الكولونيل جيم جيم جونسون يقود فريقا من المرتزقة لإجهاض الجمهورية في الشمال عام 1955م كان %34 منهم شماليين

في موازاة الحرب المعلنة التي كان يخوضها الاحتلال البريطاني في الجنوب عبر قواته الرسمية بوحداتها المختلفة كانت هناك حرب أخرى غير معلنة .. أحداثها لا تسمع ومظاهرها غير مرئية ولها تنظيماتها وأدواتها وتكتيكاتها الخاصة .

وقد كشفت الكثير من الدراسات والكتابات الغربية خلال السنوات الماضية أجزاء من خفايا تلك الحروب ومنها كتاب بعنوان ” الحرب التي لم تحدث ” وكتاب ” الحرب المتوحشة من أجل السلام ” والعديد من الكتابات في الصحافة الغربية التي دافعت بعضها عن تلك العمليات القذرة تحت ذريعة الشماعة القديمة ـ الجديدة ” مكافحة الإرهاب ” فيما تعاملت بعض تلك الكتابات بحيادية ومهنية تستحق الاحترام .
العمليات السرية البريطانية لم تقتصر على الجنوب فقط فقد كان اليمن ـ شمالا وجنوبا ـ مسرحا لتلك العمليات القذرة منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 التي ألقت بظلالها على مستقبل الاحتلال في عدن وخصوصا بعد خروج البريطانيين من السويس عام 1956 وانتقال المعركة بين عبدالناصر والبريطانيين إلى اليمن .
في 3 أغسطس 2008 نشرت صحيفة الدايلي تليجراف البريطانية مقالا مطولا عن الكولونيل ” جيم جونسون ” الذي توفي قبل أسبوعين من نشر المقال ونظرا لأهمية المعلومات التي وردت في المقال فقد بذلت جهدا شاقا لترجمته ـ بتصرف ـ وإتاحته للنشر تعميما للفائدة ..
الكولونيل ” جيم جونسون ” الذي توفي في 20 يوليو 2008 عن ثمانين عاما كان مسؤولا عن الحرب السرية البريطانية ضد القوات المصرية في اليمن في الستينات . وبسبب خبراته التي اكتسبها تمكن جونسون من تأسيس أول شركة عسكرية خاصة في بريطانيا .
بعد انسحاب الحلفاء من السويس عام 1956 وبعد ست سنوات من سقوط النظام الملكي في اليمن وقيام نظام الجمهورية العربية اليمنية المدعوم من مصر شعر البريطانيون على مصيرهم مستعمراتهم في عدن وعمان .. وانقسم مجلس الوزراء البريطاني حول الموقف من الثورة ” سبتمبر ” في اليمن . وفي حين كان يرى البعض الإعتراف بالنظام الجمهوري في اليمن ـ كما فعلت الولايات المتحدة ـ رأى البعض الآخر دعم أنصار النظام الملكي ـ الذين تراجعوا إلى الجبال ـ وشن حرب عصابات على النظام الجديد .
وقد كان رأي جهاز الإستخبارات البريطاني خليطا بين هذا وذاك . حيث اقترح الكولونيل ” ديفيد ستريلنغ ” وهو مؤسس قوات الخدمات الجوية الخاصة ” sas” أن يتولى الضابط جيم جونسون ” وضع الشيئين معا ” .
تم استدعاء جونسون وقد كان ضابطا متقاعدا من قوات ” sas” وسأل عما إذا كان موافقا على الذهاب إلى اليمن وتدمير طائرات الميج المصرية التي كانت تقصف مواقع الملكيين والقبائل الموالية لها فأبدى جونسون موافقته على ذلك .
في منزل جونسون بحي سلوان ـ جادة تشيلسي ـ في لندن تم تخزين أسلحة ” مجهولة المصدر ” لاستخدامها من قبل مجموعة ” ساس ” وهم من المتقاعدين والإحتياطيين وآخرين انضموا إلى المجموعة للمشاركة في العملية ومن الضباط الذين تم اختيارهم للعملية : العقيد جون وود هاوس وهو شخصية عسكرية مشهورية في قوات ” ساس ” والرائد جون كوبر ـ والأخير يرد في بعض المصادر باعتباره قائد مجموعة ” ساس ” في اليمن ويبدو أن المقال الذي بين أيديناهو الأقرب للحقيقة ـ . كما انضم إلى المجموعة شخص آخر كان يعمل سائقا خاصا للكولونيل ديفيد ستريلنغ ـ صاحب الخطة ـ .
أخذ الكولونيل جيم جونسون إجازة ـ بضمانة ـ من عمله وبدأ في تجنيد عدد من المرتزقة الفرنسيين من بينهم الكولونيل روجر فولكس ـ من قدامى المحاربين ـ وسيئ السمعة ” روبرت دينار ” . وتم إرسال خمسة آلاف جنيه استرليني بشيك موقع من وزير خارجية البدر إلى حساب بنكي خاص بفندق الهايد بارك الذي كان يرأس مجلس إدارته أحد ضباط الخدمات الجوية الخاصة ” ساس ” ويدعى الكولونيل بريان فرانكس .
قبل يوم واحد من مغادرة فريق الاستطلاع الأول بقيادة ” جون كوبر ” إلى اليمن استقال وزير الحرب البريطاني جون بروفمو ” لأنه كذب على مجلس العموم ” كما شعر وزير الخارجية بالإحراج وبدا كما لو أن العملية في اليمن ستتوقف .. ومع ذلك قال جيم جونسون ـ الضابط المكلف بقيادة العملية ـ أن جهاز الاستخبارات البريطانية أعطى الإذن بالتنفيذ . وفي اليوم التالي غادر فريق الاستطلاع لندن بقيادة كوبر في طريقه إلى اليمن .
حلويات ” مرزبان ”
في مطار طرابلس الليبي كان على جونسون الانتقال إلى طائرة أخرى لمواصلة الرحلة إلى اليمن وأثناء الانتقال انكسرت إحدى حقائب جونسون وتدحرجت منها حزمة من المتفجرات البلاستيكية وعندما سأله الموظفون عن المادة المجهولة قال لهم إنها : مرزبان ” والمرزبان هو نوع من الحلويات المصنوعة من اللوز المطحون .. صدق موظفو المطار الكذبة وساعدوه في إعادة لف الحزمات وتغليفها برفق .
وصل جونسون إلى اليمن بجواز سفر كندي باسم ” كوهين ” وجيب مملوء بالجنيهات الذهبية .. وبعد أيام قليلة بدأ في تلقي الدعم الذي كان يلقي إليهم من الجو عبر طائرات مختلفة من ضمنها طائرات إسرائيلية وقد استخدم جونسون خبراته التي اكتسبها خلال “احتلال أوروبا” في تحديد الأماكن المناسبة لإسقاط المواد التي يحتاجون إليها في المعركة .
وخلال الثلاث السنوات التالية شن رجاله هجمات متعددة ضد القوات المصرية وتولت السعودية مسؤلية التمويل تحول القتال إلى حرب استنزاف ووصل الجميع في النهاية إلى طريق مسدود .. حينها كان المصريون قد خسروا عشرة آلاف رجل واعترف ناصر في الأخير أن اليمن كانت بالنسبة له ” كفيتنام ” .
خيارات جونسون
بعد مرور ثلاث سنوات من مهمته كتب جونسون مذكرة للحكومتين ـ البريطانية والسعودية ـ أشار فيها إلى ـ ما اسماه ـ التقصير الواضح من قبل حكومة صاحبة الجلالة تجاه أنشطة “M16″ المخابرات البريطانية ” وعدم الإهتمام المطلق من قبل السعوديين . وطرح جونسون في مذكرته ثلاثة خيارات : الإنسحاب والثاني : إستبدال المقاومة المسلحة بالعمل الإستخباراتي ـ أو ربط الإثنين معا ـ والثالث : تعليق العمليات على أمل أن تستأنف بشكل أفضل في وقت لاحق .
ويبدو واضحا من خيارات جونسون الشعور بعدم الرضا والإخفاق في تحقيق الأهداف الرئيسية بعد سنوات من انطلاق المهمة السرية وفي طليعة تلك الأهداف : إسقاط الجمهورية في الشمال وتخفيف الضغط على قواته في الجنوب التي دخلت في ورطة حقيقية وارتفاع وتيرة المقاومة المسلحة والسلمية بعد قيام ثورة سبتمبر في الشمال .
لم يتطرق المقال إلى مصير المهمة الأولى وهي ” تفجير طائرات الميج المصرية ” وقد وردت في بداية المقال كمهمة أساسية ولكن مصادر أخرى أشارت إلى أن المهمة ألغيت بعد أن تبين لفريق الاستطلاع حجم الحراسة المكثفة حول المطار في صنعاء كما اختزل المقال أطراف الصراع الدائر في شمال اليمن بالمصريين والبريطانيين ويأتي هذا الاختزال كمحاولة لإبعاد المسؤولية السياسية والأخلاقية للتدخل البريطاني الفج في الشؤون اليمنية ومساهمة في إطالة أمد الصراع بين اليمنيين بما في ذلك من ويلات وخسائر في الأرواح والأموال .
جونسون يكشف بقية المستور
وجاء في نهاية المقال : .. وفي وقت لاحق ذكر الكولونيل جيم جونسون أنه دخل في خلاف مع السعوديين بسبب التمويل ومرتبات الأفراد الذين يعملون معه ويروي الكاتب على لسان جونسون : لقد حذرتهم من المماطلة في دفع الأموال وقلت لهم بأن المرتزقة الفرنسيين لديهم خبرة جيدة في تفجير الطائرات الوطنية .. بعد هذا التهديد استجاب السعوديون وحققوا كل مطالبنا .
عاد جيم جونسون ـ واسمه الكامل : هنري جيمس جونسون ـ إلى لندن بجيب ممتلئ يشرب الشمبانيا في فندق الهايد بارك مع “الناجين” من رفاقه في اليمن .. وبعد أشهر من عودته تم تعيينه في” مناطق رمادية بين المقبول سياسيا والمرفوض رسميا ” ليبدأ مع رفاقه مهمات جديدة في أنحاء مختلفة من العالم من الجبل الأخضر في عمان إلى تدريب المجاهدين في أفغانستان .

——–

سكان عـدن

• بحسب التعداد السكاني الذي أجرته سلطات الإحتلال البريطاني عام 1955م كان عدد سكان عدن 138 ألف نسمة موزعون على النحو التالي :
36,910 عدنيين عرب 18.991 من المحميات 48.088 يمنيون ـ من شمال اليمن ـ و15.817 هنود 10.611 صوماليون 3.763 بريطانيون 721 من جنسيات أوروبية أخرى 831 من اليهود بالإضافة إلى 2.608 من جنسيات أخرى بينهم فلسطينيون سوريون لبنانيون وعرب آخرون وأميركيون .
وفي تقديري ان عدد البريطانيين المقدر في الإحصاء بأقل من أربعة آلاف نسمة غير دقيق وربما يكون ذلك بسبب خطأ طباعي في المصدر الإنجليزي الذي اعتمدت عليه فبعد 12 عاما من إجراء الإحصاء كان الإحتلال يتحدث عن إجلاء ما بين 25 إلى 30 ألفا من البريطانين خلال الإنسحاب من عدن . الغريب أنني وجدت العدد نفسه في كتاب تاريخ عدن لمؤلفه حمزة علي لقمان وليس بعد ذلك من تعليق سوى « أهل مكة أدرى بشعابها « .
ووفقا لتعداد 2004م يبلغ سكان عدن حوالي 600 ألف نسمة أي ما يعادل 3% من إجمالي السكان في الجمهورية اليمنية . فيما تقدر مصادر شبه رسمية عدد السكان حاليا بنحو 800 ألف نسمة .

قد يعجبك ايضا