حسن الوريث
في جلسة نقاش رياضية بامتياز مع ابني وصديقي الصغير عبدالله كان الحديث عن الرياضة الأوروبية وكرة القدم بالتحديد والدوريات الأوروبية المحلية، على اعتبار أنها هي التي دارت عجلتها فيها قبل بقية القارات، وأيضا لما للرياضة في هذه القارة من أهمية سواء من ناحية قوتها ومكانتها أو من ناحية الاستثمارات الضخمة فيها، وعندما وصلنا في الحديث إلى نقطة التنافس على شراء الأندية الأوروبية من مستثمرين خليجيين بالتحديد كان السؤال الذي طرحه العزيز عبدالله: لماذا هذا التهافت من الخليجيين على شراء الأندية في دول أوروبا؟.
كان هذا السؤال بمثابة الحجر الذي رمى به صغيري العزيز في المياه الراكدة وربما أن الكثيرين يمرون على هذا الأمر مرور الكرام دون التمعن فيه لأنه كما يبدو ظاهرياً استثمار رياضي، ولكن عندما نبحث في خفايا الأمور ستتكشف أشياء خطيرة من وراء هذا التهافت والاندفاع، وبالفعل فقد قلت له: الوضع الذي على السطح هو الاستثمار، لكنه أعاد السؤال مرة أخرى بصيغة جديدة تدل على ذكاء إذ قال: لماذا لا يقوم هؤلاء باستثمار هذه الأموال الطائلة في بلدانهم وتطوير الرياضة فيها وبما أنهم يملكون كل هذا المال فإن لديهم القدرة على جلب أكبر الخبراء والمدربين في العالم وشراء أبرز نجوم الرياضة ليس في كرة القدم بل في كل الرياضات؟.
حقيقة هذا الأمر محير فعلاً، فلماذا لا يقوم هؤلاء بتطوير الرياضة في بلدانهم واستثمار هذا الكم الكبير من الأموال التي تذهب إلى أوروبا وإبقائها؟ ولاشك أن ذلك سينهض بالرياضة وسيصل بها إلى العالمية وليعملوا مثل بعض البلدان كاليابان التي عملت خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي على شراء أفضل النجوم واستقطاب أفضل المدربين والخبراء في كرة القدم وكانت النتيجة أن انطلقت اليابان من المراكز المتأخرة إلى صدارة الكرة الآسيوية بل وصعدت إلى كأس العالم، وبإمكان هؤلاء الاستفادة من التجربة اليابانية وربما يكون وضعهم أفضل على اعتبار أن حجم الأموال لديهم أكبر بمئات المرات من الموجودة في اليابان وهذه ميزة ليست في دول كثيرة، فحجم الأموال هائل ويمكن أن يحدث نقلة هائلة.
فقال لي صديقي الصغير: كما قلت أنت ربما يكون الموضوع أخطر وأكبر من الأمر الظاهري ولكن ما هو في رأيك هذا الأمر؟ قلت له: هل سمعت عن موضوع غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟ قال أعتقد ولكن بإمكانك أن تشرح لي ما علاقة ذلك بشراء الأندية الأوروبية؟ بالتأكيد يا صغيري العزيز أن عملية الشراء ليست بريئة ومن يتمعن فيها سيجد أن هؤلاء وجدوا أن هذه الطريقة هي الأسلم لنقل أموالهم إلى أوروبا لتكون تحت تصرف التنظيمات الإرهابية التي تقوم بتنفيذ عملياتها في بلدان العالم خاصة بعد التشديد الذي تم على عملية نقل الأموال والقوانين التي فرضتها دول العالم لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب، وبالتالي فإن أسهل طريقة لتنقل الأموال بحرية تامة هي هذه العمليات تحويل ملايين الدولارات تحت بند استثمار رياضي وشراء أندية ولاعبين ومدربين وخبراء، ولكنها في الخفاء تستخدم جزءاً من هذا المال في دعم الجماعات الإرهابية وتلك العمليات التي تقوم بها الأنظمة الخليجية لقتل معارضيها- كما فعلت السعودية مع خاشقجي – وربما تتكرر مع آخرين وسيكون التمويل هذه المرة أبسط وأسهل لأن نقل الأموال يتم الآن ظاهرياً باسم تمويل الرياضة لكنه في حقيقة الأمر لتمويل الإرهاب.
صديقي الصغير وجه رسالة إلى الجميع وخاصة الأوروبيين والمجتمع الدولي الذي يحارب عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بأن يتنبهوا لهذه العمليات المشبوهة لشراء الأندية والاستثمار في الرياضة والتدقيق فيها، فربما تشهد أوروبا والعالم موجات من الإرهاب يكون وراءها هذه الأموال، وقال: إذا كان هؤلاء فعلاً صادقون في توجههم لدعم الرياضة والاستثمار فيها فبلدانهم أولى وسيكون لها الأثر الأكبر، ولكن الأمر بعيد عن وجهته فهذه أموال تصرف باسم الرياضة لكنها لتمويل الإرهاب.. والسلام ختام.