينتشر للآخرين ، وإذا نشر للآخرين فستكون جميع تصرفاته وجميع قراراته محسوبة ومدروسة ، ويتخوف من المساءلة كنتيجة لها ، لكن تظل عندنا جميع المعايير في الحكم الرشيد، أو بمعنى أصح يظل لدينا انطباع راسخ في السابق على سبيل المثال أن أي مسؤول يدخل جهة حكومية إذا لم يخرج ببيت وفلة وسيارة ورصيد بنكي فهو يعتبر “أحمق أهبل” بينما الشخص اللص يطلق عليه بالعامية “أحمر عين” وهذه الثقافة ترسخت لدى الكثيرين ، ولذلك أي شخص يخرج نزيهاً من الجهة الحكومية يعتبره الآخرون “أهبل”، ولذلك المعهد كلف الآن بإعداد دليل ممارسة الحكم الرشيد على جميع مستويات الوظيفة العامة، ونريد ترسيخ معايير الحكم الرشيد العشرة على جميع موظفي الدولة لتثبيت المبادئ والقيم الصحيحة وإلغاء الظواهر المزعجة وفقاً للحكم الرشيد.

* ماذا عن الرؤية الاستراتيجية في مجال الحوكمة ،لا سيما ما يتعلق برسم السياسات والخطط الوطنية ، وما مدى تطابقها مع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة في اليمن؟
– الحكم الرشيد يعني إدارة الدولة بشكل شفاف وواضح عن طريق تثبيت سيادة القانون والمساءلة ، ووفقاً للمعايير العشرة للحكم الرشيد والتي كانت تنقصنا ،وعندما تهتم بها الدولة ستكون مؤثرة بلا شك فيما يتعلق بالرؤية الاستراتيجية ، يعني أنه إذا لم تكن هناك سيادة قانون ، فالرؤية الوطنية لن تنفذ، لأن سيادة القانون ستلزم جميع المسؤولين بتنفيذها وسيعلم الكل أن هناك مساءلة وشفافية.

* ما هي أهم التحديات الراهنة لتطبيق الحكم الرشيد في اليمن وفقاً للمحاور التي وردت في الرؤية الوطنية؟
– نستطيع القول إن الجوانب المالية تمثل تحديا، يعني عندما أتحدث عن النزاهة فمن الصعوبة أن أتحدث عن ذلك في ظل حصار وعدوان وانقطاع مرتبات الناس، لكن نحن نتحدث عن رؤية وطنية في ظل الظروف العادية والطبيعية ،ولذلك إذا كانت هناك سيادة قانون وتطبيق المعايير العشرة الخاصة بالحكم الرشيد فإننا بلا شك ومع المدى سنتمكن من ترسيخ الحكم الرشيد بشكل عام على جميع موظفي الدولة.

* اليوم واليمن يخوض معركة التحرر من الوصاية الخارجية مع وجود قيادة وطنية قادرة على اتخاذ القرار الوطني المستقل ، ماذا يمثله ذلك باتجاه تعزيز وتوطين معايير الحكم الرشيد؟
– هناك مجموعة من الدول التي فقدت مصالحها وقررت أن تعتدي على اليمن عندما رأت أن اليمن اتخذ قراره برفض أية وصاية عليه حدث هذا الهجوم والعدوان عليه ، عندما قرر اليمنيون أن يكون بلدهم يمناً حراً وقوياً يمناً زراعياً ويمناً صناعياً ويمناً اقتصادياً ، فتكالبوا على بلدنا لأنهم يريدون أن يكون اليمن حديقة خلفية للسعودية ثم لأمريكا ، ولكننا اتخذنا قراراً وإن كان صعباً يحتاج لتقديم التضحيات الكبيرة من الشهداء في الجبهات وحتى من المدنيين الذين يتم قصفهم في منازلهم أو أعمالهم ،فكان لا بد أن يكون مقابل هذه التضحيات والثمن الغالي، أن تكون هناك رؤية وطنية أو بمعنى أصح خطة استراتيجية لمدة 12 عاماً وهي “2019م-2020م” و”2021م-2025م” و”2026م-2030م”، هذا هو التحدي الذي يواجه مسؤولي الدولة، فإذا كان الأبطال في الجبهات استطاعوا أن يحققوا هذه الانتصارات العظيمة بصمودهم وثباتهم وتضحياتهم ،واستطاعوا أن يقاوموا خلال ست سنوات من القصف والقتل وحرق الأخضر واليابس وواجهوا 16 دولة تقوم بالاعتداء على هذا الشعب البسيط الذي يمتلك إمكانيات محدودة ومع ذلك صمدوا، إذاً. التحدي لم يعد الآن في الجبهات فقط، هذا التحدي يجب أن يخوضه مسؤولو الدولة، كما أشرت أنت قيادات الدولة يجب أن تكون نزيهة، نظيفة ،جديدة، طموحة، قوية ،مؤمنة ، والآن لديها تحد يتمثل بإخراج اليمن من الوضع الراهن للأفضل ،وذلك لن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية ورؤية وطنية ،والرؤية الوطنية كانت لديها نقاط مهمة ، يعني كيف نحارب الفساد ، وكيف نحارب عدم سيادة القانون، وهذه لن تكون إلا بوجود ما يسمى بالحكم الرشيد، وهو الحكم العادل، الحكم الجيد الذي سيوصل البلاد مع المدى وليس في يوم وليلة إلى بر الأمان، لأن المسألة هي عملية بناء فكرية وأخلاقية وسلوكية، هذه تحتاج إلى فترة ، لأنه لا ننسى أن التركة في هذا المجال كانت تركة ثقيلة جداً وتحتاج إلى فترة للتخلص منها ،فمثلاً الرشوة هي فساد وهي “أخذ مال من شخص بدون أي حق لتمرير معاملة أو مخالفة” هذه أصبحت راسخة ، ولكن الآن عندما يتم التركيز عليها ومحاصرتها لن يكون ذلك في يوم وليلة ولكن سنحقق ذلك البناء والبناء لا يمكن إلا أن يكون بالتدريج.

* هل نحن مقدمون على بناء دولة العدالة وسيادة القانون؟
– الحكم الرشيد تكلم عن العدالة وسيادة القانون ، وبلا شك إذا تم تطبيق القانون، فمن المؤكد أن العدالة ستحقق ،والعدالة بلا شك هي صفة من صفات الله، لكننا نطمح أن نصل إلى أكبر مقياس في العدالة والذي سنستطيع الوصول إليه كبشر ، ولن تكون هناك دولة قوية إلا مع وجود الدولة العادلة.

* تنفذون مع المكتب التنفيذي لإدارة الرؤية الوطنية الحديثة وبرنامج GIZ الألماني مجموعة من الدورات في الحكم الرشيد لموظفي الدولة.. ممكن تعطونا فكرة عن هذه الدورات؟
– المعهد الوطني للعلوم الإدارية كانت لديه اتفاقيات سابقة مع GIZ ،ومن ضمنها أن المعهد أصدر كتاباً بنفقة وبمشاركة GIZ في الفترات السابقة اسمه “الحكم الرشيد” ، ونحن لدينا في الدبلوم المتوسط أدرجنا هذه المادة كأحد المقررات على أساس ترسيخها لدى الطلاب في المعهد، وبالطبع بخصوص الحكم الرشيد نحن في الرؤية الوطنية حاولنا قدر الإمكان أن نعكس الموضوع عن طريق إيجاد ممول، ووجدنا GIZ لتمويل برنامج الحكم الرشيد بموجب الاتفاقيات السابقة وألحقناه باتفاقيات لاحقة استكمالاً للسابقة، وتم تقديم المشروع لهم ووافقوا عليه وبدأنا بعدد من قيادات الدولة في شهر نوفمبر، ديسمبر 2019م ويناير 2020م وبدأنا لعدد 150 من درجة نائب وزير ووزير ورؤساء الجهات الحكومية المستقلة، وحضر الدورة الكثير من قيادات الدولة وكانت ليوم واحد، وحاولنا توحيد مصطلحات الحكم الرشيد كي يكون لديهم الاستعداد لتدريب موظفيهم وقياداتهم في الوزارات على الحكم الرشيد وإرسالهم إلى المعهد، والمرحلة الثانية استهدفت 500 شخص وكلاء وزارات ومدراء عموم، وأيضاً أشركنا جهات يعتمد عليها الحكم الرشيد هي “الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني”، لأن هؤلاء هم الثلاثة الشركاء في بناء الدولة ،إذ لا يمكن الاستغناء عن القطاع الخاص في بناء الدولة، وعلى سبيل المثال الجامعات الخاصة أو المستشفيات الخاصة ، أو المدارس الخارجية ، لو نفترض عدم وجودها في أمانة العاصمة ، هل تستطيع الدولة أن تحتمل هذا العبء ،لا تستطيع ولذلك القطاع الخاص يتحمل عبئاً كان يجب أن تقوم به الدولة ونحن لا نقول إن القطاع الخاص مكتمل الشروط ، لأنه يجب أن نساعده لكي يصل هو إلى المعايير المطلوبة وإلى الشروط المطلوبة، ونمدٌ إليه أيدينا كدولة لديها النفوذ والقوة ، لمساعدته في أولى دورة بالشكل الأمثل.. والخلاصة أن الدورات اكتملت ونفذت ووصل العدد إلى 470-500 شخص ونستطيع أن تقول إننا وصلنا إلى النتيجة المطلوبة.

* ماذا بعد هذه الدورات؟ هل هناك مراحل قادمة؟
– المرحلة القادمة هي تشبيك، بمعنى أن هؤلاء الـ500 شخص سيتم تشبيكهم كل 100 شخص في عملية تشبيك لمناقشة نقاط الحكم الرشيد ، ومن المفترض أن تتم مرحلة التشبيك قبل نهاية 2020م.

قد يعجبك ايضا