موقف الدين من المُنْبَطِحين المُطَبِّعين

 

العلامة/ عدنان الجنيد

لقد قرأت كلاماً لبعض من ينسبون أنفسهم إلى العلم فيه التواء بالنصوص واستخدامها في غير محلها، ناهيك عن أن الأحاديث – المنسوبة إلى رسول الله التي استدلوا بها كي يمهدوا للتطبيع مع العدو الصهيوني – أغلبها لا تصح وتتعارض مع القرآن الكريم، وبعضها ليس لها علاقة بما يستدلون به تمهيداً للتطبيع..
ومن هذه الأحاديث والروايات التي ساقوها لغرض الاستدلال بها على جواز التطبيع مع اليهود :
• قولهم : ” إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مات ودرعه مرهونة عند يهوي”
• “وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – كان له جار يهودي وكان يحسن إليه، ولما مرض _ هذا اليهودي – زاره النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم – فكان سبباً في إسلامه ”
• “وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – كان له غلام يهودي يخدمه ”
• “وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – عامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم ”
• “وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – استسقى فسقاه يهودي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : جَمَّلَك “..إلى آخر ماذكروه..
قلتُ : لو سلمنا جدلاً بصحة هذه الأحاديث التي يستدلون بها فهي عليهم لا لهم ، وذلك لأن التعامل مع الذين لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يقوموا بمساعدة أعدائنا على إيذائنا، يجوز أن نعاملهم بالإحسان ونحسن إليهم، كما قال تعالى : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِ‌جُوكُم مِّن دِيَارِ‌كُمْ أَن تَبَرُّ‌وهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة :8] ..
أما الذين قاتلونا في ديننا، وأخرجونا من ديارنا، وظاهروا علينا، وسعوا في مؤاذاتنا بشتى الوسائل والطرق، فهؤلاء لا يجوز أن نتولاهم ولا أن نحسن إليهم أو نطبع معهم قال تعالى (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَ‌جُوكُم مِّن دِيَارِ‌كُمْ وَظَاهَرُ‌وا عَلَىٰ إِخْرَ‌اجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[ الممتحنة:9]
ولا يختلف اثنان على أن العدو الصهيوني قد شرّد الملايين من الفلسطينيين، وارتكب فيهم مئات المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، ناهيك عن اغتصابه للأرض، وهتكه للعرض، وكذلك سجونه المكتظة بالفلسطينيين، ومازال عدوانه على إخوتنا الفلسطينيين مستمراً حتى هذه اللحظة ، وكذلك مشاركته مع العدوان على الشعب السوري والعراقي واللبناني واليمني، فله اليد الطولى في كل ما يحدث من تدمير للشعوب الإسلامية من حرب واضطهاد، فضلاً عن نشره للفساد ..
فكيف بعد هذا كله يأتي هؤلاء ليجوزوا التطبيع مع العدو الصهيوني، والله سبحانه وتعالى قد نهانا أن نتولاهم أو نبرهم أو نحسن إليهم!! قال تعالى:( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) أي ومن يُطبّع مع هؤلاء اليهود فهو من الظالمين المستحقين لعذاب الله ..
لهذا نقول للمنبطحين المطبِّعين : لماذا تناسيتم هذه الآيات الكريمات ؟!
تبحثون عن الأحاديث – هذا إن صحت – وتحرفون معانيها ومضامينها كي تسعفكم في جواز التطبيع، وتتركون كتاب الله تعالى، وأحاديث رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الصحيحة التي توافق القرآن الكريم ، وكل ذلك إرضاءً لأسيادكم الأمراء الذين سارعوا – جهاراً نهاراً – إلى التطبيع مع العدو الصهيوني!!..
أين أنتم من قوله تعالى :(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَ‌كُوا..)[المائدة :82] ؟!
ألم يخبركم الله بأنهم أعداءُ لكم ؟!
-وقوله تعالى :(وَلَن تَرْ‌ضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَ‌ىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ‌ )[ البقرة :120]
-وقوله تعالى :(لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ..)[ المجادلة :22] في هذه الآية نفى الله تعالى الإيمان عمن يوالون ويحبون ويطبعون مع من حارب الله ورسوله ..
وما يفعله العدو الصهيوني من تلك الجرائم والموبقات في حق إخواننا في فلسطين، فضلاً عن قيامه بنشر الفساد بين أوساط المسلمين، يُعدُّ محاربةً لله ولرسوله .. فكيف بعد هذا يجوزون التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب ؟!..
– وقوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُ‌وا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ..)[ الممتحنة :1]
-وقوله تعالى 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَ‌ىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة : 51]
أليس التطبيع يعد من الموالاة لهم ؟!
كيف يا علماء التطبيع تجوّزون فتح علاقات مع أعداء الأمة وهم كل يوم يقتلون إخوانكم وأبناءكم في فلسطين ، ويتوسعون – يوماً بعد يوم – في احتلال أراضيها؟!..
إن الأحاديث التي وظفتموها كي تمهدوا من خلالها للتطبيع مع العدو الصهيوني لا تنطلي إلا على الجاهلين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
فهل اليهودي الذي رهن النبي درعه عنده، أو الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، أو اليهودي الذي استسقاه النبي. حسب زعمكم _ هل كل هؤلاء كانوا محاربين للنبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أم أنهم كانوا مسالمين ؟!
فبحسب روايتكم نفهم أنهم كانوا مسالمين، ولم يكونوا مؤاذين، وإذا كان كذلك فلا علاقة باستدلالكم هذا وقياسه على صهاينة اليوم الذين نصبوا العداوة لكم ولجميع الشعوب الإسلامية، وما يفعلونه _ من جرائم في فلسطين _ لهو خير دليل وشاهد على شدة عدائهم المقيت وحقدهم البغيض على الإسلام والمسلمين ..
ومن الحقيقة بمكان أن الروايات التي استدليتم بها _ في تمهيدكم للتطبيع _ غير صحيحة، وسوف نتناولها في الحلقة القادمة ..

قد يعجبك ايضا