تنويع مصادر الدخل

أحمد ماجد الجمال
على الرغم مما تمتلكه بلادنا من موارد بشرية ومادية إلا أن الاقتصاد لايزال يعاني من اختلالات هيكلية نتيجة قلة رأس المال وسوء استخدام الموارد ومعوقات الإنتاج وارتفاع كلفة استصلاح الأراضي الزراعية ومشكلات الطاقة وتوطين التكنولوجيا، لكن كيف يمكن معرفة قوة وصلابة ومرونة أي اقتصاد يمكن قياس ذلك بمعايير واضحة لا لبس فيها ولعل أهمها هو القدرة على مواجهة الصدمات والأزمات من خلال وجود خطط تواجهها وتكون على استعداد للوقوف أمامها وتجاوزها ومن خلال وجود القوة والمراكز المالية التي تكون حاضرة لمواجهتها ومن خلال تخفيف الأعباء على الاقتصاد والإفراد والقطاع الخاص لتجاوز الأزمة ومن خلال وجود الخيارات والحلول لمواجهة الأزمة بالتزامن مع عدم تأثيرها على القدرة الشرائية والاتفاقية والدخل لأفراد المجتمع بأقصى ما يمكن ومن خلال استمرار الخدمات والسلع وتوفرها وعدم حصول أي إخلال أو خلل بذلك ومن خلال ضبط الأسواق وإن حدث ذلك فيعني سرعة العودة للاقتصاد المتوازن من جديد والوصول إلى الإنجاز واستمرار للمشاريع والإعمال.
دوما ما يتناهى إلى أسماعنا مطلب تنويع مصادر الدخل ولماذا على دولة أن تعمل على تنويع مصادر دخلها وهي عبارة تقال لكن عندما نبحث عنها على أرض الواقع لا نجدها فالجميع من المؤكد يعون تماماً ماذا تعني عبارة تنويع مصادر الدخل، ويدركون السبيل لتحقيق هذا الهدف ولكن في الحقيقة عند إعداد خطة الإنفاق العام أو الموازنة العامة يتحول وكأن الأمر لا يعد أن يكون إلا مطلب لتعظيم الموارد العامة كالرسوم الضريبية والجمركية وزيادة رسوم الخدمات العامة والغرامات والإتاوات وفي عوائد فوائض النشاط للقطاع العام والمختلط وغيرها ,وهذه مصادر مهمة واستراتيجية .
بينما القصد من تنويع مصادر الدخل هو السعي لتنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي بهدف الحد من الاستيراد وارتفاع تدفق العملات الصعبة في تمويل التجارة الخارجية وزيادة مساهمات القطاعات والأنشطة الاقتصادية الحقيقية والأنشطة الساندة لها في الناتج المحلي وسد ما أمكن من مستويات الطلب الكلي على السلع والخدمات ومن ثم توفير فرص العمل والسيطرة على معدلات التضخم بحزمة من الإجراءات الفاعلة لوضع الاقتصاد، وحجر الزاوية في ذلك يأتي من زيادة مستوى أداء القطاع الخاص وتفعيله ودعمه وتحفيزه ليقوم بدوره بشكل كامل ومتكامل وإعطائه الدور الأبرز وحمايته لتحريك عجلة الاقتصاد من خلال إصدار قانون أو وثيقة استراتيجية للشراكة بين القطاع العام والمختلط والخاص بهدف تحقيق نهضة صناعية وزراعية ومعدنية وخدمات منافسة إقليميا تعتمد على التميز والإبداع وتحقق اقتصاداً متنوعا وتستحدث فرص عمل باستخدام الموارد بفاعلية وكفاءة ومسؤولية ويتطلب ذلك بناء نواة تجمعات لأنشطة اقتصادية تنافسية تعتمد على المنشآت المتوسطة والكبيرة المتكاملة مع سلاسل القيمة المحلية من مدخلات إنتاج وإيجاد ظروف عمل فاعلة ومستقرة تسمح بتوسع المنشآت الخاصة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ونموها .
فالنشاطات الاقتصادية القوية تخلق تجارة متطورة لذا يأتي تنويع القاعدة الاقتصادية والعمل على رفع نسبة إسهام القطاعات المعرفية والصناعية والمعدنية والإنشاءات والدوائية والزراعية والسمكية والحيوانية والسياحة بشقيه الداخلي والخارجي .. وقطاع الخدمات المصرفية والتأمين باعتباره من أهم آليات تعبئة المدخرات المحلية التجارية والترابط إقليميا وعالميا في منح الائتمان المصرفي بحيث يشمل الإقراض طويل الأجل وعدم الاقتصار على الإقراض القصير والمتوسط، وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي ليظهر مخرجاته في الناتج الإجمالي الحقيقي كزيادة وأثر وإسهام القطاع الخاص به واضح في عملية التنمية والنمو وفي توفير فرص عريضة للأعمال وزيادة نصيب الفرد من الدخل، ففي بيئة الأعمال هناك من يبحث عن الحلول لذلك هو مطالب أيضا ليقوم بدعم نفسه والاستعداد للمرحلة وأحداثها الجديدة والاستفادة من الإيجابيات ومواكبة العصر والتغيير الملائم للشراكة.
الاتجاه نحو تنويع مصادر الدخل يستند بالتنويع في الأسواق الداخلية والخارجية وهو مستوى متقدم في التفاؤل والنظرة الإيجابية في ظل ظروف الأزمة والحرب والعدوان والتداعيات التي خلفتها على الاقتصاد ككل مع ذلك لابد من أخذ المبادرة لمواجهتها بإجراءات ملائمة واستيعابها واحتوائها وخصوصا في استراتيجية تصدير السلع والخدمات ورفع مستواه لصالح الميزان التجاري لأن التوجه إلى تنويع مصادر الدخل تعد بمثابة إقرار بناقوس الخطر في الاعتماد على موارد سوق أو قطاع أو خدمة أو منتج واحد وهي رؤية لتبني سياسة تنموية واسعة تسمح بها كل العوامل المادية والبشرية المتوفرة لتجنب المخاطر الاقتصادية المستقبلية في جميع أنواع الأزمات.
تبني استراتيجية تنويع المصادر في ظل وضع اقتصادي استثنائي واعتماد التوازن للقطاعات الإنتاجية المستند إلى سياسات تحسين الأصول المعززة لأنشطة البنى التحتية وتوجيه الاستثمارات قطاعياً ومكانياً وفق معيار الميزة النسبية ليكون للقطاع الخاص دور أكبر وإيجاد بيئة دافعة وجاذبة لزيادة الاستثمارات المحلية وأسس لتوازن معدلات جباية الرسوم الضريبية والجمركية والخدمات وضوابط للإعفاءات والسماحات الضريبية والجمركية والعقوبات وحتى لا يبقى حجم الوعاء الضريبي الأكبر محصوراً على الشريحة العريضة من المجتمع ولنوع واحد هو ضرائب الأجور أو غير مباشر على السلع .. لأن الفكرة الرئيسية ليس كل شيء يمكن أن يكون مربحا وله قيمة اجتماعية وليس كل شيء له قيمة اجتماعية يمكن أن يكون مربحا وهذا الأخير هو دور الدولة لذا يستدعي البحث عن مخارج واضحة لزيادة مستوى الموارد في سياق السعي لتنويع مصادر الدخل لمعالجة الاختلالات والتشوهات في الاقتصاد الكلي وتحويل هيكل الاقتصاد غير المتطور وغير قابل للاستمرار إلى هيكل قابل للاستمرار في المستقبل مع التركيز على زيادة الإنتاجية بدلاً من كبح الطلب ليكون الهدف الرئيسي هو النمو القائم على حشد الموارد البشرية وقدراتها وإمكانية انتفاعها من الموارد المادية الطبيعية ، وفي نفس الوقت يتطلب أن تشارك كل أجهزة الدولة هذا التغيير من كل المستويات كخدمات حكومية وتشريعية وقضائية ورقابية وتقييم قوي يكون له دور في توجيه السياسات المالية والنقدية والاستثمارية وتحسين البنية التحتية المعرفية وتبني نظام حوكمة مناسبا يدعم تلك الشراكة .
باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا