يمانيون في موكب الإسلام

“عبدالرحمن الغافقي” ابن تهامة الذي فتح الشطر الأعظم من فرنسا

 

 

الثورة /جمال الظاهري

من منا يجهل المجاهد الكبير والقائد الشهير عبدالرحمن بن عبدالله الغافقي العكِّي، أمير الأندلس (صفر112-رمضان 114هـ)، وسنحاول هنا تسليط مزيد من الأضواء على حياته، وشخصيته، والظروف التي فرضته واليا على الأندلس، آملا أن يكون في ذلك إضافة إلى معلومات القارئ، حول هذا البطل العربي التهامي اليمني.
من هو عبدالرحمن الغافقي؟
ينتسب عبدالرحمن الغافقي إلى غافق، وهي بطن من قبيلة عك التهامية، ولذلك يقال له أيضا “العكي”، وكان موطن غافق، هو مدينة “اللُحَيَّة” الواقعة على البحر الأحمر، شمالي مدينة “الحديدة”، وشاركت هذه القبيلة، بكثافة في فتوحات مصر، والمغرب، والأندلس، وكان منهم أمراء ورؤساء، وكان دارهم معروف باسمهم، في شمالي قرطبة، وإليهم نسب الحصن المعرف باسم “حصن غافق”. وكان حصناً حصيناً، ومعقلاً جليلاً.. وفي أهله نجدة وحزم، وجلادة وعزم”، وكان أكثر أهالي شقورة ينتسبون إلى غافق.
حكمته وقدرته العسكرية
هو أول من قضى على المعارك والمشاحنات بين المسلمين العرب والمسلمين البربر أو (الأمازيغ) ووحّد الصفوف من جديد بعد أن انتشرت الخلافات بحسب العرق وبحسب الانتماء عندما تداول أكثر من خمسة ولاة على إمارة الأندلس بعد استشهاد عنبسة بن شحيم، وخصوصاً بعد أن تولى الإمارة الهيثم بن عبيد الكناني الذي حكم الأندلس على أساس العرق والاختلاف فقد كان متعصباً لقبيلته.
وجاء عبدالرحمن الغافقي بعد ذلك ليعيد للمسلمين روح الإسلام الأولى ويبث فيهم التسامح والتعايش السلمي رغم الاختلاف العرقي ووحَّد صفوفهم المشتتة، فجمع بين المسلمين من العرب ومن البربر.
الغافقي القائد الإسلامي الذي شارك في فتح الأندلس ، قبل أن يتولى إمارتها، وعمل على تحسين أوضاعها الأمنية والثقافية، لكن الغافقي لم يكن والياً على الأندلس لمرة واحدة بل تم تكليفه مرة ثانية من والي إفريقية عبيد الله بن الحبحاب في 113هـ.
حنكته العسكرية
تميَّز القائد عبدالرحمن الغافقي من الناحية العسكرية بالحسم، وهو مبدأ في غاية الأهمية، ويحتاج إليه القائد، حتى لا تتشتَّت الأمور ويبعد الهدف في ظلِّ التراخي عن اتخاذ القرار وتأخير ذلك عن وقته.
كما تميَّز أسلوبه العسكري النابع من فكرة الصائب بالتوازن، بين ما يملك من قوى وما يُريد من أهداف، إضافة إلى اعتماد مبدأ الإعداد قبل التلاقي أي: إعداد الجنود والشعب كله قبل المعركة إعدادًا قويًّا من كافَّة النواحي، والتأكُّد من توافر كل أنواع القوة؛ بداية من قوة الإيمان بالله، مرورًا بقوَّة التماسك والأخوة بين أفراد الجيش جميعًا بل وأفراد الشعب، وانتهاءً بقوة الساعد والسلاح، وهي القوة المادية، وعدم الاستهانة أو التقليل من شأن أي نوع من أنواع هذه القوى فإن أي قصور في أي نوع منها كفيلٌ بجلب الهزيمة على الجيش كله.
بدايات بروزه سِمَاتِه القيادية
كان عبدالرحمن الغافقي من كبار القادة الفاتحين الشجعان، برز قائداً في جيش والي الأندلس السمح بن مالك الخولاني، وفي سنة 102هـ/721م، قاد السمح بن مالك جيشاً غزا به أرض الفرنجة في بلاد الغال (گاليا) انطلاقا من “سپتمانيا” ومركزها أربونة (نربونة) التي فتحها المسلمون قبلا في الجزء الجنوبي الغربي من “كاليسيا” واتخذوها قاعدة لهم.
وارتبط اسمه بمعركة بلاط الشهداء، وقد وصفه الحميدي في كتابه “جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس” قائلاً: «كان رجلاً صالحاً، جميل السيرة في ولايته، عدل القسمة في الغنائم، وقد كان عبدالرحمن قائداً بارعاً، ظهرت قدراته العسكرية في نجاحه في الانسحاب بجيش المسلمين الذي انهزم في طولوشة، كما أجمعت النصوص اللاتينية عن قدراته الحربية، وكانت له أيضًا مهاراته الإدارية.
وكان لقبيلة غافق دور كبير في تاريخ الإسلام، وشاركت بجموع غفيرة في فتح مصر إذ قال فيهم أبو عبيد “كان منهم في الإسلام أمراء ورؤساء” كما شاركوا في فتح الأندلس، واستقروا بها، وقال ابن حزم في حديثه عن غافق، ودارهم بالأندلس معروفة باسمهم في الجوف، في شمال قرطبة.
بلاط الشهداء
يعتبر الكثيرون هذه المعركة من المعارك الفاصلة في حياة البشرية كلها، إذ أوشكت أوروبا كلها على الدخول في الإسلام، تحت قيادة الفارس العربي عبدالرحمن الغافقي عام 114هـ، والبعض سمَّاها فتح فرنسا الذي كاد يحدث، لولا التفات المقاتلين المسلمين للغنائم، ودهاء إمبراطور أوروبا “شارل مارتل” الذي، كان صاحب فكرة مهاجمة مركز تجميع غنائم الجيش المسلم، ومن ثم التفات القوات لحماية الغنائم ليصبهم ما أصاب المسلمين في غزوة أحد.
بدأت أحداث معركة “بلاط الشهداء” في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ، فنشبت بين الجيشين معارك جزئية لمدة ثمانية أيام، وفي اليوم التاسع نشبت بينهما المعركة، وعلى مقربة من “نهر اللوار” هجمت فرسان المسلمين على صفوف الفرنسيين، حتى بدا الإعياء عليهم، ولاح النصر في جانب المسلمين وتكدست جثث القتلى من الجانبين طيلة النهار، حتى فصل الظلام بينهما واخترق الجنود المسلمون الصفوف وراء قائدهم الباسل عبدالرحمن الغافقي.
استشهاده
واستشهد الغافقي في 11 أغسطس من عام 114هـ في المعركة الحامية “بلاط الشهداء”، وفيها أبدى المسلمون بقيادة عبدالرحمن الغافقي في الأيام الثلاثة الأولى من المعركة شجاعة نادرة جعلت كفتهم تقترب من التفوق العددي، غير أن تلك القوات وبزعامة الدوق أدوار قامت بحركة التفاف في الأيام التالية على صفوف المسلمين، مما أدى إلى خسارة المعركة واستشهاد قائدها.

قد يعجبك ايضا