(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) 1439ؤ
عبدالفتاح علي البنوس
( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) اختيرت هذه الآية الكريمة من قبل اللجنة المنظمة لاحتفالات المولد النبوي الشريف لأن تكون شعار المولد للعام 1439م حيث شهدت احتفالات تلكم المناسبة حضورا لافتا وحظيت بتفاعل شعبي واسع ، عكس محبة رسول الله في قلوب اليمنيين الذين تلهج ألسنتهم يوميا بالصلاة والسلام عليه وآله في كل حركاتهم وتفاصيل حياتهم اليومية ، ذكر الله ورسوله يعطر أفواههم وينشر عبقه في الأرجاء ، حاملا نسماته الإيمانية العطرة..
شعار المناسبة أشار إلى جانب من المهام والمسؤوليات التي أوكلها الخالق جل في علاه للرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثلاث مهام ومسؤوليات ووظائف أسندت له في سياق جملة المهام والمسؤوليات والوظائف التي خص الرسول بها ، ( شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) فهو الشاهد على هذه الأمة التي أرسل إليها مبعوثا للناس ورحمة لهم ، فالرسول عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في سبيل الله حق جهاده وقدم للبشرية المنهج القويم ووضعهم في الطريق الصحيح الذي ينجيهم من العذاب الأليم ، وبعد أن أدى ما عليه سيأتي يوم القيامة شاهدا على أمته التي أرسل لهدايتها مصداقا لقوله تعالى ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) فهو الشاهد على أمته التي انحرفت عن المسار الذي رسمه لها ، وخالفت المنهج الذي وضعه لها ، وسقطت في شراك الأعداء وانغمست في مستنقع الملذات والشهوات والمصالح والمكاسب التي أوصلتها إلى هذه الحالة المزرية ، والتي يتسابق فيها العرب على التطبيع مع الكيان الصهيوني وخطب وده ويقدمون له قرابين الولاء والطاعة ، في الوقت الذي يظهرون فيه العداء والكراهية لإخوانهم في العروبة والإسلام ويحيكون ضدهم المؤامرات الواحدة تلو الأخرى..
وهو المبشر بالخير الوفير الذي ينتظر كل من آمن برسالة الإسلام وعلى هديها استقام ، هذا النعيم الدائم غير المنقطع في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدها الله للمتقين من عباده الذين مصداقا لقوله تعالى (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فالرسول الأعظم أرسل مبشرا بالجنة ونعيمها ، بعد أن قدم المنهج الذي يمنح من يسير وفق مضامينه الحصول على هذه الجائزة وهذا التكريم الرباني لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى..
وهو النذير للأمة من المصير المشؤوم الذي ينتظرها في حال كفرها برسالة الإسلام وعدم تطبيقها لأحكامه وامتثالها لأوامره واجتنابها لنواهيه ، وما يترتب على إغراقها في الفسوق والعصيان وعدم الإيمان بما أنزل الله ورسوله ، فهو النذير لهم من نار جهنم وبئس المصير ، والتي تنتظر كل من حاد عن الطريق ، وسار في دروب الضياع ، وعاش حياة الغفلة ، عيشة الأنعام بعيدا عن هدي الله ورسوله ، فأرسله الله محذرا ومنذرا لهم من عواقب الغفلة والعقوق والعصيان ( إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) وقوله تعالى ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى14/92لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى15/92الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)..
بالمختصر المفيد: إنه رسول الرحمة ، أرسله الله رحمة بنا ، ومنقذا لنا من عذاب جهنم ، ومن الخلود فيها ، فكيف لا نحتفل بمولد هذا الرسول الأعظم الذي جاء رحمة من الله لنا ؟! كيف لنا أن لا نوقره ونجله ونعلي من ذكره ونبتهج ونحتفي بمولده ؟! كيف لنا أن لا نستذكر سيرته العطرة ، ونستلهم منها العظات والدروس والعبر ونجند أنفسنا للاقتداء به والسير على خطاه لنحصد القبول بين يدي الله عز وجل ؟! هذا أقل ما يجب علينا كمسلمين القيام به تجاه نبينا الذي أرسله الله شاهدا علينا ومبشرا لنا بالجنة ومحذرا لنا من النار.
حب رسول الله ومكانته في قلوبنا ، مكانة فوق أن تطالها أي شخصية على هذا الكون الفسيح ، ونطمع من حبنا له واحتفالنا بمولده أن يكون شاهدا علينا بالحسنات لا بالسيئات ، وأن نكون من الذين يفاخر بهم يوم القيامة وممن يحظون بمرافقته في الجنة التي جعل منها الله محطة الخلود والحياة الأبدية للمتقين من عباده.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.