قبل ظهور دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948م ، كان البحر الأحمر بحيرة عربية إسلامية خالصة – بالنظر إلي ثقافة السكان في الدول المطلة علية ، بما في ذلك سكان الساحل الإريتري الذين استنجدوا بالسلطنة العثمانية لطرد البرتغاليين الذين استدعاهم ملك الحبشة منتصف القرن السادس عشر .
الثورة / عباس السيد
بعد تأسيس دولة الكيان الإسرائيلي ، أخذ الصراع في منطقة البحر الأحمر أبعادا جديدة ، وأججت الأطماع الصهيونية في البحر الأحمر حمى الصراع والاستقطابات .
البداية من “أم الرشراش”
عام 1949م ، بعد عام من تأسيس الكيان الإسرائيلي ، احتل الصهاينة قرية أم الرشراش العربية المصرية ، وحصلوا على ساحل بطول سبعة كيلومترات أطلوا من خلاله على مياه البحر الأحمر .
كشف “ديفيد بن جوريون” أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني ، استراتيجية دولته في البحر الأحمر وقال : “إن سيطرة إسرائيل على نقاط في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أي محاولات لمحاصرتها وتطويقها كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا” وفي عام 1956 قال قائد البحرية الإسرائيلية السابق : “نحن نملك أسطولاٍ بحرياٍ ضخماٍ يعمل في كافة موانئ العالم ، ولهذا علينا أن نعد العدة في المستقبل كي تستطيع أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار العربي المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على الدول العربية عن طريق تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية “.
باب المندب و محاولات التدويل
في الوقت الذي كان فيه الاستعمار البريطاني يتهيأ للرحيل عن الجنوب اليمني أواخر الستينات من القرن الماضي ، بعد 128 عاما من الاحتلال ، ابدى الكيان الإسرائيلي مخاوفه من تعرض الملاحة الإسرائيلية للخطر في حال خروج القوات البريطانية من جنوب اليمن، واستلام الدولة اليمنية المستقلة لجزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب. المخاوف الإسرائيلية كانت واضحة على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق آبا إيبان ، وفي تصريح له في 29 يونيو 1966م، قال : “إذا سقطت جزيرة بريم “ميون” في أيد غير صديقة، فقد ينجم عن ذلك موقف خطير، مشابه لما حدث في خليج العقبة وقد يكون أكبر خطرا”. وطلب الإسرائيلي من بريطانيا عدم الانسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية.
وقد حاولت بريطانيا بالفعل تحقيق الطلب الإسرائيلي، لكن محاولاتها فشلت بسبب معارضة المجموعة العربية في الأمم المتحدة. فتحولت دولة الكيان نحو أثيوبيا .
استثمر الإسرائيليون علاقتهم مع إثيوبيا ـ قبل استقلال إريتريا ـ وحصلوا على موطئ قدم في جزيرة “دهلك” في البحر الأحمر سنة 1975م . ليقام عليها أول قاعدة عسكرية إسرائيلية . ثم تمكنوا من التغلغل في الدولة المستقلة إريتريا وعززوا تواجدهم جنوب البحر الأحمر من خلال استئجار جزيرتي “حالب وفاطمة” في الجنوب الغربي للبحر الأحمر ثم جزيرتي “سنشيان” و “دميرا” والأخيرة هي أقرب الجزر الإريترية إلى باب المندب.
“قناة البحرين” الحلم الصهيوني
“قناة البحرين” مشروع إسرائيلي يهدف لربط البحر الأحمر بالبحر الميت ويمتد إلى البحر المتوسط ، ومنافسة قناة السويس . جرى التخطيط لها منذ عقود ، لكن تنفيذها بقى مؤجلا ومرهونا بالظروف السياسية الملائمة .
بعد توقيع الكيان الإسرائيلي معاهدة السلام مع الأردن في عام 1994م ، وقبلها اتفاقية “أوسلو” مع الفلسطينيين عام 1993م ،اصبح المشروع “إسرائيليا ، أردنيا ، فلسطينيا” .
وفي عام 2002 كشفت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في مؤتمر قمة الأرض للبيئة والتنمية الذي عقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا عن مشروع « قناة البحرين».
وقوبل المشروع وقتها بغضب ورفض من الدول العربية بحجة أنه ينطوي على أبعاد تهدد المصالح الفلسطينية والعربية السياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي عام 2005، وقع الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفاقا لشق «قناة البحرين»، وفي ديسمبر 2006، أعلن ممثلو الأطراف الثلاثة إطلاق «دراسة جدوى» لبناء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. وتشير دراسة أجراها البنك الدولي مع الأطراف الثلاثة إلى أن كلفة المشروع الكلية تقدر بحوالي 11 مليار دولار.
وحول هذا المشروع قال “آبا ايبان” وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق : “إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها ، وعن طريق ربط المحيطات الشرقية والغربية عبر قطاع ضيق من الأرض يمكن لإسرائيل أن تصبح الجسر الذي تعبره تجارة الشعوب في القارات جميعها وبذلك يمكن تحرير شعوب آسيا وإفريقيا من الاعتماد على قناة السويس”.
ومن أجل ذلك ، سعت إسرائيل إلى الوصول إلى وضع قانوني يضمن لها حرية المرور في مضائق تيران بصورة دائمة ، قبل أن تغامر بتنفيذ مشروع بهذا الحجم يبقى خاضعا لتقلبات العلاقة مع مصر . و كان لها ما أرادت في انتقال السيادة على جزر تيران وصنافير من مصر إلى السعودية .
وهو ما تم في 8 أبريل 2016، بتوقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اتفاقية ترسيم الحدود السعودية المصرية. وبمقتضى تلك الاتفاقية انتقلت ملكية جزيرة تيران إلى السعودية .
الوضع القانوني السابق المضائق ، كان يعوق الطموحات الإسرائيلية في إقامة مشاريع كبرى على غرار مشروع “قناة البحرين” المؤجل ،
الأن ، يمكن لدولة الكيان الإسرائيلي تنفيذ حلمها في مشروع “قناة البحرين” وربط البحرين والمتوسط ، مرورا بالبحر الميت ، وبذلك لن يكون لمصر من خيار ، سوى الدخول في منافسة صعبة مع القناة الإسرائيلية .
وتجدر الإشارة هنا إلى الحلم الصهيوني بإنشاء قناة “البحرين” قد تكون جزءأ من المشروع الصيني العملاق « طريق الحرير» أو “الطريق والحزام” فهناك تعاون صيني إسرائيلي مشترك بدأ منذ سنوات ، في مشروعات متعددة ، بينها تطوير ميناء حيفا على البحر المتوسط ، ودراسات لإقامة سكة حديد تربط ميناء إيلات بميناء أشدود على البحر الأبيض المتوسط ، وقد تكون سكة الحديد بديلا عن القناة المائية المسماة ” قناة البحرين”.