وضع ليون نفسه في مواجهة بايرن ميونيخ عن جدارة واستحقاق، وذلك للمرة الأولى منذ لقائهما الأخير في دور الأربعة عام 2010 حين عَبَر بطل ألمانيا إلى المباراة النهائية بفوزه ذهاباً وإياباً (1-0 و3-0)، لكن من دون أن يفوز باللقب الذي خسره أمام إنتر ميلانو الإيطالي.

عامذاك ربما كان متوقّعاً عدم فوز الفريق البافاري بالبطولة في ظل الإصابات التي عصفت به وبعض المشاكل الفنية الطارئة، لكنه اليوم بلا شك أقوى بكثير من ليون «على الورق» بعد اكتساحه لكل الفرق التي واجهته محققاً 9 انتصارات في 9 مباريات، وآخرها وأهمها طبعاً عندما سحق برشلونة الإسباني (8-2) في الدور السابق ليضيفه إلى قائمة ضحاياه. لكن ليون أيضاً لم يكن بالحاضر الخجول على الساحة القارية، فهو أقصى يوفنتوس بطل إيطاليا، ومانشستر سيتي بطل إنكلترا في الموسم الماضي، ما يعني أن بايرن سيواجه فريقاً طموحاً وجاهزاً لإحداث ضجيج أكبر، ولمَ لا العبور إلى النهائي في إنجازٍ ضخم، كون فريق المدرب رودي غارسيا احتل المركز السابع في الدوري الفرنسي قبل توقيفه بعد تفشي وباء «كورونا» في البلاد.

صلابة ضد هجوم شرس

غارسيا يعتمد بشكلٍ خاص على تشكيلة شابة لن تجعل، بجوعها لتحقيق شيءٍ ما، مهمةَ رجال المدرب هانزي فليك سهلة، وذلك وسط صلابة دفاعها الذي يرتكز إلى ثلاثة لاعبين متناغمين.
لكن رغم كل الإشادات بالفريق الفرنسي، هناك نقاط ضعف قد تجعل بايرن متفوّقاً منذ اللحظات الأولى تماماً كما فعل أمام «البرسا» في ربع النهائي.
خط الدفاع نفسه قد يكون نقطة ضعف إذا ما نجح بايرن في التحرّك كما يحب أي من خلال تبادل المراكز السريع، فإذا وجد خط التمرير بين لاعبي الوسط، سيجد أكثر من أربعة لاعبين أنفسهم أمام ثلاثي دفاعي، ما سيسهّل مهمة وصولهم إلى منطقة الجزاء وتالياً إلى المرمى. أضف نقطة أخرى في هذا الإطار أن الضغط الذي يمارسه بايرن على حامل الكرة قد يحدث إرباكاً لأي مدافع لأنه قد لا يجد الحل للتمرير في ظل ابتعاد ثلاثي خط الظهر عن بعضهم البعض خلال عملية البناء من الخلف.
لذا بوجود لاعبَين مثل توماس مولر وسيرج غنابري اللذين يجيدان شغل المساحات الخالية والضغط بشكلٍ سريع لاستخلاص الكرات وتشكيل الخطورة، سيكون على اللاعبَين اللذين يشغلان طرفي الملعب القيام بعملٍ كبير، خصوصاً عند مشاركتهما في العملية الهجومية وترك مساحة خلفهما في الرواقين الأيمن والأيسر.

بايرن اقوى «على الورق» وليون يهوى قهر الكبار

وبعكس الدفاع، فإن ثلاثة لاعبين في خط وسط ليون يبقون قريبين من بعضهم البعض، وهي ميزة سمحت لهم برفع نسبة استحواذهم على الكرة، إضافةً إلى أنهم يدافعون بشكلٍ جيّد في المساحات الضيّقة الخاصة بالتمرير. لذا لا حلّ أمام بايرن هنا سوى لعب الكرات الطويلة ومحاولة إيصالها إلى البولندي روبرت ليفاندوفسكي الذي يجب أن يبقى في مركز ارتكازٍ محوري للسيطرة على الكرة وإطلاق الهجمات.
وفي هذه الحالة أيضاً، يفترض بلاعبي الوسط الألمان الركض في ظهر لاعبي وسط ليون لخلق كثافة في العمق، وبالتالي تسهيل مهمة متلقّي الكرة في الخط الأمامي. ومما لا شك فيه أن بايرن يبدو قادراً على فعلها بفعل وجود لاعبين مهاريين وتكتيكيين على مستوى عالٍ يمكنهم بسرعة الاندماج مع الوضع الذي يواجهونه وايجاد الحلول له.
وتبقى أفضلية بايرن في أي حالة هجومية هي في التفوّق العددي الذي يخلقه بشكلٍ مفاجئ في حالات هجومية مختلفة، وهي المشكلة الأكبر التي سيعاني منها ليون، والتي قد تكبّل الكثيرين منهم بمعنى عدم انجرافهم في الهجوم أو في القيام بمبادرات قد تفضي إلى ترك مساحات قد يستفيد منها الألمان. أما الحل الأمثل في هذا الإطار فهو إعادة التمركز السريع عند خسارة الكرة وإلا سيدفع الفريق الثمن غالياً في ظل وجود مهاجمين أذكياء وحاسمين مع الفريق البافاري الذي لم يرحم أياً من منافسيه حتى الآن.

الحذر واجب

وبغض النظر عن كل هذا الكلام، فإن أفضلية بايرن لا تعني شيئاً إذا لم يأخذ حذره من ليون لأسبابٍ عدة.
أول هذه الأسباب هو أن ليون ليس لديه أي شيء ليخسره في هذا اللقاء بل كل شيءٍ للفوز به. وهنا الكلام بمعنى أن لاعبي الفريق الفرنسي سيسعون لتقديم «مباراة العمر» حتى لو خسروها، وذلك لكي يكسبوا احترام الجميع خصوصاً عشية انطلاق موسمٍ جديد في الـ «ليغ 1».
أضف أنه بفعل عدم دخولهم أي مباراة في الأدوار الإقصائية وهم مرشحون للفوز، فقد لعبوا من دون ضغوط كبيرة وتمكنوا من إقصاء «اليوفي» والسيتي، ولو أن الضغوط جراء الخوف قد تكون حاضرة هذه المرّة بعدما رأوا طريقة سحق بايرن لتشلسي الإنكليزي ومن ثم لبرشلونة في الدورين السابقين.

أما نقطة القوة الثانية فهي الفكر التكتيكي العالي للمدرب غارسيا الذي يتعامل مع كل مباراة كما تقتضي الحاجة، ويختار تشكيلته بحسب الاستراتيجية المطلوبة، وسط إصراره على الدمج بين الضغط على حامل الكرة والدفاع بطريقة ذكية بعيدةً عن الفوضى. كما يترك غارسيا للاعبيه فرصة التصرّف بطريقة عفوية على أرض الملعب، ولا يتوانى عن وضع أفضل عناصره على مقعد البدلاء إذا اقتضى الأمر على غرار ما فعل مع هدافه موسى ديمبيلي الذي كان ورقته الرابحة أمام السيتي بتسجيله هدفين بعد دخوله أرض الملعب.
وبالحديث عن الهجوم، فهو الآخر نقطة مهمة لناحية السرعة التي يتمتع بها بوجود ديمبيلي والهولندي ممفيس ديباي والكاميروني توكو إيكامبي الذين يمثّلون خليطاً من الأساليب الهجومية المختلفة.
وخلف هؤلاء المهاجمين هناك ثلاثة لاعبين حفظوا بعضهم غيباً هم حسام عوار، ماكسانس كاكريه والبرازيلي برونو غيمارايش الذين يلعبون دوراً مزدوجاً ويهوون اللعب وفق مثلثات عند تبادل الكرة.
في النهاية هي مباراة من 90 دقيقة حيث لا مجال للتعويض، ومن يستغل نقاط ضعف الآخر وأخطاء الآخر بشكلٍ أسرع سيحجز البطاقة الثمينة إلى النهائي الكبير.

 «الأخبار»