تعظيم الإيرادات العامة

احمد ماجد الجمال
التعظيم في الإيرادات العامة وتطويرها بات أمراً لا بديل له ويحتاج إلى إرادة عملية متفردة كونه سيشكل نقلة نوعية عامة.
اليوم المالية العامة تحتاج إلى المزيد من المعالجات الهيكلية مع توازن في آليات المعالجة وخاصة ما يتعلق بفعالية وكفاءة تعظيم الإيرادات العامة بفكر استثماري وسياسة مالية مرنة لتسيير التغيير الهيكلي ودعم التحول.
هناك انفصام واضح ومستمر من فترة لكن ما زال بين الخطط الموضوعة وهدف تعظيم الإيرادات فكل وحدة حكومية تعمل بمعزل عن الأخرى.
من المهم أن يكون هناك تكامل بين القطاع المالي والجهات الحكومية وداخل كل جهة فليس من السليم أن تعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى وحتى داخل بعض الجهات نجد أن كل دائرة أو وحدة لها خطة وسياسة تختلف عن الآخر مما يسبب الكثير من المشاكل للجهات نفسها ومصالح المستثمرين وأفراد المجتمع وتبرز أرضية للفساد.
لا يجب الانتظار حتى الوصول لمرحلة نزيف مصادر الإيرادات العامة إنما من المهم أن يتم البدء مبكراً وتنفيذ العديد من المبادرات لتنمية الإيرادات غير النفطية بهدف تنويعها للحد من تقلباتها ومن ثم موازنتها مع الإنفاق العام للحيلولة دون حدوث انتكاسات أو ارتداد سلبي .
يمكن البدء على تهيئة البرامج المقررة والمقترحة في جميع الجهات الحكومية بما يكفل على تنفيذها على الوجه الأكمل وتذليل الصعوبات التي قد تواجهها وتطويرها لتشمل حجم المبلغ المتوقع توفيره وتحصيله للخزينة العامة من تطبيق المبادرة أو المقترح واستدامتها بالإضافة إلى مدى سهولة تنفيذ المبادرة من الناحية الفنية والتشريعية والبنية التحتية والاستفادة من التجارب السابقة.
لكن كيف يمكن لصناع السياسات المالية والإدارية التعامل مع هذا التحدي للعبور للمستقبل وهو تعظيم الإيرادات ,من الممكن أن نحصل على بعض الإجابات من خلال عمليات هيكلية وتنظيمية أي تحديد الأولويات والإمكانيات والتوازنات المالية مثل “إنشاء مركز تعظيم الإيرادات الغير نفطية ” كهدف لتطبيق مبادرات ونماذج ومنهجيات وأدوات موحدة وملزمة للجهات الحكومية بغرض تحسين وتطوير ضبط إجراءات تحصيل الإيرادات وصبها في حساب واحد لجميع الجهات ويتولى كل ما يتصل بتعظيم الإيرادات غير النفطية بما يحقق الاستدامة المالية والتنوع في مصادر الدخل و ابتكار موارد جديدة وتقييم نسبة التحصيل من مقدار الأوعية المتاحة وقيمها وحجم التنبؤ لهذه الإيرادات المتوقع تحصيلها وفق النشاط وكذا بالنسبة لرسوم الخدمات العامة القيمة المحصلة إلى نسبة التكلفة الفعلية للخدمة المقدمة بأسس معيارية ناتجة عن تحليل بيانات ومعلومات حقيقية وآلية تعتمد على التنسيق المشترك وتحليل التقارير وجودة بياناتها ومعالجة الاختلالات أولاً بأول وتحصيل الإيرادات وفق صيغ ونماذج وجداول موحدة ومنظمة من واقع الدورة المستندية وقسائم التحصيل تظهر بها كل الإيرادات “المجنبة والذاتية والخاصة…” كحزمة إيرادات عامة يتم معالجة توزيعها عبر مركز تعظيم الإيرادات,بضوابط صارمة تعمل بها كل الوحدات الحكومية في أطار الحرص على المال العام بحيث يظهر بيان الإيرادات النقدية والمستقطعة من المنبع والإحصاءات المؤيدة لاحتساب التقديرات لكل حساب من حسابات الإيرادات والعوامل المؤثرة التي أخذ بها عند إعداد التقديرات وتفسير أسباب الزيادة أو النقص في التقديرات لكل سنة وبيان بالمحصل الفعلي لكل نوع من أنواع الإيرادات تم تحصيله.
ويأتي ذلك بتصنيف الإيرادات العامة وحدودها الدنيا والقصوى والمبالغ المحصلة والفروق الناتجة عن التحصيل شهريا وفصليا ونهاية العام والسند القانوني لكل إيراد فلا يحق فرض أو زيادة أي نوع من أنواع الرسوم أو الغرامات إلا بعد إقراره من السلطة التشريعية ثم تصدر بعد ذلك القرارات واللوائح الإدارية المنظمة له ,فقد سمحت طبيعة التنظيم الفني للرسوم مراعاة الظروف الخاصة لأفراد المجتمع من حيث القدرة على الدفع كما أن وجود أفكار عديدة لزيادة الإيرادات بنسب رسوم مقبولة وغير مؤثرة على أفراد المجتمع وبتدرج متوازن عند رفع تلك الرسوم حتى لا تتسبب تلك المعالجة في ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدل البطالة ,ومن أهمها المراجعة المستمرة لقانون رسوم الضرائب والجمارك للحد من التهرب عن سدادها والرسوم الخدمية وغراماتها , لأن رسوم الخدمات العامة تدفع بصورة متكررة حسب طلب الخدمة كونه نظير خدمة عامة كإصدار الرخص والتصاريح والرسوم القضائية والتعليمية والصحية والاتصالات والنقل وعوائد الثروة السمكية والإتاوات أو فرض الجزاءات والغرامات للمخالفات وغيرها عبر وحدات الجهاز الإداري والسلطة المحلية والصناديق التي من المؤكد انها ستعزز وتعظم مثل هذه الإجراءات إيراداتها بشكل ملحوظ لان الإيرادات غير النفطية تتميز بالاستقرار النسبي نتيجة ارتباطها بالنشاط الاقتصادي.
وحال قيام الجهات باستخدام أنظمة الحاسب الآلي في جميع العمليات المالية والمحاسبية والتحول من الوسائل التقليدية في التحصيل كمسك الدفاتر والسجلات وإعداد الحسابات والبيانات المالية إلى الوسائل الالكترونية والاستفادة بشكل اكبر من المفاهيم الجديدة لتقويم الأداء مثل إدارة الجودة الشاملة وإدارة الوقت ,ليمارس مركز تعظيم الإيرادات مسؤولياته من خلال الاستراتيجية الشاملة للمالية العامة وتجنب التأثيرات السلبية طويلة وقصيرة الأمد والتركيز على تطوير الأداء للوصول إلى درجات متقدمة في تعظيم الإيرادات وتسويق نشاطها والقيام بمشاريع البحوث والدراسات لتطوير وتحسين جميع أنواع الإيرادات بالمشاركة مع الجهات المعنية وتعزيز حوكمة المالية العامة بما يتفق مع الخطة العامة للدولة للاستفادة القصوى من جميع الأوعية الايرادية في عملية تطوير التخطيط المالي بينما تختص الجهات بإجراءات التنفيذ وبالتالي فصل جهة التخطيط عن جهة التنفيذ وأهميه ذلك ينبع في مواجهة الاختلالات والمراقبة والمتابعة .
ومع بناء ربط شبكي الكتروني موحد لاحقاً للتحصيل الالكتروني على مستوى كل الجهات الحكومية كأحد العلاجات الواقية من تسرب تلك الإيرادات خارج قنواتها الرسمية ولأن التحصيل الالكتروني يلزم وحدات الجهاز الإداري والسلطة المحلية والصناديق بنمط من الشفافية والوضوح في منهج عملها وتتيح مجال لجدية وصول المعلومات الدقيقة عما تقوم به من أعمال لجهات الرقابة الداخلية والخارجية ولإفراد المجتمع حصولهم على الخدمة السريعة وغير المكلفة وتحقيق الاتصال الفعال وتقليل التعقيدات الإدارية وخلق بيئة عمل أفضل باستخدام تقنيات المعلومات والاتصال في جميع مؤسسات الدولة كإحدى خطوات تأسيس بنية تحتية للحكومة الالكترونية تساعد على تنفيذ الإجراءات بكل يسر وسهولة وبدقة أعلى وتفاعل واتساع واجهة التواصل بين كل الجهات من المؤكد أن يساهم في زيادة وتعظيم الإيرادات بمختلف أنواعها على مستوى جميع الجهات وكل ذلك بغرض تحسين وتعبئة الإيرادات تدريجي الرفد الموازنة العامة في أحلك ظروفها.

* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا