الزائر لساحة الاحتفال وهو يقترب من ميدان السبعين يشعر وكأنه على موعد مع طيبة
نشيد وشعر ومديح وبرع وأطفال يحملون أوراقاً زينها اسم رسول الله
اليمنيات يجددن العهد لرسول الله ببناء أجيال ثائرة في وجه الطواغيت
لعل عدسة الكاميرا لم تستطع احتواء مظاهر الفرحة في ساحات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إذ كان عليها- لتستطيع التقاط صورة عامة لأقل من نصف ضيوف رسول الله في ميدان السبعين- أن تحلّق عالياً في السماء، وعلى الرغم من أن الصورة تقول كل شيء، كمثل يردده المحترف، إلا أنها لم تقل – هذه المرة – سوى القليل.
الثورة/ عبدالقادر عثمان
تدفقت الحشود بشكل غير مسبوق من مختلف مديريات محافظة صنعاء في مواكب تشع منها مظاهر الفرح والسرور. أسراب من سيارات الدفع الرباعي تحمل على متنها عشاق رسول الله، وهم يهتفون بالصلاة والسلام عليه وعلى آله.. كانت المشاهد أشبه بمواكب الزفاف، ومكبرات الصوت توزع صداها وأناشيد المديح النبوي في الأرجاء.
حشود هائلة
وسط الميدان كان على غير عادته، فقد وضعت اللجان المنظمة في حسبانها أن يزداد عدد الحضور عن الاحتفالات السابقة، لذا كان عليها أن تمد مربعات التنظيم للحضور من نفق الستين الجنوبي حتى سور مستشفى السبعين للأمومة والطفولة، لكن ذلك لم يكن كافيا لاستيعاب نصف الحاضرين، فقد امتد الحضور من جسر المالية عابراً وسط الميدان باتجاه شارع الشهداء الذي اقترب منه الحشد، بينما احتضنت التفرعات عددا هائلاً من الناس يمتد ازدحامهم من جولة ريماس حتى جسر السائلة، ومن قرب جولة المصباحي إلى المزارع القريبة من جامع الشعب.
في الطريق إلى الميدان كانت النقاط الأمنية تستقبل الضيوف بفرح عارم، يرحبون بهم ويعايدونهم، مع إلقاء نظرة سريعة إلى داخل السيارة، وبدورهم سهّل رجال شرطة المرور حركة السير للقادمين نحو الميدان واستقبلوا ضيوف رسول الله بابتسامات لطيفة.
تفردت صنعاء، ومثلها كافة محافظات اليمن باستقبال المولد النبوي الشريف، حتى أن الزائر لساحة الاحتفال يشعر وهو يقترب من ميدان السبعين وكأنه على موعد مع طيبة، يزداد طمأنينة وفرحاً وهو يرى شوارع صنعاء متزينة في أبهى حللها، والباعة يقفون على الطريق يلوحون بالرايات الخضراء والبيضاء والشيلان والملصقات والإكسسوارات والقبعات المرسوم عليها شعار المولد النبوي، يعرضونها للبيع بأسعار رمزية تعكس بساطتهم وحبهم لرسول الله.
روحانية الميدان
في السبعين تحيط بك الروحانية من كل مكان، صوتيات الميدان تعزف أعذب المديح في سيرة وشخصية وأخلاق سيد المرسلين، أطفال يرسمون على خدودهم اسم محمد – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله – وعلى طول ساحة الاحتشاد تتوزع الأمواج البشرية، كل يعبِّر عن فرحته ومحبته لرسول الله كيفما يشاء، فمجموعة يرقصون البرع هنا، وشاعر يُسمع الناس قصيدته في الرسول الأمين، وأطفال يحملون أوراقاً عليها اسم رسول الله أو مكتوبا بأيديهم، وآخرون يلوحون للكاميرا وبأيديهم بالونات ينتظرون لحظة ظهور قائد الثورة ليطلقوا سراحها في الفضاء.
ضم السبعين الرجال، بينما احتشدت النساء في ملعب الثورة، في ساحة الرجال اصطف طلاب الجامعات ينظمون مربعات الجلوس، ويؤمنون الضيوف من الازدحام، بينما توزعت سيارات الإسعاف على طول الميدان، وجلس المزارع مع المسؤول والدكتور إلى جوار عامل النظافة، والمعلم بقرب الجندي والمسن مع الطفل والشباب يحيي بعضهم بعضاً، وجميعهم يصرخون بشعار البراءة ويرددون: “لبيك يا رسول الله”.
لم تكن حرارة الشمس وأشعتها المباشرة كافية لتؤثر في نفوس الراكبين على سفينة العشق النبوية، كانوا ومعهم عدد من أبناء الجاليات العربية والإسلامية يهتفون بالصلاة والسلام على محمد وآله، ويرددون أنشودة اليمانيين الخالدة “طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع”.
قلب واحد
لا تختلف ساحات الاحتفال بالمولد النبوي الموزعة على 11 محافظة يمنية كثيرا عن ساحة ميدان السبعين، فمظاهر الفرحة التي ارتسمت في وجوه اليمنيين عند استقبال رسول الله مطلع الهجرة النبوية يظل يتوارثها الأجيال الذين ناصروا الرسالة وجاهدوا في سبيل الله حتى اليوم.
ففي ملعب الثورة بصنعاء وتظاهرات خاصة بالمرأة في كافة المحافظات الحرة احتشدت اليمنيات ليعبِّرن عن محبتهن وولائهن لرسول الله وتجديد العهد له بالمضي على درب الأمهات الأوائل في بناء الأجيال الثائرة في وجوه طواغيت الأرض وأعداء الله ورسوله وأعداء القرآن، بناء إيماني من منطلق المحبة والعشق لرسول الله.
ورغم ما تعانيه محافظة الحديدة من جراء استمرار العدوان والحصار، إلا أن أبناء تهامة تغلبوا على ظروفهم واحتفلوا بمولد رسول الله في ساحة كبيرة ضمت حشدا هائلا هو الأكبر في تاريخ المحافظة، على الرغم من نزوح نحو مليون ونصف من أبناء المحافظة إلى مناطق بعيدة.
ومثلهم أبناء تهامة خرج أبناء الحالمة تعز في احتشاد كبير يعبِّرون فيه عن تمسكهم برسول الله ونهجه متغلبين على مآسيهم التي خلفها العدوان ومرتزقته من خلال محاولة تقطيع أوصال المحافظة للنيل من أبنائها، على الرغم من مشاريع التغريب التي استهدفت المحافظة خلال العقود الماضية وتستمر حتى اليوم.
وكعادتها أخرجت محافظة صعدة أبناءها ليجددوا العهد لله ولرسوله بالمضي على النهج الصحيح في محاربة أعداء الله ورسوله ورفضا للإساءة لرسول الله – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله – أو الإساءة للإسلام أيا كان مصدرها، مؤكدين أن حروب الإبادة التي قادتها أمريكا ضدهم وضد اليمنيين اليوم لم تؤثر فيهم إلا بما يزيدهم تمسكا بهويتهم ودينهم.
يمن الأوفياء
أبناء حجة خرجوا من أجل رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله – معبِّرين عن امتنانهم لعظيم النعمة التي وهبها الله للأمة في هدايتهم على يد سيد المرسلين، ومجددين العهد لرسول الله أنهم على خطى الأنصار في مسيرة الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
أما الجوف فاحتفلت بالمولد النبوي لأول مرة منذ بدء العدوان على اليمن، فبعد تحريرها مطلع العام الجاري استطاع أبناؤها الخروج لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، الجوف التي ظلت ترزح أربع سنوات تحت قوى الاحتلال لم تفلح في صرفها عن رسول الله محاضرات الفكر الوهابي التي ترى أن الاحتفال بمولد رسول الله بدعة، فخرج أبناؤها مجددين ولاءهم لرسول الله والسير على نهجه.
الحشود اليمانية الهائلة جاءت لتحتفل بذكرى مولد النور، ذلك النور الذي أخرج الله به الأمة إلى صراط الله السوي، وقد جاءت لتعبِّر عن فرحها بفضل الله وبنعمته في الوقت الذي يسارع فيه أعداؤهم للعودة إلى الظلام وعبادة الأوثان وخدمة اليهودية وأعداء الإسلام.. جاءت الحشود لنصرة رسول الله في الوقت الذي يهرول فيه أعداء اليمن للتطبيع مع أعداء رسول الله .
إن كان ثمة دليل يمكن استنتاجه من مشاهد الخميس الهائلة، فهو أن الإيمان لا يزال يمانيا خالصا لله والحكمة يمانية بتوفيق الله، والمحبة لرسول الله لا تزال منذ بعثة الرسول الكريم يمانية.