خطة للتوعية باستخدام البدائل الآمنة وضبط المعايير للمصنعين والمستوردين
التخمة البلاستيكية.. سرطان العصر
“كيس” بلاستيك يحتاج 30 عاما و”عبوة” الماء 5 قرون وعدم العمل بنظام التدوير للنفايات أول المشكلة
مجلس الوزراء عام 1998م بمنع تداول الأكياس التي يقل سمكها عن 70 ميكروناً لم يطبق حتى الآن
كيس بلاستيكي حول العالم سنوياً
محلية لتجاوز المشكلة التي تحتاج إلى خطوات عمل جادة
دولية من مخاطر المواد البلاستيكية على البيئة والإنسان
في نوفمبر من العام الماضي ناقش اجتماع عقد بصنعاء برئاسة وزير الصناعة والتجارة عبد الوهاب الدرة، سبل معالجة ظاهرة انتشار الأكياس البلاستيكية وأضرارها على المجتمع وآليات التخفيف من استخدامها والاتجاه إلى البدائل الصديقة للبيئة.
وبحث الاجتماع، إمكانية تنفيذ حملة تشترك فيها كافة الأجهزة المعنية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني بهدف التوعية بأضرار ومخاطر استخدامات الأكياس البلاستيكية على البيئة والمجتمع.
وأقر الاجتماع وضع خطة للقيام بحملة متكاملة لتوعية المواطنين باستخدام البدائل الآمنة وضبط المخالفين للمواصفات والمقاييس في عملية الاستيراد والتصنيع لهذه المواد.الثورة / سارة الصعفاني
وشدد وزير الصناعة والتجارة على ضرورة تضافر جهود الجميع فيما يتعلق بحماية البيئة ووقف الأضرار الناتجة عن استخدام الأكياس البلاستيكية سواء على الإنسان أو البيئة.
وأكد أن الوزارة ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية المواطنين والبيئة وإلزام المصنعين لهذه المواد بالمواصفات المطلوبة الصادرة عن الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة.
وأشار وزير الصناعة إلى حرص الوزارة على تنفيذ مهامها المنوطة بها بالتعاون مع السلطات المحلية في أمانة العاصمة والمحافظات وبما من شأنه حماية البيئة والحفاظ عليها، لافتاً إلى ضرورة التعاون بين كافة الجهات لإغلاق معامل تصنيع الأكياس البلاستيكية التي تعمل بدون تراخيص. وتطرق إلى أهمية تفعيل دور وسائل الإعلام وخطباء المساجد لنشر الوعي المجتمعي بمخاطر استخدامات الأكياس البلاستيكية والاتجاه لاستخدام البدائل الآمنة للمواطنين والبيئة.
فيما استعرض مدير عام النظافة بأمانة العاصمة جمال جحيش ومدير مركز التوعية البيئية شرف الحمزي، البرامج والأنشطة والحملات التي يتم تنفيذها لرفع مخلفات الأكياس البلاستيكية وكذلك الإجراءات والحلول الممكنة للتخفيف من استخدامها وتطبيق قرار مجلس الوزراء للحد من انتشار الأكياس البلاستيكية لتجنب أي كوارث بيئية.
وأشارا إلى أهمية التعاون من قبل وزارة الصناعة والتجارة وهيئة المواصفات والمقاييس في متابعة التجار والمصنعين للالتزام بالمواصفات القياسية المعتمدة والمطلوبة وإضافة المادة التي تقوم بتحليل المواد البلاستيكية لتقليل المخاطر من استخداماتها.
اليوم.. لا يزال الوضع على ما هو عليه.. وتظل إشكالية المنتجات البلاستيكية ومنها “أكياس” البلاستيك قائمة توجب العمل على الحد منها أو إيجاد آلية نظيفة وصديقة للبيئة للتخلص منها، وتتكون المشكلة مع استمرار آثارها الخطيرة على صحة الإنسان والبيئة والتي قد تمتد لعشرات السنوات نظرا لصعوبة تحلل هذه المواد.
اليمن كغيرها من الدول تعاني من هذه الإشكالية التي هي من صُنع الإنسان وتتطلب خطوات جادة من الجهات المعنية لمعالجة هذه الإشكالية.
مشكلة عالمية
بعد تناقص مخزون الكوكب من الموارد الطبيعية ، واختلال المنظومات البيئية، وتكدس النفايات ، اكتشف الخبراء أهمية تكوين اقتصاد بيئي أساسه نظام تدوير المقتنيات فيما يعرف بـ (الاقتصاد الدائري) إلا أن البشرية تقف شبه عاجزة أمام (البلاستيك ).. القاتل المتجول الذي لم يعد متخفياً.
إذ كشفت الطبيعة خيالية فكرة التخلص من النفايات؛ (فليس ثمة مكان بعيد تُرمى فيه الملوثات المضرة، فلا تؤذي المنظومات البيئية والصحة النباتية والحيوانية، وفي نهاية المطاف الصحة البشرية)، حد تعبير المعهد العالمي للموارد .
ويتجدد التذكير بموارد الأرض في يوليو من كل عام، وتعد النفايات مشكلة بيئية عالمية تهدد الصحة والموارد الطبيعية، لذا تسعى الدول إلى تطوير الحلول التقنية والتنظيمية والمالية لوضع حد لها باستثناء بلدان شمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط ؛ حيث التخلص من النفايات ما يزال بـ (الحرق والدفن)، وشتان بين دول تحرق النفايات لتضيء الطرقات وتحرك عجلة الاقتصاد ودول تحترق بالنفايات لكن.. لم تعد القضية الجوهرية كيفية التخلص من النفايات بعد أن أصبحت البلدان النامية مكباً للبلاستيك غير القابل للتدوير والاحتراق والتحلل، فضلاً عن مخاطر السموم المنبعثة منه رائحة البترول الخام في ألعاب الأطفال والأحذية البلاستيكية … وصولاً لما نتناوله من بلاستيك في حافظة طعام وقنينة مياه رخيصة- جودة لا ثمناً – لها رائحة نفاذة ومذاق بترولي ، وسط تحذيرات طبية عابرة للقارات والمحيطات من حتمية وسرعة الإصابة بالأمراض الفتاكة كالسرطان.. مرض العصر، حال الاستمرار في الطرق العشوائية للتخلص من النفايات.
وأكدت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) أن الستارين المكون الرئيسي للبولسترين (البلاستيك غير القابل للتحلل) مصنف دولياً ضمن الأسباب المؤدية للسرطان، ويتسرب إلى المواد الغذائية خاصة المشروبات الساخنة.
ووفقاً لوكالة حماية البيئة الأمريكية فإن التعرض المزمن لهذه المادة يسبب الصداع، والتعب، والاكتئاب، وفقدان السمع، وسرطان الدم ، وسرطان الغدد الليمفاوية. وتوقعت منظمة الصحة العالمية ازدياد حالات السرطان بنسبة 60 % على مستوى العالم بحلول عام 2040 بعد أن سجلت 18.1 مليون حالة سرطان جديدة في عام 2018م مع انبعاثات غاز دفيئة تراكمية ستصل لـ 15 % عام 2050م، وقرع ناقوس الخطر للدول الفقيرة والمتوسطة الدخل؛ حيث السرطان كالبلاستيك في الانتشار.
فأغلب المنتجات المصنّعة من البلاستيك رخيصة وتصدر انبعاثات سامة وخطيرة عند التصنيع، ولا تعرف صناعة التدوير؛ إذ لا تتحلل بل تتكسر بعد عشرات السنوات تحت أشعة الشمس؛ ما دفع دول غنية استهلاكية عجزت عن السيطرة على نفاياتها لبيع النفايات، ومكّن دول اقتصادية متمكنة من التدوير كالنرويج من شراء نفايات بلاستيكية من دول أوروبية كالسويد بعد أن استطاعت استعادة أكثر من مليار قنينة بلاستيك وألمنيوم عام 2018م من المواطنين فقط بمكافأة المستهلك بالمال بعد إعادته القنينة فارغة.
9 مليارات طن
وينتج العالم من البلاستيك نحو 2.7 مليون طن سنوياً بحصيلة تراكمية بلغت 9 مليارات منذ أوائل صناعته القرن الماضي، وبلغ حجم المخلفات البلاستيكية المتكدسة ستة مليارات طن، وتوقعات بإضافة 300 مليون طن سنوياً في حين لا تتجاوز نسبة التدوير 9 %، والاحتراق 15 %.
ويمثل التغليف والتعليب وحمل المشتريات الاستخدام السائد للبلاستيك بنسبة 47 %، إذ يصنع العالم 500 مليار كيس، ويشتري مليون قنينة مياه بلاستيكية كل دقيقة، وقد تأخذ كل من قنينة المياه خمسة قرون وكيس حمل المقتنيات 30 سنة حتى يتحلل بعد الإضرار بالأحياء والبيئة، وفقاً لتقديرات خبراء دوليين.
ما يفرض حرباً عالمية ضد النفايات، وبالأخص البحرية حيث يُلقى 13 مليون طن من المواد البلاستيكية في المحيط سنوياً؛ بمعدل شاحنة نفايات في الدقيقة، ويتفتت البلاستيك لأجزاء صغيرة دقيقة مُعرّضاً مالا يقل عن 600 نوعٍ من الأحياء لخطر قاتل، وفقا لمنظمة ” الحفاظ على المحيطات”.
وحذرت منظمة “محيطات آسيا ” في فبراير2020م من موجه نفايات قادمة، وبحسب تقديرات البنك الدولي ستصل كمية النفايات المنتجة عالمياً إلى 2.2 بليون طن/ سنة عام 2025م، وفي حملة تنظيف للشواطئ عام 2019م تم جمع 850 طناً من النفايات البلاستيكية.
وإجمالاً يتناول البشر النفايات البلاستيكية من خلال مستلزمات الأطعمة والمشروبات، وأسواق المأكولات البحرية، ويموت ألف كائن بحري سنوياً من البلاستيك وما يقرب من مليون من الطيور البحرية ، وفقاً لتقديرات مراقبين، وبحسب أرقام أممية يوجد 60 مليون عبوة مياه يومياً في النفايات ، وخمسة تريليونات كيس بلاستيك في السنة، واقع تخمة بلاستيكية فرض حملة * أنا لست كيساً بلاستيكياً* !.
وتزداد الخطورة إن خضعت المنتجات البلاستيكية للتعبئة مجدداً أو كانت لصيقة بالأطعمة خاصة الساخنة إلا ما خصص لذلك؛ إذ أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تعد أنواعاً من البلاستيك آمناً وصحياً في حرارة المايكروويف، وقابلاً للتدوير. لكن في هذا الشأن قال الطبيب.روس هاوزر ، رئيس قسم الصحة البيئية البروفيسور في فسيولوجيا التكاثر بكلية هارفرد تي إتش للصحة العامة:( للبلاستيك أصناف عديدة، لهذا من الصعب حسم الأمر دون معرفة الهيكل المحدد للمواد البلاستيكية، والمواد المضافة، والجهة المصنعة التي ربما تختبر مادة كيميائية ما فيما يخص تأثيرات صحية محدودة ، فتستبدل مادة كيمائية بأخرى، ولا ننتظر طويلاً حتى تثبت الأبحاث خطرها، كما أن التعرض لمادة كيمائية أو مزيج من المواد الكيميائية وإن كان ضئيلاً لفترة طويلة يتسبب بمشكلات صحية وتأثيرات سلبية متراكمة؛ لذا من الأفضل أن نتوخى الحذر).
مشتق بترولي
وفي دراسة لمجلس حماية المصادر الطبيعية أثبتت التجربة أن مادة (PET) المشتقة من البترول والمستخدمة في العبوات البلاستيكية والمواد المضافة لها لإكسابها المرونة واللون والمتانة تتسبب بالدوار وفتور النشاط الوظيفي والغثيان والقيء.. والوفاة، وكانت منظمة مجموعة العمل البيئي بواشنطن حذرت من الإصابة بالسرطان نتيجة استخدام عبوات المياه المعبأة.
ومن أجل مكافحة البلاستيك (الأكياس) الأكثر استهلاكاً ؛حيث ترليون كيس بلاستيك سنوياً في مختلف أنحاء العالم، وفقاً لإحصائيات إدارة مراقبة البيئة في أوروبا، فرض الاتحاد الأوروبي ضرائب لمنع تداولها وأعلن 2019م عاماً لسيطرته الكاملة، ووضعت 40 دولة من دول العالم تشريعات تحظر فيها استخدام الأكياس البلاستيكية بحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولكن ..شتان أيضًا بين دول تعاطت مع القضية بمسؤولية، وبين دول تجيد المحاكاة ورقياً، تفاوتت عقوبات الدول بين دفع بدل نقدي للحصول على كيس بلاستيك كما فعلت هولندا عام 1993م، وإلزام المتاجر بتوفير بدائل صحية واقتصادية كالأكياس متعددة الاستخدام والأكياس الورقية كما فعلت بنغلاديش عام 2001م.. وتبقى كينيا الأكثر صرامة في هذه المسألة حيث أعدمت الأكياس البلاستيكية بعد أن ضبطت المصنع والمستورد والتاجر، واتخذت السجن 4 سنوات أو دفع غرامة 38 ألف دولار عقوبة لمن يخالف.
في السياق ذاته، قضية (البلاستيك) والأكياس البلاستيكية قضية معقدة وشائكة في اليمن بين أصحاب المصالح، والمؤسف أن النقاش متوقف على خطورة البلاستيك الأكياس فقط وبالأخص السوداء المخصصة للنفايات، وكان قرار مجلس الوزراء رقم 46 لعام 1998م بشأن منع وتصنيع أو استيراد واستخدام الأكياس البلاستيكية التي يقل سمكها عن 70ميكروناً وإيجاد بدائل صحية وآمنة للبلاستيك وتدوين معلومات المنتج إلا أن القرار لم يطبق فعلياً، ولم يلتزم المصنعون والمستوردون بالمواصفة حتى اللحظة؛ فالاستيراد قائم لأكياس دون 40 ميكروناً وأبعد، وكذلك المصانع المحلية لا تلتزم بإدخال المنتجات ذات القابلية السريعة للتحلل بحسب الجمعية اليمنية لحماية المستهلك.
وكانت شركات الألبان في فرنسا قد منعت المصانع من وضع الحليب في عبوات بلاستيكية.. وضع يذكر بمأساتنا حيث محارق الياجور (الطوب الأحمر) في المساء، وتعبئة الأطعمة الساخنة كالمرق (الحساء) والأرز في أكياس وتحويل قنينة المياه المعدنية البلاستيكية أحادية الاستخدام لأبريق شاي نهاراً .. ولن نتحدث عن جودة البلاستيك.. مواصفاته.. الرقابة والضبط ؛ فالوضع مكشوف، والجريمة تشاركية تحت مظلة المكاسب.