مما لا شك فيه أن الشائعات مرض “خطير” يهدد كيان أي أمة ولها أثرها السيء على الفرد والمجتمع أثر يؤدي إلى هلاك الفرد وضياع المجتمع ومن ثم يدور حديثي في السطور التالية حول الشائعات وأثرها على الفرد والمجتمع “مظاهر خطرها” ثم كيف عالجها الإسلام¿
إن الشائعات تطلق على الأخبار التي شاعت وانتشرت ولكنها استعملت في الأخبار التي تنتشر من غير تثبت وتطلق أيضاٍ على النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولاٍ وهي الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها أو هي ترويج خبر مختلف يحتوي على جزء من الحقيقة.
ومن ثم كان لها أثرها السيء فكم أوغرت من صدور وزرعت من غل وحقد وحسد وكم خربت من بيوت وفي عصرنا الحاضر أصبحت الشائعات أكثر رواجاٍ وانتشاراٍ وأبلغ تأثيراٍ على الأمة وأفرادها.
فمن آثارها السلبية أو مظاهر خطرها: التأثير السلبي في النفوس فهي تؤدى إلى ضعف النفس وتفريق المجتمع وعدم وحدته وهذا أخطر ما يهدد كيان أي مجتمع أن يتفرق المجتمع طوائف وأحزاب وفي هذا مخالفة صريحة لقول الله تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا..” سورة آل عمران.
علاوة على ذلك فإنها تؤدي إلى ضعف المجتمع لأنه حين يتفرق المجتمع بسبب شائعة مغلوطة أو مكذوبة بثها من لا ضمير له بين أفرد الشعب أو الوطن وترتب عليها انقسام وتفرق المجتمع فلا شك أنه يصبح مجتمعاٍ ضعيفاٍ أضف إلى ذلك ضياع الأمن والأمان إنه بسبب الشائعات الكاذبة بين أفراد المجتمع يضيع الأمن والأمان الذي هو من أجل نعم الله تعالى.
بل إن أخطر مظاهرها على الفرد والمجتمع أنها تعمل على انعدام الثقة بين أفراد المجتمع.
ولذا فالشائعات جريمة ضد الدين وضد الوطن وأفراده وضد أمن الوطن أيضاٍ وصاحبها قد ارتكب جرماٍ في حق دينه وحق وطنه وحق مجتمعه لأنها مثيرة للاضطرابات والفوضى.
كما أن الشائعات أشد من القتل لأنها تؤدي إلى الفتنة والله تعالى قال: والفتنة أشد من القتل” سورة البقرة. وقال أيضاٍ: (والفتنة أكبر من القتل) سورة البقرة.
فالله تعالى قد بين لنا أن الشائعات أشد من القتل وأكبر من القتل تارة أخرى وذلك لأن القتل يقع على فرد بعينه أما الشائعات فإنها فتنة والفتنة تعم جميع أبناء المجتمع لذا كانت أشد ضرراٍ كما عبر القرآن الكريم.
في الوقت ذاته تعمل الشائعات على شق الصف وضرب وحدته كما ذكرت سالفاٍ وهل هناك أدل على ذلك مما حدث في غزوة الأحزاب حين ظهرت طائفة من المنافقين الذين ينقلون الأخبار الكاذبة على سبيل إشاعتها بغرض شق الصف والعمل على تمزيق وحدته فقد تعلل هؤلاء في عدم الخروج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم: “إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراٍ “سورة الأحزاب آية رقم (13) فأظهر الله تعالى نفاقهم وبيِن أنهم لو خرجوا لكان خروجهم أشد فتنة لأنهم ينقلون الشائعات المغرضة التي تؤدي إلى تمزيق وحدتهم فقال تعالى: “لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاٍ لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمِاعون لهم والله عليم بالظالمين«. التوابة آية رقم (٧٤).
فبين الحق سبحانه أن هؤلاء المنافقين أصحاب الشائعات الكاذبة لو خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لكان هناك من يسمع لقولهم من شائعات مغرضة ومن ثم فضح الله أمرهم وكشف خداعهم.
وليس هذا فحسبْ بل إن الشائعات مطلب الفاسدين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في خلق الله تعالى “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابَ أليم في الدنيا والآخرة” . سورة النور.
فهناك من المفسدين الذين لا شغل لهم إلا نقل الشائعات وترويجها ومن ثم أعد الله لهم عذاباٍ إليماٍ في الدنيا والآخرة.
كما أن من أخطر مظاهر الشائعات على البشر إهدار الدماء وضياع الحقوق فبشائعة كاذبة تقتل نفس بغير حق ويضيع حق بالباطل بسبب شائعة لا أساس لها من الصحة وبسببها يفرق بين رجل وزوجه وبين أب وأبنائه وبين أخ وإخوته وبين أبناء وطن واحد ويتهم الناس بالزنا والسرقة والرشوة.. الخ
ومن ثم نجد أن الإسلام قد حارب الشائعات بكل الطرق وأغلق الباب على كل من يريد النيل من أعراض الناس أو العمل على تمزيق المجتمع وإشاعة الفوضى بين أفراده والإضرار بهم وليس هذا إلا لمصالح شخصية أو حزبية أو طائفية نهى عنها ديننا وحذرنا منها حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم.
لهذا وضع لنا الإسلام وسائل لمحاربة هذه الشائعات حفاظاٍ على المجتمع وأفراده وعلى كل مسلم وعلى كل إنسان أن يتمسك بها ومنها.
وجوب التثبت من الأخبار عند انتشارها في المجتمع والله أمرنا بذلك قال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأُ فتبينوا أن تصيبوا قوماٍ بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” سورة الحجرات.
ولذا لما جاء رجلاٍ إلى سيدنا عمر بن عبدالعزيز وقال له: إن فلانا يقول فيك كذا وكذا قال له سيدنا عمر: أنت إما صادق ” فأنت نمام والله تعالى قد قال: ” ولا تطع كل حلافُ مهين همازُ مشاءُ بنميم” وإما أنت كاذبَ فأنت فاسق كما قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأُ فتبينوا أن تصيبوا قوماٍ بجهالة..” الآية
هكذا حارب الإسلام الشائعات وأغلق الباب على كل من تسول له نفسه أن ينال من أمن الوطن والمواطنين وهكذا يجب على كل إنسان يقول أن يتثبت ولا ينقل كل ما يسمع وكل ما يوافق هواه بدون تثبت حفاظاٍ على الإنسان وأمنه وأمانه ووطنه وحفاظاٍ على دينه أولاٍ.
أيضاٍ من الحلول التي وضعها الإسلام لمحاربة الشائعات عدم ترديدها وعدم الخوض فيها مع الخائضين وذلك لأن ترديدها يؤدي إلى انتشارها وترويجها وهذه مساهمة فيها ومساعدة للمغرضين وإن كان بغير قصد منه إلا أنه أصبح مشاركاٍ في رواجها قال تعالى:” إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم” سورة النور
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراٍ أو ليصمت”..حديث صحيح متفق عليه.
في الوقت نفسه أمر الإسلام برد الأمر إلى أصحاب الاختصاص ففي حالة انتشار الشائعات أمر الإسلام كل إنسان ألاِ يقبل الأمر على عالته بل يرده إلى أصحاب الاختصاص وعدم إذاعته قال تعالى:” وإذا جاءهم أمرَ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلم الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاٍ”..سورة النساء 83 .
بل إن من أهم الوسائل التي عالج الإسلام بها الشائعات التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع وعدم التعصب لمنهج بعينه وعدم إيثار المصالح الشخصية بل تقدم المصلحة العامة أولاٍ وهذا الأمر يتحقق بنشر مفاهيم الإسلام الصحيحة بعيداٍ عن الغلو والتطرف والتمسك بالوسطية والاعتدال حتى مع المخالفين في الدين كما أمر الله تعالى في كتابه: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” سورة النحل.
وهذا يتطلب عدة أمور منها غرس الإيمان الصحيح في نفوس البشر والثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع وحسن الظن فيما بينهم ونبذ العصبية والخلاف حتى نكون كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاٍ ثم شبك بين أصابعه ” متفق عليه.
هكذا حارب الإسلام الشائعات ووضع العلاج لها من خلال كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعيداٍ عن التعصب وبعيداٍ عن الحزبية والمذهبية المغرضة بل تمسكاٍ بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قياماٍ على المنهج المعتدل الوسطي الذي أمر به القرآن والسنة المطهرة ومن ثم على كل مسلم أن يعمل بهذه الحلول التي رسمها الإسلام حفاظاٍ على دينه وأهله وماله وعرضه ووطنه ومجتمعه وأسأل الله أن يوفقنا إلى ذلك وإلى طريق مستقيم..اللهم آمين.
● عضو بعثة الأزهر الشريف باليمن
Prev Post
قد يعجبك ايضا