التيه العميق رغم وضوح الحق.. ثمرة البُعد عن رسول الله

 

د.يوسف الحاضري

في ذكرى الميلاد العظيم يستعد كل مؤمن مرتبط بالرسول ليتزود من هذه المحطة السنوية ما يكفيه لينجح في هذه السنة كما يريد الله، أما أولئك التائهون فعلى رغم وضوح الحق واستمرار الشواهد والدلائل عليه إلا أنهم مازالوا في ضلال والسبب “بعدهم عن النبي الحقيقي وارتباطهم بالنبي المزيف” والله المستعان على ما يصفون.
بعد أكثر من 2020 يوما من العدوان والحصار الأمريكي على اليمن ظهرت ومازالت تظهر شواهد ودلائل يومية على الحق وأهل الحق ومثلها على الباطل وأهل الباطل لدرجة أنها ظهرت ليس فقط على المستوى الجماعي بل حتى على المستوى الفردي فلم يعد لأحد أي حجة على الله في هذا الأمر وفي عدم قدرته على معرفة الحق من الباطل، غير أن هناك تراكمات نفسية جعلت من أهل الباطل الانغماس أكثر في باطلهم وتيههم وضلالهم أكثر فأكثر، فكلما ظهر لهم دليل حق يزدادون باطلا في باطلهم مصداقا لقوله تعالى وفضحه لهذه النفسية ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) أي أن البداية كانت منهم فهم من هيأوا نفسياتهم لتكون رجسا ومريضة فجاءت الآية العظيمة لتكون عليهم وبالا في وقت كان ذلك سيفيدهم في تزكية نفسياتهم أكثر وهذا حال “مرتزقة اليمن في هذه الفترة”.
لا يحق لأحد يحمل الحق ويعرف الحق ويتبع الحق ويناصر الحق أن يستغرب لماذا مازال هناك مرتزقة يقاتلون تحت راية الباطل في جبهات العدوان رغم كل الشواهد والدلائل التي جاءت لهم توضح كم هم في ضلال وبطلان، فقيادات العدوان طالما أهانتهم وكسرت شرفهم وانتزعت عزتهم وأذلتهم ومع ذلك مازالوا مستمرين يدينون لهم بالولاء والحب، وفي الجبهات يتم الدفع بهم إلى مقدمة الجبهات يفدين بأنفسهم الجنود السعوديين والإماراتيين وما إن تنتهي جولات المعارك حتى يتلقوا وابلا من الإهانات والذل من قبل هؤلاء الجبناء المتمترسين خلفهما بل ويتم إهمال جرحاهم حتى الموت ويتركون جثث قتلاهم لكلاب البراري دون أن يكون لها أدنى قيمة (وهي بالفعل لا قيمة لها من منطلق أنها باعتها بثمن بخس دراهم معدودة) واذا فروا من القتال يتم استهدافهم من قبل طيران يتوجب أن يكون داعما لهم فتتناثر أجسادهم جزاء لما قاموا به في ذلك، ولا يكتفي تحالف الشر المعتدي عند هذا الحد بل يتتبع بطرق أو بأخرى أن يقوم الجيش واللجان الشعبية اليمنية بسجن من سقط من مرتزقتهم اسرى لدينا فيقوم بقصف السجون ويقتل منهم المئات في عملية لا داعي لها بأي حال من الأحوال خاصة انهم يهملون أسراهم كما وكيفا منذ أول يوم للعدوان حتى وصل الأمر في نظرتهم للمرتزقة نظرة الشيء السفري (أي المستخدم لمرة واحدة ثم يرمى) أي يصبح بلا قيمة، ورغم كل هذه الشواهد والدلائل على الباطل الذي يعيشون فيه عوضا عن شواهد ودلائل إقليمية وعالمية كالتطبيع مع الكيان اليهودي الشيطاني والانبطاح للأمريكان وغيرها من أمور إلا أن هؤلاء مازالوا في تيههم يغرقون ضالين مضلين بل يزدادون في غيهم يعمهون حتى وصل الباطل إلى مرحلة الطمأنينة في إخلاص أتباعه له مهما ظهر باطله وظهرت حقيقة أهدافه. لذا اظهر هؤلاء مؤخرا من خلال احتلال المهرة وسقطرى والتباهي بالتطبيع مع اليهود عيانا بيانا غير قلقين من أن ينقلب عليه اتباعه المرتزقة في اليمن وبالفعل كان ما وضعوا حسابه في ذلك، فيا ترى لماذا اصبح حال هؤلاء المرتزقة هكذا الذين لو يظهر لهم الحق منيرا بين المشرق والمغرب ويحدثهم بلسانهم فلن يؤمنوا به بل لو جاء الله والملائكة قبلا فلن يؤمنوا وبالمقابل لو قطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف فلن يتركوهم بل سيزداد إخلاصهم لهم وولاؤهم ويزداد تشرب حبهم في قلوبهم (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) ؟
بطبيعة الحال هؤلاء أصبحوا بلا قلوب واعية وعقول فاهمة بعد أن عميت أبصارهم وصمت آذانهم وأخرست ألسنتهم فهم لا يرجعون (تخيلوا إنسانا أعمى وأصم وأخرس) في ظلمات الليل في منطقة ما هل يمكن له أن يعود إلى منزله مثلا وهو لا يرى طريقه ولا يسمع من يأتي إليه ليهديه ولا يستطيع أن يتكلم ويسمع الآخرين ليدلوه على طريقه فأي تيه سيكون فيه هنا وما الذي يمكن أن يهديه أو يعقلة لذا سيبقى في مكانه حتى يزول من هذه الحياة، فماهي العوامل التي أوصلتهم لهذه الوضعية رغم انهم مازالوا يتنفسون ويفكرون وينظرون بأعينهم ويسمعون الكلام وألسنتهم مازالت تتحرك بالحديث بل يظنون انهم أهدى من الذين آمنوا سبيلا من خلال تلك الحركات التي يظنون انهم بها يعبدون الله حق عبادته؟
السبب الرئيسي لهذه الوضعية هو ابتعادهم عن رسول الله محمد بن عبدالله عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام، كل البعد، محمد الذي جاء في القرآن بصفاته وأخلاقه وجهاده وإنفاقه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومعاداته لليهود والباطل ومناصرته للحق وأهله، محمد الذي يرفض الظلم ويأنف الضيم ويكره الذل ويعشق العزة ويحب الحق والعدل والحرية والكرامة وجاء بهن جميعا، محمد الذي هو على خلق عظيم وعزيز عليه ما عنتنا حريص علينا رؤوف رحيم بنا، ابتعدوا عن هذا النبي الذي جاءت مواصفاته في القرآن الكريم وتكفل الله بحفظ القرآن ليحفظ نبيه ومنزلته ومكانته كي لا يستطيع اليهود تحريفه في القرآن كما حرفوا موسى في التوراة وعيسى في الأنجيل، ابتعدوا عن محمد القرآني وارتبطوا بقدر ذلك الابتعاد بمحمد التراثي الذي جاء لهم عبر ما اسمي (أحاديث وسير وتفاسير) تعارض كل المعارضة ما في القرآن، فارتبطوا بمحمد قليل الحياء الذي كان لا يغطي عورته ولا يستحي من الله ولا من الملائكة ولا من أصحابه إلا من صحابي واحد فقط كان اذا دخل عليه يغطي عورته، ارتبطوا بمحمد التراثي الذي كان يدعو للجبن والبخل (أيكون المؤمن بخيلا وجبانا قال نعم)، ارتبطوا بمحمد الذي تعهد لأصحاب الكبائر بالشفاعة يوم القيامة وعليهم بالجرائم والخبائث دون قلق أو خوف من الله فهو سيشفع لهم، محمد الذي يدعو للزنا والسرقة (من قال لا اله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق رغم انف أبي ذر)، محمد الذي كان يقبل الأغاني والمعازف في بيته، محمد الذي كان يتسابق مع زوجته في شوارع المدينة أمام الجميع دون حياء ؛ محمد الجنسي الشهواني الذي كان وكان وكان، ارتبطوا بمحمد الذي جاء به اليهود في تراث أسموه تراثا إسلاميا وزينوه بمسميات مضللة (احاديث – سيرة – تفسير) فتعطلت عقولهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم منذ تلك اللحظة فتراكم الرجس في قلوبهم حتى تاهوا عن الحق وأعيد صنع نفسياتهم لتكون قابلة للإهانة والذل وكسر الشرف وانتزاع العزة والعبودية المذلة ولا تتأفف أو ترفض ذلك وهذا أسمى ما هدف اليهود للوصول إليه.
إن الهجمات المستعرة المستمرة الدائمة ضد الاحتفاء والاحتفال برسول الله القرآني في ذكرى ميلاده الأغر إنما تأتي نتيجة لأن أسلوب وطريقة احتفالنا لا تنسجم مع أهداف اليهود الصهاينة وتوجهاتهم وتحركاتهم، فهم يدركون خطورة أسلوب اليمنيين في الاحتفال به والذي يجذر النبي القرآني في نفوس الأطفال ويصححه في قلوبنا وعقولنا وصراطنا المستقيم ويحدد لنا قبلتنا الحقيقية لمن نتولاهم من أعلام الهدى والمؤمنين ومن نعاديهم من اليهود والمنافقين، لأن احتفال اليمنيين بالنبي القرآني برفع شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل كمنهجية قرآنية جاء بها النبي، لأن الاحتفال بالنبي القرآني ينتج عنه فتوحات في نفوس الناس تترجم فتوحات في واقع حياتهم ثم فتوحات فيما يغيظ أعداءهم في الأرض والجبهات بكل جوانبها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، وهذا بطبيعة الحال سيغيظ الأعداء وسيولد ممانعة ومعارضة ورفضاً من قبلهم ومن ثم سيجعلهم يحركون أدواتهم النفاقية في الأوطان لإفشال ذلك وهم أصحاب النفوس الرجسة الذين لم يزدهم نور الحق إلا رجسا فوق رجسهم.
ما يجب علينا اليوم هو الانضباط في تسليمنا لحفيد هذا النبي القرآني سيدي ومولاي عبدالملك الحوثي الذي هو امتداد حقيقي وسليم للرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن نوسع مجالات احتفالنا بالمولد بكل مظاهر الاحتفال ومنها تزيين بيوتنا وشوارعنا بـ(رباط الأشرطة الخضراء) التي تساوي (رباط الخيل) لأن ذلك يرهب عدو الله وعدونا المعروفين الظاهرين أو غير المعروفين وغير الظاهرين (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ) فكلما رأوا الزينة تزين المدن والشوارع والمحلات يموتون في غيظهم، والتزود من هذه المحطة بزاد التقوى والتأسي والاقتداء بنبي الرحمة القرآني وان نفض عنا غبار نبيهم التراثي وهذا أقوى وأهم حصن وحماية لقلوبنا من ألا تفقه وأعيننا من ألا تبصر وآذاننا من ألا تسمع فنكون كالأنعام بل أضل منها كما هو حال المرتزقة حاشاكم الله.
كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com

قد يعجبك ايضا