د. جابر يحيى البواب
غَفَرَ اللَّهُ لِمَنْ مَا زَالَ فِي عَالِمِنَا منشغلاً بِحَيَاتِه، وَأَلْهَمَه الصَّوَاب واكسبه الثَّوَاب، وَرَحِمَ اللَّهُ الراحلين مِن الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ الَّذِينَ كَانُوا يهتمون بالخيول ويحرصون عَلَى رِعَايَتِهَا، وتغذيتها، وَالْعِنَايَة بِصِحَّتِهَا.. روى البخاري “2852”، ومسلم “1873” عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ)، وروى البخاري “2371”، ومسلم “987” – واللفظ له – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ، فَلَا تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرًا، وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ، – حَتَّى ذَكَرَ الْأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا – وَلَوْ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ، وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا، وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا، وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا، وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ، فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ)؛ وَمَن الْأَقْوَالَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي قيلت فِي الْخَيْلِ، قَوْلُ إبْرَاهِيمَ نَصْرِ اللَّهِ:
“إذا ما الخيل ضيعها أناسٌ *** حميناها فأشركتِ العيالا
نقاسمها المعيشة كل يومٍ *** ونكسوها البراقع والجلالا”.
فِي الْأُسْبُوعِ الْمَاضِي زَرْت نَادِي العَاصِمَة للفروسية، بَعْدَ انْقِطَاعِ لِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ نَتِيجَة للإجراءات الوقائية وَتَوْقِيف الأنشطة الرِّيَاضِيَّة، وَقَبْلَهَا وتحديداً بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ اِسْتِهْداف اسْطَبْلات خُيُول الْكُلِّيَّة الحَرْبِيَّة زُرْت خُيُول الْكُلِّيَّة المشردة فِي مُحِيطِ الْكُلِّيَّة، وَآلْمَنِيّ جِدًّا مَا شاهدته مِنْ تَقْصِيرٍ كَبِيرٌ فِي الرِّعَايَةِ وَالِاهْتِمَام بالخيول، نَتِيجَة نَقْصٍ أَوْ بِالْأَحْرَى انْعِدَام الْأَغْذِيَة وَالْمَوَادّ الصِّحِّيَّة البيطرية الْخَاصَّة بالخيول، وَعِنْد الِاسْتِفْسَارِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِين “السياس”، كَانَت الفاجعة بِأَن وَزَارَة الشَّبَاب وَالرِّيَاضَة مُمَثَّلَةٌ بصندوق رِعَايَة النَّشَء لَمْ تُصْرَفْ مُخَصَّصَاتٌ النَّادِي إلى الآن، وَلَمْ يُعِدْ رِجَال الْمَال وَالْأَعْمَال ومحبو الْخَيْل يَزُورُون النَّادِي وَيَتَفَقَّدُون أَحْوَال الْخُيُول، ويجودون عَلَيْهَا بِبَعْض الأعلاف وَالشَّعِير وَخِلَافُه، حَتَّى مَا كَانَ يَأْتِيهِمْ مِنْ تَمَوَّر وَزَبِيبٌ تَالِفٌ مِنْ الْجِهَاتِ الْمَعْنِيَّة بِالْإِتْلَاف انْقَطَع وَلَا يَعْرِفُونَ الْأَسْبَاب، وَبِالْمِثْل خُيُول الْمُؤَسَّسَة الاقْتِصَادِيَّة، وخيول كُلِّيَّةٌ الشُّرْطَة وَالْحَرْبِيَّة، إلَّا أَنْ خُيُول الشُّرْطَة وَالْحَرْبِيَّة أكْثَرَ حَظّاً مِنْ خُيُول نَادِي العَاصِمَة والمؤسسة والتي لديها مَا يَكْفِي مِنْ التغذية، وتنقصها الْعِنَايَة البيطرية وَأَدْوِيَة الْخُيُول.. الحق يقال هناك جهود تبذل من قبل قطاع الرياضة لصرف مستحقات نادي العاصمة، لكن إِجْرَاءات الصَّرْف المعقدة وَاَلَّتِي تَسْتَنِد إلَى إِجْرَاءات إِدَاريَّة وحسابية تَتَعَلَّق بِإِخْلَاء الْعَهْد، هِيَ الَّتِي تَحَولَ دُونَ وُصُولِ مَا هُوَ مُخَصِّصٌ للخيول إلَيْهَا، لِذَا نَقْتَرِح عَلَى الْجِهَاتِ المعنية تَحْيِيد مُخَصِّصٌ الْخُيُول الْمُتَعَلِّق بِشِرَاء التغذية، وَسُرْعَة صَرَفَهُ فِي صُورَةِ مَوادَّ غِذائيَّةٍ “عَلَف وَشَعِير وخلافة” وَتَسْلِيمُه للنادي رحمة بالخيول “العجم”، كَمَا نناشد رِجَال الْمَال وَالْأَعْمَال ومحبي رِيَاضَة الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَخُصُوصًا مِنْ كَانَ لَهُمْ الفضل الدَّائِمِ فِي دَعْمِ خُيُول النَّادِي، نناشدهم الاسْتِمْرَارِ فِي دَعْمِ تَغْذِيَة الْخُيُول، وَأَخِيرًا نناشد هَيْئَة الزَّكَاة بِتَخْصِيص مَبَالِغ لتغذية الْخُيُول مِن إيرَادَات الزَّكَاة..
وَفِي حَدِيثِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سُئل فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَر وَالْخَيْل.. قِيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْخَيْل؟ قَال: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْر ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْر ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا ، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرُ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فِي مَرْجِ وَرَوْضَةٍ ، فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ ، أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ ، إلَّا كَتَبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلْت حَسَنَاتٌ ، وَكَتَبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ وَلَا تُقْطَعُ طَوْلها فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا ، أَوْ شَرَفَيْنِ ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٌ ، وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ قِيل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَالْحُمُر ؟ قَال : مَا أَنْزَلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ ، إلَّا هَذِهِ الْآيَةِ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”.