إذا علمنا أن كل زوج من القناصة أطلق 4700 طلقة وأن عدد أزواج القناصة 50 زوجا فكم هو العدد الإجمالي للضحايا في المدينة إذا كانت نسبة النجاح في التسديد تساوي 98 ٪ ¿
بالإضافة إلى القناصة كانت هناك وحدات بريطانية خاصة للقتل بالسكين وكانت سبابة كل قتيل تقطع للتعرف على هويته
> لم يشغل مؤلف الكتاب باله في حساب عدد الضحايا الذين سقطوا بنيران رفاقه في جيش الإحتلال أثناء محاصرة كريتر أكثر من اسبوعين بعد سقوطها بأيدي الثوار في 20 يونيو 1967 واكتفى المؤلف بتقديم المعطيات وترك لنا مهمة الحساب .. مسألة المؤلف والمحارب « ريجنال لينجهام « تبدو لنا وكأنها « من خارج المنهج « الذي قرأناه .. فلماذا تجاهل المؤلفون والكتاب اليمنيين مثل هذه المسائل والأمثلة في مناهجهم ¿ ولماذا تركت هذه المسألة بلا حل على مدى 47 عاما ¿.
في الفصل الثاني من كتابه « حروب أحد العسكر « دون المؤلف « ريجنال لينجهام « تفاصيل دقيقة حول إنتفاضة 20 يونيو 67م في عدن نظرا لقربه من تلك الأحداث ـ ليس كشاهد على تلك المعارك فحسب بل باعتباره أحد جنودها كما يظهر من عنوان الكتاب ـ . وعلى طريقة « المواقع الإباحية « بدأت صفحات الفصل الثاني الذي حمل عنوان : التمرد بتحذيرللقراء الذين قد يجد بعضهم فقرات صادمة في الصفحات التالية .
وفي البداية جدد المؤلف تأكيده بأن سنة 1967م كانت سنة سوداء جدا للجيش البريطاني في عدن من حيث حجم الخسائر التي تكبدها في صفوفه ..وبحسب المؤلف : جرى التمرد الأول في صباح العشرين من يونيو عام 1967م في المقر السابق للحرس الوطني الاتحادي الذي تحول إلى مركز تدريب لشرطة الجنوب العربي بعد سماع أخبار عن مهاجمة القوات البريطانية لجيش الاتحاد في معسكر « ليك « .
نصبت الشرطة المحلية الكمائن وقتلت ثمانية أفراد وجرحت ثمانية آخرين من 60 عنصرا يشكلون سرب القوات الملكية للنقل .
وفي وقت لاحق أوقع «هؤلاء المتمردون « إصابات أخرى بين القوات البريطانية في مكان قريب من معسكر ردفان ـ شرق الشيخ عثمان ـ وكذلك بين صفوف القوات التي أرسلت للإغاثة وبينما كانت عربتان لا ندروفر بريطانيتان تمران بالقرب من ثكنات الشرطة العربية المسلحة في مدينة كريتر على طريق الملكة أروى فتحت الشرطة النيران من طقم رشاش آلي وقتلت الجنود البريطانيين ـ ثلاثة منهم من قوات « الأرجيل « التي كان مقررا لها أن تحل محل قوات « نورثمبر لاند « في المدينة .
وكان جنود الـ «Argylls» قد بدأوا في تلك السنة أداء خدمتهم في الخارج ولم يكن متوقعا أن يصادفوا فترة أسوأ من تلك السنة كان عليهم أن يحلوا في مكان جنود الـ «Northumberland» في مدينة كريتر بمستعمرة عدن .
وقبل خمسة أيام فقط من موعد أستبدال القوات تكبدت القوات البريطانية أكبر خسائرها في عدن إذ قـْتل 22 رجلا و جـْرح 31 رجلا آخر في سلسلة من الكمائن وعمليات التمرد .
بعد ذلك أرسلت دورية أخرى من أربعة رجال للتحري حول ما حدث لكن هؤلاء الرجال لم يعودوا ولم يرهم أبدا أحد مرة أخرى وجرت ثلاث محاولات لإنقاذهم لكن الدوريات اضطرت للعودة بفعل النيران الكثيفة التي تصدت لها وأسقطت كذلك طائرة مروحية «سيوكس» وجرح كل من فيها ولذلك سحبت عناصر القوات البريطانية كلها من مدينة كريتر والمناطق المتاخمة لها بحلول المساء .
وها قد حان وقت دفع الثمن
وفي مساء اليوم نفسه أعطتنا دوريات مكونة من جنود جيش الاتحاد العربي « أمثلة مخزية لما يمكن أن يقوم به هؤلاء العرب المحليون اللقطاء « .
كما قامت الشرطة العربية المسلحة بتوزيع البنادق والأسلحة على كل من جاء إليها وعلى أعضاء الجبهة القومية وجبهة التحرير. وبات السجناء الذين تم الإفراج عنهم أصبحوا يحملون السلاح أيضا. وجرت محاكمات وهمية وهزلية وغبية للجنود البريطانيين الموتى في وسط ابتهاج عظيم . وتم تشويه الجثث وشنقها وحرقها بشكل طقوسي وسمر بعضها في الأبواب .
لقد كان الوقت قد حان للقيام بعمل واسع وحاسم. وهو ما حدث. لكن ليس وفقا لأوامر القيادة البريطانية العليا التي كانت سعيدة جدا بمجرد تطويق المدينة واحتواء الغوغاء. فقد نفذت عمليات عسكرية سرية وفردية جعلت العرب يدفعون عشرة أضعاف ما اقترفوه ذلك الصباح وذلك المساء. وتم كذلك ردم الطريق تمهيدا لعودة القوات البريطانية إلى مدينة كريتر بنجاح وبمرافقة موسيقي الزحف الرائعة الخاصة بقوات « الأرجيل « .
لقد قام قناصون بريطانيون بمحاصرة « فوهة البركان» من كل الجهات المحيطة بالمدينة ولم يتردد أولئك الرجال ـ الذين تم اختيارهم من مختلف الكتائب ـ في إطلاق النار على أي شيء يتحرك فوق السطوح المتحدث الرسمي يقول إنهم أمروا بإطلاق النار فقط في حالة مشاهدة شخص مسلح وتبين الأرقام الرسمية أنه قد تم قتل عشرة إرهابيين مسلحين بـبنادق هجومية من نوع « آ كي 47 « والحقيقة أن ذلك مجرد « كوم من التخبط الرسمي «
فقد ظل القناصون مرابطين جنبا إلى جنب فوق البركان ببنادق « 303 « والمناظير المقربة والخرائط التفصيلة والصور الجوية للمدينة . وخلال الأيام الخمسة التالية كان هنالك ما يشبه مباراة في الرماية بعيدة المدى .
وحين يرى أي منهما ـ يقصد زوج القناصة ـ شيئا ما مريب يتحرك يتم إرسال إشارة للتأكد ويتم رمي الهدف حالما يصل الرد . وكانا يتكلمان دائما ويراقبان آثار ضرباتهما ويحصيان عدد خراطيش الطلقات. كما أنهما يطلقان النار على أي هدف يبرز أمامهما. وعند حلول الظلام تحت السماء العربية المضاءة بالنجوم مكنتهما أجهزة الرؤية الليلية من الإستمرار في مراقبة « العدو « وضربه ليلا .
وعند الغروب كان يتم تزويد مجموعات القناصة بفطائر وشوربة وقهوة وحبوب منشطة وأقراص أدرينالين لإبقائهم مستيقظين .
أطلق كل زوج من القناصة ما مجموعه 4.700 رصاصة .. فإذا علمنا أن نسبة نجاح رميهما هي 98٪. وبإمكان القارئ أن يجمع الإجمالي ويضربه في ما لا يقل عن خمسين زوجا من القناصة وبذلك يستطيع أن يعرف أن كثيرا من العرب قد ماتوا بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبوها تجاه رجالنا .
وبالإضافة إلى عمل القناصة كانت هناك وحدات من «SAS » وأخرى من « SOG « تقوم بعمليات في جحور المدينة أثناء الليل وقد قبضت على كثير من « الإرهابيين « المعروفين الذين كانوا أذكى من أن يعرضوا أنفسهم لرصاصات القناصة. وكانت مهمة هؤلاء الاختصاصيين تكمن في «القتل بالسكين». وكانت سبابة كل قتيل تقطع للتعرف على هويته لأن معظم « الإرهابيين « المعروفين لهم سجل بصمات بما أنهم قد عملوا لبريطانيا وصدرت لهم بطاقات هوية.
لقد مات كثير من العرب بهذه الطريقة لأنهم كانوا معروفين وتم « استهدافهم « بتعمد .. وفي ليلة واحدة عاد أحد رجال العمليات وهو يحمل بين ساقيه تحت « فوطته العربية « كيسا فيه نحو 40 اصبعاٍ ووضعه فوق منضدة ضباط المخابرات وقال بشكل هادئ: «ها أنت ميت اكسب مالك القذر ! يا ترى من هذا الذي قتلت ¿.. لقد تقيأ العشرة فوق مختلف أجزاء جسمه : في قميصه المنشى وحزام «سام براون « اللامع جدا .. هكذا هي الحياة .!
ويكشف المؤلف عن مدى غطرسة الإحتلال واستهتار عناصر الأمنية بأرواح الآخرين فيقول : وهناك طريقة أسهل لـ «استهداف» المشتبه بهم وتكمن في التخمين: بطريقة سير العربي في الجبل فإن كان منحني الرأس فذلك احتراما لله أما إذا كان أمامك عربياٍ يصعد التل راكضا فهو يهرب إثر ارتكابه لجريمة ما في أحد الشوارع الرئيسية. وإذا تم القبض عليه وهو يركض في الجبل فالأمر الذي ينبغي عليك تنفيذه هو :»NECK› HIM »
حي الكوتش
تم إطلاق نيران كثيفة بواسطة الرشاشات الأوتوماتيكية « GPM » على مناطق الأكواخ المعروفة بـ « الكوتش «والواقعة خلف المدينة والتي أشارت المخابرات أنها تأوي مقر قيادة الجماعات الإرهابية أو نقاط تجمعها . وتم إزالتها تماما. وهذا يعني بالطبع أن أي شخص كان في تلك المنطقة قد ذهب إلى الجحيم . باختصار شديد لقد كلفت عملية دفع الثمن العرب خسائر فادحة أني أعرف ذلك فقد استوجبت بضعة نماذج منهم تم أسرها لاحقا.. وقالوا إنهم عاشوا في رعب خلال تلك الأيام ولم يعتقدوا أبداٍ أننا سنقدم على ما قمنا به لأننا كنا لطيفين جدا بهم قبل ذلك بفضل السياسة البريطانية التي – طبقا لما تم عرضه حول فشلنا في الهجوم على السويس- كانت تهتم بالرأي العام عند قيامها بأي عمل عسكري.
لقد أخبرهم بذلك جمال عبد الناصر في الإذاعة . بعضهم قالوا إنهم قد لقنوا القصص نفسها حينما تدربوا على الإرهاب في مصر والصين وروسيا.
وفي محاولة من المؤلف أو المحارب السابق لإبعاد حكومة بلاده عن مسؤوليتها في جرائم الحرب التي أرتكبت في عدن يقول المؤلف : لو أن سياسيينا يستطيعون أن يبعدوا أنوفهم الدامية عن ما يجري حينما يكون قرار استخدام القوة العسكرية قد اتخذ ويتركون الأجهزة المختصة تنفذ عملها ستحظى أمتنا باحترام وسمعة أفضل في مختلف أنحاء العالم .. وفي هذا السياق تتماهي الكثير من الكتابات التي نشرت في وسائل إعلام الإحتلال إذ تعتبر أن الكولونيل « ماد ماتش « الذي تولى مهمة إعادة إحتلال كريتر كان لا يمتثل لآوامر القائد العسكري للاحتلال العقيد تاور ويعمل خلافا حتى لتوجيهات المندوب السامي .. !
—————
الشيخ عثمان والشيخ الدويل
❞ في بداية القرن السابع عشر كانت الشيخ عثمان عبارة عن مزار ديني لأحد رجال الدين الذي دفن فيها وسميت المدينة باسمه ويؤكد ذلك المؤرخ حمزة لقمان أن مدينة الشيخ عثمان كان اسمها « الشيخ الدويل « ويرجع هذه التسمية إلى الولي الشيخ عثمان بن محمد الوكحى الزبيري في بقعة مواجهة للقرية وعندما اشترى الإنجليز من سلطان لحج عام 1882م الأرض الممتدة من خور مكسر إلى وراء ما كان يعرف « بستان الكمسري « حديقة الشيخ عثمان حالياٍ « .
وقد أسسوا البدايات الأولى للمدينة لاستيعاب الزيادة في عدد السكان ويعود تخطيط المدينة وبناؤها في الشكل الذي عليه الآن بعد ذلك التاريخ أما مدينة الشيخ عثمان الأصلية فهي قرية الدويل « الشيخ الدويل « التي كان يقع بجانبها قبر الولي الذي سميت باسمه . وذكر الرحالة الإنجليزي هنري سلت الذي مر بالمنطقة عام 1809م ـ في طريقه إلى لحج ـ أن القرية وقبة الولي كانت ضمن غابة كثيفة من الأشجار تمتد عشرات الكيلومترات وكانت تشكل مرعىٍ رئيسياٍ للأغنام والجمال . وفي عام 1920م تأسست في المدينة مصانع الملابس القطنية وازدهرت صناعة البرود اليمنية الشهيرة . ويعد مسجد النور الذي بني عام 1958م أهم معالم المدينة يشار إلى أن الشيخ عثمان كانت معقلا رئيسيا لعناصر الجبهة القومية خلال فترة الستينات التي بلغت فيه أعمال المقاومة ضد الإحتلال ذروتها .. بينما كانت كريتر معقلاٍ لجبهة التحرير قبل أن تنافسها « القومية « في المدينة خلال عامي 66 ـ 1967 م . ويعد الشهيد محمد مهيوب غالب « عبود « أبرز الشهداء الذين سقطوا في الشيخ عثمان خلال مواجهات مع قوات الإحتلال .
————
كريتر .. من هنا كانت البداية
❞ تتآلف محافظة عدن من ثمان مديريات إحداهن كريتر أو « صيرة « كما هو في التقسيم الإداري الحالي مع أن العدنيين يسمونها كريتر أوعدن أما اسم صيرة فيطلقونه فقط على أحد الأحياء الشرقية من المدينة والمقابل لقلعة صيرة . وتعد كريتر بمثابة المفصل الذي تلتقي عنده مديريات عدن كما تعتبر القلب التجاري لمدينة عدن إذ تشهد أسواقها وشوارعها حركة تجارية نشطة وتعج بالحركة ليل نهار.
يطلق اسم عدن على أقدم الأماكن المأهولة في المحافظة التي أخذت منها اسمها قبل أن يسميها الإنجليز كريتر « فوهة البركان « . تزخر مدينة كريتر بالعديد من المواقع الطبيعية والتاريخية أهمها : صهاريج الطويلة وقلعة صيرة ومنارة عدن ومسجدي الإمام العيدروس والصحابي أبان ومعبد زرادشتي والكنائس القديمة وبيت الشاعر الفرنسي رامبو كما أن المقاهي الشعبية في أحياء عدن القديمة تعد مقصدا رئيسيا لزوار المدينة .
شوارع المدينة مستقيمة متوازية ومتعامدة وتعد بين أقدم المدن العربية والإسلامية التي عرفت أحياؤها التخطيط الحضري الحديث إذ يرجع تخطيط المدينة إلى عام 1854 م . تبلغ مساحة كريتر نحو 13 كيلومترا مربعا ويسكنها 77 ألف نسمة ـ بحسب تعداد 2004 ـ وهو أقل من العدد الذي كانت تتداوله وسائل الإعلام أثناء الإنتفاضة الشهيرة التي شهدتها المدينة في يونيو عام 1967ك حيث كانت التقديرات آنذاك تشير إلى 80 ألف نسمة ـ في كريتر وحدها ـ .
لقد شهدت عدن بعد الإستقلال حالات نزوح للكثير من السكان وخاصة من السكان غير اليمنين كالهنود والفرس والأفارقة وغيرها من القوميات ولكن هل يكفي هذا السبب لتبرير الفرق في عدد سكان المدينة في العهدين رغم الفارق الزمني الهائل والذي يصل إلى خمسين عاما . ¿!
في ستينيات القرن الماضي كانت كريتر معقلا لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل والمشهورة باسم جبهة التحرير »FLOSY « بينما كانت الشيخ عثمان معقلا للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل المعروفة إختصار بالجبهة القومية »NLF» قبل أن تبدأ الأخيرة بالتوسع وزرع خلاياها في مدينة كريتر خلال العامين التي سبقت الإستقلال .