قوات‮ ” ‬الأرجيل‮ ” ‬الأكثر دموية وعنفا بقيادة‮ ” ‬المجنون ماتش‮ ” ‬تتولى مهمة‮ ‬إعادة السيطرة على المدينة


‬حوصرت المدينة من الشمال والغرب وجرى اقتحامها من الشرق والجنوب في‮ ‬خطة من ثلاث مراحل‮

‮> ‬رفضت السلطات البريطانية العليا أن تضع حداٍ‮ ‬فورياٍ‮ ‬لهذا التمرد الذي‮ ‬حدث في‮ ‬معسكر البوليس المسلح وسقوط كريتر في‮ ‬أيدي‮ ‬الثوار‮ ‬‮ ‬فقد كانت تخشى‮ ‬أن تعم الانتفاضة مختلف أرجاء البلاد الأمر الذي‮ ‬قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تعريض المدنيين البريطانيين في‮ ‬المناطق الداخلية إلى كثير من المخاطر‮ . ‬وشْرعت في‮ ‬التفاوض مع جيش الجنوب العربي‮ ‬لمحاولة تهدئة الأمور‮ . ‬وفي‮ ‬نفس الوقت كانت تضع الخطط لإستعادة المدينة من جديد‮ ‬‭, ‬وأوكلت المهمة بشكل رئيسي‮ ‬إلى جنود‮ ” ‬الأرجيل‮ ” ‬وهي‮ ‬قوات بريطانية خاصة أطلق عليها العدنيون‮ ” ‬الشياطين الحمر‮ ” ‬بقيادة الكولونيل‮ ” ‬ماد ماتش‮ ” . ‬وبمساندة من قوات‮ ” ‬السوثر والهاي‮ ‬لاندرز‮ “.‬

كانت خطة‮ ” ‬ماتش‮ ” ‬تقضي‮ ‬بحصار مدينة كريتر من الجهتين الشمالية والغربية ومراقبتها من المواقع المرتفعة في‮ ‬الجبال المحيطة‮ ‬‮ ‬ويتم اقتحامها من الشاطئ الشرقي‮ ‬ـ جهة صيرة ـ بينما تقوم طائرات مروحية بنقل قوات إلى شبه جزيرة رأس مرشق‮ ” ‬معاشيق‮ ” ‬تتولى مهمة اقتحام المدينة‮ ‬من جهة الجنوب الشرقي‮ ‬‮ ‬بينما تقوم بقية الكتيبة بالدخول من البوابة البحرية‮ . ‬وضعت الخطة على ثلاث مراحل‮ ‬يتم في‮ ‬نهايتها‮ ” ‬ردم ثكنات الشرطة العربية‮ ” .‬
وافق قائد جيش الاحتلال الجنرال‮ ” ‬تاور‮” ‬على الخطة‮ ‬‮ ‬وسمح للمقدم ميتشيل بالبدء في‮ ‬إرسال دوريات الاستطلاع إلى كريتر في‮ ‬الليل للحصول على صورة دقيقة لمواقع الإرهابيين وتحركاتهم‮. ‬وقد أرسلت دوريات صغيرة من الـArgylls‭ ‬في‮ ‬الليل إلى أطراف المدينة بدءا من الخامس والعشرين من‮ ‬يونيو‮. ” ‬ولم تواجه هذه الدوريات أية مقاومة‮ “‬وبعد أن تبين أن أغلب‮ ” ‬الإرهابيين‮ ” ‬ينامون في‮ ‬الليل‮ ‬‮ ‬تهيئا ميتشيل لأخذ الـ‮ ‬Argylls‭ ‬إلى داخل المدينة‮ ‬لكنه أمر‮ ” ‬بضبط النفس‮” ‬إذ أن المفاوضات كانت مستمرة مع الأطراف العربية المختلفة‮ .‬
وفي‮ ‬الثاني‮ ‬من‮ ‬يوليو‮ ‬‮ ‬قرر‮ ” ‬ماد ماتش‮ ” ‬‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يشعر بالغبن طوال انتظاره لإشارة البدء‮ ‬‮ ‬أن‮ ‬يستطلع بنفسه حقيقة الأمر في‮ ‬كريتر‮ . ‬ودخل بعربتين لاندروفر مسلحتين بالرشاشات وتقدمتا إلى موقع المحكمة العليا‮ ‬‮ ‬وبحسب ماورد في‮ ‬الكتاب نقلا عن الكولونيل ماتش‮ : ‬تجولت طلائعنا حول المحكمة‮ ‬‮ ‬وتبين لنا وتبين لنا أن طريق المحكمة العليا‮ ‬يقع تحت أنظار العدو وفي‮ – ‬أغلب الأحيان‮ – ‬عرضة لنيرانه‮ ‬لذا كان من الطبيعي‮ ‬تغطية هذا الامتداد من الطريق بناقلة جنود مدرعة وسريعة‮. ‬
وبسرعة ولجنا في‮ ‬منطقة العدو‮ ‬وتجاوزنا مصنع الثلج في‮ ‬اليمين والمدارس في‮ ‬اليسار‮ ‬وتقدمنا تجاه نحو بناية المجلس التشريعي‮ ‬التي‮ ‬أحرقت ودمرت من قبل الغوغائيين العرب‮. ‬وما هي‮ ‬إلا لحظات قليلة حتى عدنا إلى مواقعنا‮ ‬‮ ‬وقد انتابنا شعور بالارتياح‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه شعرنا بشيء من الخيبة لعدم القدرة على التقدم أكثر داخل المدينة‮.. ‬أثناء عودته السريعة‮ ‬يروي‮ ‬ماتش أنه صدم بعربته شاحنة محملة بزجاجات الكوكاكولا ولحقت به رفاقه في‮ ‬العربة الأخرى التي‮ ‬مرت فوق الزجاجات المكسرة‮ .. ‬وهذه السرعة والارتباك‮ ‬تثبت وجود مقاومة محلية‮ ‬يقظة منعتهم من التوغل وأجبرتهم على العودة إلى مواقعهم بعد‮ ” ‬لحظات‮ ” .. ‬وقد تحاشى ماتش أو المؤلف ذكر وجود مقاومة محلية في‮ ‬المدينة‮ .‬
عملية‮ ” ‬قلعة ستريلنج‮ “‬
‮> ‬وفي‮ ‬الثالث من‮ ‬يوليو‮ ‬‮ ‬أعطي‮ ‬الكولونيل‮ ” ‬ماتش‮ ” ‬الإذن بالشروع في‮ ‬عملية‮ ” ‬قلعة ستريلنج‮ ” ‬الاسم الذي‮ ‬أعطي‮ ‬لاستعادة مدينة العملية بدعم من كتبة فرسان الملكة المدرعة وقوات من الفرقة الملكية الستون للنقل والهندسة وعربة إرسال لاسلكي‮ ‬ومروحيات من السرب الملكي‮ ‬السابع والأربعين‮. ‬وفي‮ ‬الساعة الخامسة من مساء الثالث من‮ ‬يوليو‮ ‬1967‮ ‬كانت القوات جاهزة لاقتحام كريتر‮ . ‬
‮ ‬في‮ ‬ساعة الصفر‮ ‬‮ ‬هبطت فرقة من جنود‮ ” ‬الأرجيل والهاي‮ ‬لاندرز‮ ” ‬بالقرب من جزيرة صيرة ـ في‮ ‬رأس مرشق ـ المتاخمة للمدخل الجنوبي‮ ‬للمدينة‮ ‬‮ ‬وذلك من طائرة مروحية تابعة للقوات الجوية الملكية‮. ‬واتخذت الفرقة موقعا لها‮ ‬يتحكم في‮ ‬ذلك المدخل الجنوبي‮. ‬وفي‮ ‬الساعة الـسادسة مساء كان الجزء الرئيسي‮ ‬من الكتيبة‮ ‬يتحرك تجاه الجزء الشرقي‮ ‬من المدينة والتحم بالفرقة المنقولة جوا قريبا من المدخل الجنوبي‮. ‬وفي‮ ‬مقدمة الكتيبة كان الضابط العازف كينيث روبسون‮ ‬يؤدي‮ ‬مقطع‮ ‬Monymush‭” ” ‬وهي‮ ‬طقوس حربية لقوات الأرجيل‮ ‬تبعث الحماس في‮ ‬الجنود‮ .‬
بعد لحظات قليلة من تقدم الكتيبة باتجاه المدينة وقع الجنود تحت نار الرشاشات من جهة المدينة‮ . ‬فألقوا بأنفسهم أرضا ما عدا الضابط روبسون الذي‮ ‬واصل العزف‮. ‬ورد‮ ‬الـ‮ ‬Argylls‭ ‬على إطلاق النار الذي‮ ‬توقف في‮ ‬الحال‮ . ‬إلا أن قناصا ظل‮ ‬يواصل الطلقات باتجاه جنودنا‮ . ‬وقد استخدمت عربة‮ “‬صلاح الدين المدرعة الأولى ستة صناديق من ذخيرة‮ ” ‬إم كي‮ ‬30‮ ” ‬للقضاء على المتمردين الذين كانوا‮ ‬يطلقون النار من بنايات المدرسة عبر الخليج‮ . ‬وبعد ذلك قادت الهجوم الفرقة الثانية من الكتببة‮ ‬B‭ ‬التي‮ ‬وصلت من رأس مرشق‮ ‬وذلك بعد أن اعترضت طريقها مجموعة صغيرة من العرب بالقرب من سينما بلقيس الواقعة في‮ ‬أطراف المدينة‮ . ‬وكان هؤلاء العرب قد أمروا بالتوقف‮ . ‬وواحد فقط منهم بدأ‮ ‬يركض فأرداه جنود الـ‮ ‬Argylls‭. ‬قتيلا‮ . “‬وكان هو الرجل الوحيد الذي‮ ‬قتل في‮ ‬تلك الليلة‮” .‬
وعند بزوغ‮ ‬فجر اليوم الرابع من‮ ‬يوليو‮ ‬1967‮ ‬استيقظ سكان مدينة كريتر على أصوات‮”‬Long Reveille‭” ‬و‮ ” ‬Hey Johnnie Cope‭ ” ‬وأمر‮ ” ‬ماتش‮ ” ‬أن تعزف المزامير والطبول فوق سطح إدارة التربية والتعليم‮ . ‬وهكذا أخبر عازفو الطبول والمزامير سكان المدينة أن‮ ‬البريطانيين قد عادوا‮. ‬وبعث حرس فرسان الملكة رسالة إلى جنود الـ‮ ‬Northumberland‭ ‬ـ‮ ‬يقصد الذين قتلوا في‮ ‬العشرين من‮ ‬يونيو ـ تؤكد أن رايتهم ترفرف من جديد فوق كريتر‮ . ‬وبهذا تم تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من العملية دون أي‮ ‬مواجهات كبيرة‮ ‬وأبرق ميتشيل إلى مقر القيادة العامة للحصول على الترخيص بالدخول في‮ ‬المرحلة الثالثة‮. ‬وأعطي‮ ‬له الترخيص‮. ‬وأصبح في‮ ‬وسع جنود الـ‮ ‬Argylls‭ ‬أن‮ ‬يتقدموا الآن لمواجهة الشرطة العربية المسلحة في‮ ‬ثكناتها التي‮ ‬كانت مسرح الكمين الذي‮ ‬قتل فيه البريطانيون في‮ ‬العشرين من‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮.‬
وفي‮ ‬وقت مبكر من صباح اليوم التالي‮ ‬اجتمع‮ “‬ماتش‮ ” ‬بإبراهيم ـ مدير الشرطة العربية المسلحة في‮ ‬مبنى‮ “‬الشارترد بنك‮” ‬الذي‮ ‬أصبح مقر لقيادة العامة للعملية‮ . ‬وأخبر إبراهيم‮ ” ‬ماتش‮ ” ‬أن‮ ‬رجاله خائفون جدا مما قد‮ ‬يصيبهم بعد أحداث العشرين من‮ ‬يونيو‮ . ‬وقد رد ماتش على إبراهيم بأن‮ ‬الـ‮ ‬Argylls‭ ‬لم‮ ‬يأتوا للانتقام‮. ‬وطالما أن المدير سيأمر رجاله بأن‮ ‬يسلموا أسلحتهم ويسلموا المتمردين لكي‮ ‬تقول العدالة كلمتها في‮ ‬حقهم‮ ‬‮ ‬لن‮ ‬يكون هناك قتال‮. ‬
لكن‮ ‬من الناحية الأخرى‮ ‬‮ ‬قام أفراد الشرطة العربية المسلحة بإطلاق النار على البريطانيين حينما تقدموا نحو ثكنات الشرطة‮. ‬فأخبر ماتش إبراهيم أن‮ ‬الـ‮ ‬Argylls‭ ” ‬سيزيلوا الشرطة من الوجود‮” ‬ولم‮ ‬يترك هذا الخبر أي‮ ‬شك في‮ ‬ذهن إبراهيم بالنسبة للقوة التي‮ ‬تسيطر على الأمور في‮ ‬ذلك الوقت‮ .‬
ودخلت المرحلة الثالثة من العملية طور التنفيذ بقيادة اللواء العقيد بيتر داونورد من الكتيبة الأولى التابعة لفوج‮ ” ‬لانكشاير‮ ” ‬وقد تقدم هو وفرقته في‮ ‬عربات مدرعة‮ “‬batman riding shotgun‭” ‬عبر طريق الملكة أروى‮ . ‬وأبرق إلى الكولونيل ماتش‮ ‬يخبره أن‮ ‬يتقدم هو أيضا بكتيبته فوق الطريق نفسه‮. ‬وبهذا استطاع جنود الـ‮ ‬Argylls‭ ‬أن‮ ‬ينفذوا تقدمهم النهائي‮ ‬بشكل استعراضي‮ ‬وفي‮ ‬الجزء الرئيس من المدينة‮. ‬ومرة أخرى لم‮ ‬يحدث هناك أي‮ ‬إطلاق للنار‮ . ‬وجرت المفاوضات مع الشرطة العربية لاستعادة جثث الجنود البريطانيين القتلى التي‮ ‬كانت قد شوهت خلال الأيام القليلة الماضية‮. ‬ونصب جنود الـ‮ ‬Argylls‭ ‬أنفسهم القوة المسلحة الجديدة المسيطرة داخل المدينة‮. ‬وعلى الرغم من أن جنود الـ‮ ‬Argylls‭ ‬كانوا قد حظوا بالدعم الكبير في‮ ‬أثناء استعادتهم لكريتر فالصحافة لم تكف عن تسليط أضوائها الصاخبة عليهم ولاسيما على قائدهم‮ “‬ماتش المجنون‮”. ‬والآن وبعد أن عاد البريطانيون إلى كريتر‮ ‬ينبغي‮ ‬عليهم ألا‮ ‬يكفوا عن مراقبتها‮. ‬صحيح أنه قد تم التوصل إلى هدنة صعبة مع شرطة عدن لكن العلاقات لا تزال مضطربة‮. ‬ولا تزال كذلك القوات البريطانية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يفهم أفرادها لماذا لم‮ ‬يتم القبض على عناصر الشرطة لتمردهم‮ ‬تسير الدوريات في‮ ‬شوارع عدن‮. ‬كما أنها في‮ ‬حالة تأهب تام لدرء أية حركة‮ ‬غادرة‮ ‬يمكن أن تقوم بها الشرطة العربية‮.‬

———-

معسكر عشرين

❞ قرأت كثيراٍ عن معسكر 20 يونيو في عدن وشعرت برغبة كبيرة في زيارته وفي ميدان كريتر سألت عن العنوان فقالوا هو قريب لا تحتاج إلى تاكسي أمشي على طول لف يمين با تشوفه قدامك.. مشيت بحسب التعليمات فإذا بي أمام «معسكر 22 مايو» احترت في المكان! هل أخطأت الطريق ووصلت إلى معسكر آخر¿!
اقتربت من حراس البوابة «المتواضعة» وسألتهم: أين معسكر 20 يونيو¿ قالوا: تقصد معسكر عشرين هذا هو.. قلت: ولكن اللوحة 22 مايو! قالوا: عادها با تتغير بلوحة أخرى باسم معسكر قوات الأمن الخاصة «الأمن المركزي».
استجبت لرغبة الحراس في عدم تصوير البوابة المتواضعة واللوحة الباهتة ومضيت في طريقي وأنا آتساءل: 22 مايو ذكرى عزيزة وتاريخ مجيد ولكن لماذا تجب الثورات والأحداث الوطنية في بلادنا ما قبلها ولماذا تغيب ذكرى 20 يونيو عن تاريخ المدينة وذاكرة الأجيال¿!

——-

البنك الأهلي
»شارترد بانك«

❞ عند مدخل مدينة كريتر يقف مبنى شامخ من أربعة طوابق كان يعرف قبل الاستقلال باسم «شارترد بانك» وهو أول بنك يفتح في عدن المبنى المعروف حالياٍ بالبنك الأهلي اليمني لا يزال محافظاٍ على هيئته المعمارية.
الموقع الاستراتجي للمبنى عند مدخل كريتر في بداية طريق الملكة أروى يجعله بمثابة حصن عسكري للتحكم في مداخل كريتر من جهتي الشرق والشمال والسيطرة على الطريق الرئيسي الذي يربط كريتر بالمعلا والتواهي في الغرب وخور مكسر والشيخ عثمان في الشمال ولذلك اتخذت قوات الاحتلال من المبنى مقراٍ لإدارة عملية إعادة احتلال كريتر وأطلق على المبنى «قلعة ستيرلنغ».. وهي قلعة اسكتلندية شهيرة لعبت أدواراٍ هامة في تاريخ الحروب والعسكرية البريطانية.
خلال فترة العملية «قلعة ستيرلنغ» التي بدأت في الثالث من يوليو 1967م بعد أسبوعين من سقوط كريتر بأيدي الثوار كان المبنى أشبه بقلعة حصينة حيث تم تكثيف الحراسة حوله وأحيط بجدران عالية من المتاريس وأكياس الرمل حتى أن الجنود البريطانيين أنفسهم كانوا يسمون المبنى «ساندبانك» بنك الرمل..
صباح الثالث من يوليو استيقظ سكان كريتر على أصوات موسيقى فرقة الأرجيل الذين كانوا ينفخون مزاميرهم من على سطح البنك لبعث الحماس في نفوس الجنود وإعلام السكان ببدء مرحلة جديدة من القوة والعنف وتثبيط عزيمة الثوار.

قد يعجبك ايضا