الخليج.. ومسيرة التطبيع!!

أحمد يحيى الديلمي

 

أخيراً عرفنا مغزى نصيحة أمريكا لدول الخليج بالتريث وعدم المسارعة إلى الاعتراف بمبادرة السادات عقب زيارته للقدس ، فلقد كان الهدف القيام بدور مشبوه لإضعاف الإرادة العربية الذاتية وخلخلة القرار الجمعي للأمة من خلال السيطرة على الجامعة العربية ، في تصريح له قال الزعيم الفلسطيني الشهيد الراحل خليل الوزير (أبو جهاد) أن دول الخليج أخطر حتى من أوروبا على القضية الفلسطينية لأنها تتحين الفرصة للتنسيق والتطبيع مع العدو الصهيوني والبحث عن رجل يحميها ، وهذا ما حدث بالضبط، فها هي الإمارات تهرول نحو التطبيع والسعودية طبعت في الخفاء وتنتظر لحظة الإعلان وهكذا دواليك ، في هذا الجانب علم “الإخوان المسلمين” أم لم يعلموا فلقد أسهموا بدور خطير وحقير جداً لخدمة أمريكا ومشاريع الصهاينة ، لأن المخابرات الأمريكية عرفت مصدر رد الفعل على زيارة السادات ووجدت أن المثقفين والحركات السياسية النوعية هي التي تبنت الرفض والمقاطعة ، لذلك أوكلت المهمة للإخوان ودول الخليج والتيارات المتطرفة للقيام بدور قمع القوى السياسية الحية واستهداف المثقفين والمفكرين من خلال اقتناص عبارات وجمل معينة من إبداعاتهم وقراءتها بعين القناص الباحث عن أبسط ثغرة لوضع رقبة الأديب والمفكر تحت مقصلة القصاص للدين على خلفية ادعاء الإخوان بأنهم يمتلكون صكوك الغفران ولهم الحق في تفتيش الضمائر وتلفيق المزاعم والحكايات الوهمية كوسيلة لإباحة الدماء والأعراض باسم الانتصار للإسلام ، تفاقمت خطورة هذا التوجه أكثر عندما اتجهت بوصلته صوب الفصائل الفلسطينية التي تقاوم العدو واتهام قادتها بالكفر والإلحاد ، مما أدى إلى إضعاف مشاعر التعاطف مع القضية الفلسطينية في الشارع العربي والإسلامي ، وصدرت فتاوى ضالة ثبطت همم الشباب عن الجهاد في فلسطين خاصة بعد إيجاد البديل وإعلان الجهاد المقدس في أفغانستان .
هذه الصور السوداوية المؤلمة أجهضت أحلام المواطنين العرب ونشرت اليأس والإحباط في أعماقهم ، بعد أن أحدثت شروخاً نفسية عميقة في صفوف الجماهير العربية ترافقت مع الانقلابات العسكرية المتتالية والصراعات الدموية بين أتباع اليسار والفكر القومي الذي استغله الإعلام الغربي والصهيوني عبر توجيه نفس الأدوات آنفة الذكر كي تعمل على توظيف الأجواء الملطخة بدماء حلفاء الأمس لبث سموم الفرقة وإذكاء العداوات وتأجيج الفتن بين توليفة الأحزاب السياسية المتنافرة ، ساعد على ذلك أكثر أن بعض قيادات الأحزاب التاريخية انغمست في الفساد واتجهت صوب خدمة المصالح الذاتية بما فرضه هذا الاتجاه من تمسك شديد بالسلطة ورغبة التفرد بكل شيء مقابل إقصاء الآخرين المخالفين سياسياً ومذهبياً ، وكلها أعمال مُشينة صبت في خدمة النوايا المبيتة والخطط المعدة سلفاً من قبل أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني ، أي أن الظروف تهيأت تماماً وأصبح المواطن العربي يعيش حالة يأس وإحباط شديدين ويفكر في الخلاص ، خاصة في ظل انتشار ظاهرة الفقر والجوع والقمع السياسي وعدم توفر قيم العدالة وانتشار الظلم .
واليوم ها هي الإمارات تُقدم على هذه الخطوة الدنيئة بحجة إيجاد حليف لمواجهة العدو الوهمي إيران ، والحقيقة أن إيران اليوم مخولة بأن تقتحم هذه الإمارات وتمثل دور الحارس القضائي عليها استناداً إلى تعاليم الشرع القويم الذي يُقر تنصيب حارس على السفيه المبذر وأي سفاهة وأي تبذير أكثر مما يعمله حكام الإمارات ، وعلينا كعرب أن نقر لإيران بأن تقوم بهذا الدور لكي تردع هؤلاء الشباب الذين رغم الوفرة المالية لم يتحرروا من عقدة الإحساس بالدونية والانسحاق النفسي والشعور بالذل والمهانة، ولا يزالون يبحثون عن حارس لحمايتهم ، وبفعل الأخوة الإسلامية نجد أن إيران أقدم من الصهاينة لتقوم بدور الحارس وتمنع سفاهة هؤلاء الحكام الذين أضروا بالأمة ووصلت مضارهم البشعة إلى اليمن وسوريا وليبيا والعراق وحتى إلى باكستان وكل الدول العربية والإسلامية ، وليت هؤلاء الحكام يمارسون كل هذه الأعمال من تلقاء أنفسهم ، لكنهم للأسف ينفذون تعاليم الأمريكان والصهاينة كأدوات طيعة لساداتها ، من يستغلون سذاجة وعدم دراية حكام الخليج مادياً وفكرياً ومعنوياً لتوظيفهم حسب الرغبات والنوايا المبيتة .
أخيراً باسم كل الأحرار في هذه الأمة أدعو إيران لأن تبادر إلى القيام بالدور المأمول لها لتردع هؤلاء الحكام أطفال الأنابيب وتعيدهم إلى جادة الصواب تحت راية الإسلام كما يدعون ، أنه الحل الأمثل بالنسبة لنا كعرب ومسلمين ، فسفاهة هذه الدول الماجنة تجاوزت كل الحدود ولا سبيل إلى ردعها إلا بطرف أقوى ولا يوجد أقوى وأكثر قرباً جغرافياً وأخوة دينية من إيران لهذه الدول ، ولعل أفضل تعبير لوصف هؤلاء الحكام هو ما جاء على لسان الشاعر العراقي المعروف مظفر النواب حيث قال :
ومشائخ ملء الخليج .. مراحل بعد الفراغ
بـــترولـــــهم ذهـــب .. إنـــمـا أقـــــزمــة
وعــلى الأمة البائسة .. أن تربط الأحـزمة
بالفعل هذه النبؤة التي أفصح عنها هذا الشاعر في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ها نحن نشاهدها عياناً وتتطلب من الأمة بالذات الشعوب أن تتحرك لكي تُنهي هذه المهزلة وتُعيد قضية الشعب الفلسطيني إلى صدارة المواقف على المستويين الرسمي والشعبي ، وهذا ما نأمله من أمتنا الحية ، وإن شاء الله النصر سيكون للمقاومة والرافضين للتطبيع طال الزمن أو قصر.. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا