الشرطة الوطنية فتحت مخازن السلاح ووزعته على فدائيي »القومية والتحرير« والتحم الجميع في معركة كريتر



البوليس المسلح والجيش الفيدرالي كان لهما الدور الأساسي في انتفاضة 20 يونيو

‮> ‬عام‮ ‬1967‮ ‬‮ ‬تزايدت حدة المواجهات بين ثوار الجبهتين‮ « ‬القومية والتحرير‮ « ‬من طرف‮ ‬‮ ‬وقوات الاحتلال البريطاني‮ ‬‮ ‬وقد أخفقت كل وسائل الإحتلال واجرآءاته القمعية في‮ ‬كبح جماح إرادة الثوار في‮ ‬التحرير والاستقلال‮ . ‬

وقد كان من بين تلك الإجراءات‮ : ‬مضاعفة أعداد قواته في‮ ‬عدن‮ ‬‮ ‬وتوحيد أجهزة المخابرات بعد أن نجح الثور في‮ ‬إضعاف فاعلية تلك الأجهزة من خلال استهداف ضباط وعملاء المخابرات‮ . ‬كما عملت سلطات الإحتلال على تقسيم عدن إلى أربعة محاور عسكرية هي‮ : ‬المنطقة الغربية ـ التواهي‮ ‬والقلوعة ـ‮ ‬والمنطقة الوسطى ـ المعلا ـ‮ ‬والمنطقة الشرقية ـ كريتر وخورمكسرـ ثم المنطقة الشمالية التي‮ ‬ضمت الشيخ عثمان والمنصورة‮ ‬‮ ‬وتم توزيع القوات البريطانية في‮ ‬عدن‮ ‬وفقا لذلك التقسيم‮ .‬
وقد كان لبعض الإجراءات أثرا عكسيا على الإحتلال الذي‮ ‬تولت قواته مهمات الأمن الداخلي‮ ‬بدلا من‮ « ‬البوليس المدني‮ ‬الإتحادي‮ « ‬‮ ‬وقد كان دافعهم لذلك شكوكهم المتزايدة في‮ ‬ولاء بوليس المستعمرة لهم‮ ‬‮ ‬خاصة بعد القبض على احد مفتشي‮ ‬البوليس بتهمة الانضمام للثورة‮ . ‬كما عمل الإعلان البريطاني‮ ‬في‮ « ‬ورقة الدفاع البيضاء‮ « ‬في‮ ‬22‮ ‬فبراير‮ ‬1966م بانها ستنسحب من الجنوب عام‮ ‬1968م على رفع حماس الثوار وارتفاع وتيرة العمليات العسكرية والفدائية ضد قوات الاحتلال‮.‬
وبحسب التقارير البريطانية‮ ‬‮ ‬شهدت عدن وحدها‮ ‬480‮ ‬عملية فدائية ضد أهداف ومصالح بريطانية خلال عام‮ ‬1966م‮ .‬
وابتداء من شهر مايو‮ ‬1967م بدأت القوات البريطانية في‮ ‬إجلاء المدنيين والاسر البريطانية‮ ‬كما بدأت عبر ميناء عدن ترحيل أجزاء من مكونات القاعدة البريطانية ومستودعاتها تمهيداٍ‮ ‬للانسحاب الكامل والمقرر في‮ ‬عام‮ ‬1968م‮. ‬
وتم في‮ ‬نفس الفترة تعيين مندوب سامي‮ ‬جديد‮ ‬‮ ‬حيث تم إستبدال‮ « ‬ريتشارد ترينبول‮ « ‬بأخر هو السير‮ «‬همفري‮ ‬تريفليان‮ « ‬الذي‮ ‬حددت له مهمة ترتيب إنسحاب بريطانيا من دون‮ « ‬كارثة‮ « .‬
ومع ولوج العام‮ ‬67‮ ‬‮ ‬كانت قبضات السلاطين في‮ ‬ولاياتهم تضعف أكثر فأكثر‮ ‬‮ ‬وكانت شعبيتهم تتآكل لصالح الثوار والإستقلال ووحدة الجنوب اليمني‮ ‬كمقدمة للوحدة اليمنية الشاملة‮ .. ‬أصبح الاتحاد بلا قوة فعلية‮ ‬‮ ‬وانقسمت عناصر الجيش والأمن التابعة للاتحاد بين ولاءاتها القبلية وولاء قطاع كبير منهما للثورة بعد إنخراط عدد متزايد من جنود وضباط الجيش والبوليس في‮ ‬العمليات الفدائية ضد القوات البريطانية وتهريب الأسلحة للفدائيين‮ .‬
لذلك عملت سلطات الإحتلال على إعادة ترتيب أوضاع الجيش الاتحادي‮ ‬كي‮ ‬يصبح قادراٍ‮ ‬على‮ « ‬تسلم زمام ألامور‮ « ‬بعد الانسحاب البريطاني‮ ‬المقرر عام‮ ‬1968م وفي‮ ‬الأول من‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮ ‬‮ ‬صدر قرار السلطات البريطانية بإنشاء‮ « ‬جيش الجنوب العربي‮ « ‬من خلال توحيد خمس كتائب من جيش الاتحاد النظامي‮ ‬وأربع كتائب من الحرس الاتحادي‮ ‬‮ ‬وأوكلت مهمة الإشراف إلى‮ ‬الى الضابط البريطاني‮ « ‬داي‮ « ‬وعين العميد ناصر بن بريك العولقي‮ ‬قائدا للجيش‮ ‬‮ ‬بينما توزعت المناصب الرئيسية الأخرى بصورة لم تقنع ضباط الجيش الجديد‮ ‬‮ ‬فكان ذلك بمثابة إضافة جديدة للتوتر الحاصل في‮ ‬الجنوب بأسره بصورة عامة وفي‮ ‬صفوف الجيش بصورة خاصة‮ . ‬
وعلى إثر ذلك‮ ‬‮ ‬تقدم عدد من كبار ضباط الجيش بمذكرة الى المجلس الأعلى لحكومة ألاتحاد والمندوب السامي‮ ‬البريطاني‮ ‬عبروا فيها عن عدم ارتياحهم للأوضاع في‮ ‬الجيش وقدموا عدداٍ‮ ‬من المطالب التي‮ ‬رأوا أنها ستعمل على تعزيز الانضباط والوحدة في‮ ‬صفوف الجيش‮ .‬
وفي‮ ‬ظل تلك الظروف السياسية والأمنية المضطربة‮ ‬‮ ‬مني‮ ‬الجيش المصري‮ ‬بهزيمة قاسية من الاحتلال الإسرائيلي‮ ‬فيما عرف بـ‮ « ‬نكسة‮ ‬67‮ « ‬التي‮ ‬أججت لدى العرب عامة والشعب في‮ ‬جنوب اليمن خاصة مشاعر الكراهية لبريطانيا صاحبة وعد بلفور والحليف الاستراتيجي‮ ‬للإسرائيليين‮ .. ‬وفي‮ ‬المقابل‮ ‬‮ ‬لم‮ ‬يتردد بعض عناصر قوات الإحتلال في‮ ‬إظهار مشاعر الإبتهاج بهزيمة العرب وزعيمهم جمال عبدالناصر‮ ‬‮ ‬فكانت‮ « ‬نكسة حزيران‮ « ‬بالنسبة لجنود الإحتلال بمثابة فرصة لشن حرب نفسية ضد الشعب والمقاومة في‮ ‬الجنوب من خلال التهكم والسخرية من العرب‮ .. ‬كل العرب‮ . ‬
بعد نحو أسبوع من‮ « ‬النكسة‮ « ‬انتشرت في‮ ‬معسكرات الجيش الجديد أخبار عن اعتزام‮ ‬الحكومة الاتحادية إصدار قرار بإيقاف أربعة ضباط من الذين أبدوا تحفظاتهم على بعض التعيينات في‮ ‬قيادات الجيش الجديد‮ ‬وتقدموا بعدد من المطالب في‮ ‬مذكرتهم التي‮ ‬رفعت الى المجلس الأعلى لحكومة الاتحاد والى المندوب السامي‮ ‬البريطاني‮ . ‬وأدى تسريب مضمون القرار إلى زيادة النقمة والسخط ضد الإنجليز والحكومة الإتحادية في‮ ‬أوساط الكثير من ضباط وأفراد الجيش الإتحادي‮ ‬الذين قرروا اتخاذ خطوات تصعيدية بالتنسيق مع قيادات الجبهتين‮ « ‬القومية والتحرير‮ « ‬للحيلولة ضد صدور القرار رسميا‮ . ‬
دخلت معسكرات الجيش الإتحادي‮ ‬مرحلة من الغليان والتوتر‮ ‬‮ ‬وفي‮ ‬التاسع عشر من‮ ‬يونيو‮ ‬67‮ ‬انفجرت الأوضاع في‮ ‬معسكر‮ « ‬فقم‮ « ‬بالبريقة بعد محاولة عدد من الضباط والجنود الاستيلاء على المعسكر لكن القوات البريطانية نجحت في‮ ‬وأد التمرد والسيطرة على الموقف‮ . ‬وفي‮ ‬اليوم التالي‮ « ‬20‮ ‬يونيو‮ ‬1967‮» ‬اندلعت الانتفاضة الباسلة في‮ ‬معظم معسكرات الامن والجيش وشملت كل من‮ : ‬معسكر صلاح الدين في‮ ‬البريقة‮ ‬‮ ‬معسكر ليك ـ الشهيد عبدالقوي‮ ‬ـ‮ ‬ومدينة الاتحاد ـ مدينة الشعبـ‮ ‬ـ ومعسكر شامبيون ـ النصرـ‮ ‬ومعسكر البوليس المسلح ـ‮ ‬20‮ ‬يونيو ـ في‮ ‬كريتر‮ ‬‮ ‬وقد كان المعسكر الأخير هو الساحة المركزية‮ ‬لتلك الانتفاضة‮ . ‬
ومنذ اللحظات الأولى للإنتفاضة‮ ‬‮ ‬التحقت أعداد من الفدائيين المتواجدين في‮ ‬كريتر بالمتمردين في‮ ‬المعسكر واشتركوا معهم في‮ ‬صد محاولات القوات البريطانية واستعادة السيطرة على الموقف‮ ‬‮ ‬وكان على رأس هؤلاء البطل عبدالنبي‮ ‬مدرم الذي‮ ‬استشهد في‮ ‬معركة كريتر‮ . ‬
واضطلع الشهيد فيصل عبد اللطيف الشعبي‮ ‬بدور أساسي‮ ‬في‮ ‬تلك المعركة‮ ‬‮ ‬حيث التقى نهار العشرين من‮ ‬يونيو بقيادات عسكرية من الجيش الإتحادي‮ ‬في‮ ‬منزل المناضل سالم محمد باهرمز ـ أحد ضباط معسكر البوليس المسلح ـ وقد كان منزله بالقرب من المعسكر ـ‮ ‬وفي‮ ‬الإجتماع تم الإتفاق على الصمود والعمل بشتى‮ ‬الطرق السبل للحفاظ على المدينة والسيطرة عليها أطول فترة ممكنة‮. ‬
وعلى الجانب الآخر‮ ‬‮ ‬تولت المناضلة نجوى مكاوي‮ ‬وآخرون مهمة حشد الدعم الشعبي‮ ‬لمساندة المقاتلين وإمدادهم بالمياه والأغذية طوال فترة الحصار الذي‮ ‬فرضته قوات الإحتلال على كريتر بعد سيطرة الثوار عليها لمدة‮ ‬18يوما قبل أن تتمكن القوات البريطانية من إعادة احتلالها في‮ ‬الشهر التالي‮ ‬ـ‮ ‬يوليو67‮ ‬ـ‮ . ‬
بعد أن دفعت تلك القوات تكلفة باهظة ـ وبحسب مصادر بريطانية‮ ‬غير رسمية ـ فإن الخسائرالبشرية التي‮ ‬تكبدها البريطانيون في‮ ‬كريتر خلال معارك‮ ‬يونيو ـ‮ ‬يوليو‮ ‬67‮ ‬‮ ‬تساوي‮ ‬أو تزيد عن تلك التي‮ ‬تكبدوها في‮ ‬بورينو و قبرص مجتمعة‮ . ‬
كيف تصرفت سلطات الإحتلال خلال تلك الأيام‮ ‬‮ ‬ماهي‮ ‬الخطط التي‮ ‬اعتمدتها في‮ ‬تلك المواجهات‮ .. ‬كيف تمكنت من إعادة السيطرة على المدينة‮ ‬‮ ‬موضوعات هذه الأسئلة وتفاصيل تلك الأيام الملتهبة‮ ‬غابت عن مصادرنا المحلية التي‮ ‬توقفت عند تاريخ العشرين من‮ ‬يونيو وأحداث سقوط كريتر في‮ ‬يد الثوار‮ . ‬
ولكي‮ ‬تكتمل الصورة‮ ‬‮ ‬كان لا بد من البحث عن مصادر أخرى‮ ‬‮ ‬ولم‮ ‬يكن أمامنا سوى مصادر الإحتلال نفسه‮ . ‬ومع‮ ‬يقيننا بعدم حياديتها في‮ ‬نقل بعض الأحداث والمواقف‮ ‬‮ ‬إلا أنها لم تستطع إخفاء كل الحقائق‮ ‬‮ ‬بل إن بعض تلك المصادر الإعلامية البريطانية ـ سواء المستقلة منها أو التابعة للجيش ـ نقلت تلك الأحداث والمعارك باعتبارها‮ « ‬حرب ضد الإرهاب‮ « ‬وليست بين شعب ومحتل‮ . ‬ولذلك‮ ‬‮ ‬لم تترد تلك الوسائل من سرد الكثير من الحقائق بما في‮ ‬ذلك الجرائم البشعة التي‮ ‬ارتكبتها قوات الإحتلال بحق اليمنيين في‮ ‬الجنوب والشمال تحت مبرر حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب‮ ..‬
وفي‮ ‬حساب الإمكانات‮ .. ‬كان البريطانيون هم الطرف الأقوى وهم من‮ ‬يمتلك كافة وسائل التسجيل والتصوير والتوثيق الحديثة‮ .. ‬وبمقارنة بسيطة‮ : ‬قد لا نحصل على صور شخصية لبعض لشهداء كانوا من قادة الثورة في‮ ‬الجنوب أو الشمال‮ ‬‮ ‬بينما نستطيع الحصول بسهولة على مئات الصور للكولونيل المجنون‮ « ‬ماد ماتش‮ « ‬الذي‮ ‬ارتكب مجازر وحشية خلال الأشهر الستة الأخيرة من عمر الاحتلال في‮ ‬الجنوب‮.‬

قد يعجبك ايضا