في محاضرته الرمضانية السابعة

قائد الثورة: بالتخلص من العادات المراهقة مالياً كتكاليف الزواج تتأمن بيئة إيجابية تدفع منكرات كثيرة

الإنسان بالذنوب والمعاصي ينحط عن إنسانيته والله أودع في فطرته ما يساعده على التقوى

حث قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية السابعة مساء أمس المجتمع على التخلص من العادات المراهقة مالياً كتكاليف الزواج الباهظة وغيرها، مشيراً إلى أهمية ذلك في تأمين بيئة اجتماعية إيجابية تدرأ المفاسد وتدفع منكرات كثيرة..
وأضاف: إن الإنسان بالذنوب والمعاصي ينحط عن إنسانيته ويسيء إلى هذا الجانب المهم الذي يميزه عن الحيوانات..
إلى نص المحاضرة:
الثورة /

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
تحدثنا بالأمس عن خطورة الذنوب، وأهمية التوبة، وعمَّا للذنوب من تأثيرات سلبية على حياة الإنسان، والواقع أنَّ الإنسان بالذنوب وبالمعاصي هو أولاً يخالف مقتضى العبودية لله -سبحانه وتعالى- نحن عبيد الله، ونحن مِلكه، وكل ما في هذا العالم هو ملكه، وكل ما نتصرف فيه في هذه الحياة، ونتحرك فيه في هذه الحياة هو ملكٌ لله -سبحانه وتعالى- فهو الرب المالك، وعندما نتصرف أي تصرف في أيٍّ مما خوَّلنا الله -سبحانه وتعالى- خارج حدود إذنه، خارج ما أذن لنا أن نتصرف فيه، فنحن نتصرف فيما لا نملك التصرف فيه، فيما لا نملك الحق أن نتصرف فيه، هذا يكون ظلماً، ولهذا توصف كل الذنوب والمعاصي بالظلم، هذا ركَّز عليه القرآن الكريم، فنحن نتصرف خارج حدود ما نملك، وبغير إذنٍ من الله -سبحانه وتعالى- الذي هو المالك الحصري لكل هذا العالم بكل ما فيه، والمالك لنا ولجوارحنا، ونحن لا نستطيع أن نتصرف خارج حدود ما خوَّلنا الله -سبحانه وتعالى- لا نملك شيئاً يكون مصدره من غير الله -سبحانه وتعالى- هذه الحياة بكل ما فيها، هذه الأرض بكل ما عليها هي من الله -سبحانه وتعالى- وهي لله -سبحانه وتعالى- فمخالفة مقتضى العبودية للتصرف من العبد خارج حدود إذن ربه المالك -جلَّ شأنه- بغير إذنه -سبحانه وتعالى- يعتبر مخالفةً لمقتضى العبودية الذي هو الالتزام، وألا نتصرف إلا في حدود ما أذن لنا فيه، والذي أذن لنا فيه هو واسعٌ وكثيرٌ، وهو ما فيه الخير لنا، وهو ما هو طيبٌ لنا، وصالحٌ لنا، وما فيه صلاح حياتنا، ليس هناك في مسألة ما أذن فيه وما لم يأذن فيه أي اعتبارات تعود بالنفع على الله -سبحانه وتعالى- هذه من الحقائق التي يجب أن نرسِّخها في أنفسنا، ليست المسألة أنَّ الله يتحكم فينا وفي مسألة الإذن لنا لاعتبارات تعود إليه،تعود إلى منفعةٍ أو منفعةٍ تعود إليه، ومصالح خاصة به، إنه -سبحانه وتعالى- أذن لنا في كل ما هو خيرٌ لنا، وفي كل ما هو صلاحٌ لحياتنا، ولم يأذن لنا في كل ما فيه مضرة على حياتنا، في كل ما له آثار سلبية على الإنسان كفرد، وعلى المجتمع من حوله، وعلى الحياة من حوله هذا أولاً.
وثانياً: نحن بالذنوب والمعاصي نسيء إلى ربنا المنعم الكريم، نقابل إحسانه وهو ولي كل نعمةٍ، وولي كل فضلٍ، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: من الآية53]، نقابل إحسانه العظيم وإحسانه الكبير، وكل ما بنا من نعمةٍ فمنه، بالإساءة إليه -سبحانه وتعالى- من خلال المعصية له، من خلال مخالفة توجيهاته وتعليماته -سبحانه وتعالى- وهذا أمرٌ سيءٌ بالنسبة للإنسان: أن يقابل نعم الله، وإحسان الله العظيم الكبير، وكرم الله الواسع، أن يقابله بالإساءة، وأن يستخدم نفس النعم التي أنعم بها الله عليه، وما أعطاه الله -سبحانه وتعالى- وما هو من الله -سبحانه وتعالى- يستخدمه بنفسه، يستخدمه بذاته فيما يسيء فيه إلى الله -سبحانه وتعالى- إذا كنت تفترض أنك لن تستخدم أي وسيلة، ولا أي شيء من الله -سبحانه وتعالى- حتى تقول: [أنا لم أستخدم ما هو منه في مخالفته، في الإساءة إليه]، فما هو هذا الشيء؟! هل هناك جارحة من جوارحك، حاسةٌ من حواسك، شيءٌ فيك أنت من قدراتك، من مواهبك، من ملكاتك، ليس من الله، ما هو؟ لا، لا تملك شيئاً، كله من الله، ما خوَّلك الله فيه في هذه الحياة خارج حدود جوارحك وجسمك ونفسك، ما على هذه الحياة في محيطك كله من الله -سبحانه وتعالى- ولذلك عندما تقابل نعم الله العظيمة، كل نعمةٍ منها نعمة عظيمة جداً، لو تتأمل في كل نعمةٍ بمفردها كم هي عظيمة، كم فائدتها لك في هذه الحياة، نعمة البصر، نعمة البصر من أعظم النعم، نعمة عظيمة جداً، كم هي أهميتها لك في كل شؤون حياتك، عندما تستخدم هذه النعمة في معصية الله بالنظر إلى الحرام، عندما تستخدم هذه النعمة وتشغلها في خدمة الباطل، أو فيما فيه فساد… أو غير ذلك.
نعمة السمع كذلك من النعم العظيمة، الجوارح: اليدين، الرجلين، كل هذه الجوارح تعتبر نعما عظيمة من الله -سبحانه وتعالى- عندما تستخدمها في معصية الله، اللسان والبيان الذي هو من أعظم النعم التي أنعم الله بها عليك، عندما تستخدمه في معصية الله -سبحانه وتعالى- ثم ما يمكنك الله منه في هذه الحياة من وسائل وإمكانات فتستخدمها في معصية الله -سبحانه وتعالى- أنت تقابل نعمه هو بالإساءة من خلالها إليه، وهذا أمرٌ شنيعٌ وقبيح.
وأيضاً فيما يتعلق بالمعصية وفيها اعتداء، يعتدي على الحياة من حوله؛ لأن كل الذنوب وكل المعاصي هي تصرفٌ ضار، وله آثار سيئة في هذه الحياة، فكلها تعدٍ، وكلها اعتداء، والإنسان أيضاً يسيء إلى نفسه بالمعصية وهذا اعتبارٌ رابع، يسيء إلى إنسانيته، ينحط في إنسانيته؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- منح هذا الإنسان في فطرته منحه من الملَكات ومن عناصر الخير ما يسمو به، فلا يكون في هذه الحياة وكأنه ومجرد وحش يعمل بالغريزة، ويتحرك وفق الغرائز النفسية بدون أي ضوابط ولا حدود ولا قيود، الله منح هذا الإنسان في فطرته وأودع في فطرته ما يساعده على التقوى، ما يساعده على السمو بالنفس، ما يساعده على التصرف بشكلٍ صحيح، ما يساعده على الالتزام بالقيم وبمكارم الأخلاق، ما يساعده على أن يضبط تصرفاته بضابط الأخلاق والقيم والرشد، والتصرفات الصحيحة، وبمعيار الحكمة، فهذا يعتبر شرفاً كبيراً للإنسان، ومسؤوليةً على هذا الإنسان؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- في الوقت الذي أودع فينا غرائز معينة، فهو -جلَّ شأنه- وفَّر لنا أولاً من الحلال ومما فيه الخير ما يمكن أن يستوعب غرائزنا هذه، ما يمكن أن نشغل فيه غرائزنا هذه، هو -سبحانه وتعالى- لم يودع فينا هذه الغرائز ثم يحرم علينا استغلالها، أو الاستفادة منها في أي شيء، ثم يتجه -سبحانه وتعالى- في تشريعاته وفي تعليماته إلى كبت هذه الغرائز في أنفسنا.
ليس الأمر هكذا، هو -سبحانه وتعالى – جعل لنا من الحلال الطيب ما يستوعب هذه الغرائز، وما نفعِّل فيه هذه الغرائز، فتؤدي هذه الغرائز دوراً إيجابياً في هذه الحياة، ثم في نفس الوقت هو -سبحانه وتعالى- هيأ فينا وفي فطرتنا ما يساعدنا على المستوى النفسي، على المستوى المعنوي، على مستوى المشاعر والوجدان على ضبط هذه الغرائز، وعلى أن نعمل على موازنتها حتى تكون متوازنةً في هذه الحياة، وهذا هو الذي يسمو بالإنسان، لا يكون كبعض الحيوانات التي تعمل بالغريزة فقط، ليس عندها ضوابط معينة، ضوابط أخلاقية، ولا ضوابط ترتبط بمعيار الحكمة وحسن التصرف، فالله -سبحانه وتعالى- عندما قال في القرآن الكريم عن النفس البشرية: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 9-10]، الإنسان يسيء إلى إنسانيته في هذا الجانب المهم فيها: الفطرة، وما أودع الله فيها من القيم، من الأخلاق، من عناصر الخير التي توجد توازناً لدى الإنسان بين غريزته وبين الجانب الأخلاقي في هذه الحياة، والقيم النبيلة في هذه الحياة، والتصرفات المتوازنة في هذه الحياة، وهذا التوازن هو الذي يدفع عن الإنسان الكثير من الشرور، الكثير من المخاطر، الكثير من الأضرار، وهذا التوازن في الحياة، وهذا الانضباط في واقع الإنسان في غريزته هو الذي يتيح للإنسان استغلال هذه الغريزة إيجابياً، فيتحول دورها من دورٍ سلبيٍ وضار في هذه الحياة، إلى دورٍ إيجابيٍ ومفيدٍ ونافعٍ في هذه الحياة، كما هي مثلاً الغريزة الجنسية ورغبة الرجل في المرأة ورغبة المرأة في الرجل، كلاهما يرغب في الآخر، هذه الرغبة لها سبيلها الذي هو الزواج، والذي من خلاله يساعد على بناء الأسرة، ويساعد على دوام النسل البشري، ويوجّه هذه الغريزة بشكلٍ إيجابيٍ ونافعٍ في الحياة، ويبعدها ويزيحها عن الجانب السلبي، وعن الأضرار التي تلحق بالناس في حياتهم الاجتماعية وفي حياتهم الصحية، وهكذا بقية الغرائز، غريزة الشجاعة في الإنسان يوجهها فيما فيه دفاعٌ عن الحق، عن العدل، مواجهةٌ للظلم، عملٌ على إقامة الخير في الحياة، دفع المفاسد في الحياة… إلى آخره، وبقية الغرائز.
فالإنسان بالذنوب والمعاصي هو ينحط عن إنسانيته، ويسيء إلى هذا الجانب المهم الذي يميزه عن الحيوانات التي تعمل بالغريزة، وهذه المسألة مهمة جداً، ويجب أن نستوعبها جيداً، وأيضاً لا مبرر للإنسان في التوجه نحو المعاصي والذنوب، الدوافع التي قد يبرر بها الإنسان اندفاعه لفعل المعاصي والذنوب، يمكن أن يتجه الإنسان مع تصويب تلك الدوافع واتجاهها نحو ما فيه الخير له، نحو ما أذن الله فيه، نحو ما لا معصية فيه وهو يلبي للإنسان، هو كفيلٌ بأن يلبي للإنسان ما يمثِّل حاجةً غريزيةً له، أو حاجةً فطريةً له، أو حاجةً ملحةً لحياته، وبالذات إذا اتجه المجتمع بشكلٍ عام توجهاً إيجابياً تتوفر الظروف المساعدة على الاستقامة والصلاح على نحوٍ كبير، وتتوفر الظروف الملائمة لصلاح المجتمع، وبالتالي صلاح الفرد كفرد، وتتعالج كثير من السلبيات التي تهيئ بيئة ملائمة لظهور المفاسد والمعاصي والمنكرات.
على سبيل المثال: إذا اتجه المجتمع اتجاهاً إيجابياً فيما يتعلق بتخفيض تكاليف الزواج، وتخلص من كثير من العادات المرهقة مالياً، واعتمد مبالغ في مقدور الناس أن يوفروها كتكاليف للزواج، وتساعد في ذلك مع الفقراء، هنا تتأمن بيئة إيجابية كم سيدفع بها من مفاسد ومنكرات كثيرة، إذا تعاون المجتمع فيما بينه على التصدي للظلم والتصدي للطغيان كم سيكون قوياً في دفع شر الأشرار، وشر المفسدين، وشر الظالمين، وشر المجرمين، وهكذا أشياء كثيرة التعاون يساعد عليها.
مما يجدر بنا الإشارة إليه في خطورة الذنوب والمعاصي، وما يترتب عليها في واقع الإنسان أن الله -سبحانه وتعالى- وهو ملك السماوات والأرض، لا يمكن أبداً أن يترك عباده هملاً، من يريد أن يسيء، من يريد أن يظلم، من يريد أن يرتكب الجرائم، من يريد أن يتنصل عن المسؤوليات المهمة التي لا بدَّ منها لإصلاح واقع الحياة، من يريد أن يثبط عن الأعمال الصالحة… وهكذا يترك عباده هملاً، هذا غير ممكن أبداً؛ لأنه الحكيم -جلَّ شأنه- وهو العزيز، وهو -جلَّ شأنه- لا بدَّ أن يفرق بمقتضى حكمته بين المحسن والمسيء، بين المجرم والمؤمن، بين الصالح والفاسد، هو -جلَّ شأنه- القائل في كتابه الكريم: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص: الآية28]،هل يمكن؟! لا بدَّ ما يفرق في هذه الدنيا وفي الآخرة فيما يترتب على ذلك مما يكتبه -سبحانه وتعالى- في هذه الدنيا وفي الآخرة.
ولذلك الذنوب خطيرة جداً، الله -سبحانه وتعالى- يعاقب على الذنوب، الذنوب لها تأثيراتها الكثيرة، والمعاصي لها أخطارها الكبيرة على الإنسان في نفسه، ثم النتيجة، الفعل نفسه كضرر، ثم النتيجة ما يترتب على ذلك في واقع الحياة، ثم العقوبة الإلهية التي يأتي منها عقوبات في الدنيا متنوعة: أوبئة، أمراض فتاكة، أحداث وكوارث معينة تحصل كعقوبات للناس في هذه الحياة، أو ما يأتي منها في الآخرة- والعياذ بالله- وهو النار، جهنم- والعياذ بالله- وسوء الحساب يوم القيامة.
فالمسألة خطيرة جداً، الإنسان الذي يحاول أن يبرر لنفسه استمراريتها في المعاصي، وما هو عليه من الاستهتار واللا مسؤولية في تصرفاته وأعماله، هو يورط نفسه؛ لأن العقوبة حتمية، لا يخلّص الإنسان من العقوبة إلا التوبة؛ أما الإصرار على الذنب، والاستهتار واللا مسؤولية في التصرف والعمل، فهو لن يجديك شيئاً إذا كنت تمنّي نفسك بالشفاعة، فالشفاعة ليست للمستهترين، والمجرمين، والفاسدين، والفاسقين، والذين لا يتحلون بالمسؤولية في هذه الحياة، والذين يعملون ما يشاءون ويريدون وفق هوى أنفسهم، بكل ما لذلك من أضرار وسلبيات كبيرة في هذه الحياة، ليست الشفاعة لهذا النوع من الناس: المستهترين، اللا مبالين، اللا مسؤولين في تصرفاتهم وأعمالهم.
المسألة خطيرة جداً، الذي يخرجك من الذنب، من المعاصي، هو التوبة والإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوبة جُعِلت لهذا، من رحمة الله من فضله أن جعل التوبة لتكون هي الطريق التي يخرجنا من الذنوب، والطريقة التي تخرجنا من سخط الله -سبحانه وتعالى- والطريق التي تقينا من عذاب الله -سبحانه وتعالى- على الأعمال السيئة والمعاصي والذنوب، ما كان من الذنوب عبارةً عن جرائم أو معاصٍ ارتكبها الإنسان مما فيه تعدٍ لحدود الله، وما كان منها تقصيراً وتفريطاً في الطاعات، في الأعمال الصالحة، في الأعمال التي أمرنا الله بها، في المسؤوليات التي حمَّلنا الله إياها.
ولهذا أتى في القرآن نداء الرحمة، يتوجه إلينا ينادينا بالتوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التحريم: من الآية8]، هذه التوبة وعد من خلالها بأن يكفر عنا سيئاتنا، لا يبقى لها أي أثر، حتى يوم القيامة لا تكون في صحف أعمالنا، ولا نسأل عنها، ولا نشهَّر بها يوم القيامة، ثم التوبة النصوح تمحي تأثيرات المعصية نفسياً على الإنسان نفسياً؛ لأنها تغطي كل هذه الآثار، وتمحو كل هذه الآثار السلبية، وتسقط عنك الوزر الكبير للذنب، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم.
يأتي أيضاً الأمر بالتوبة بشكلٍ جماعي، يقول الله -جلَّ شأنه-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: من الآية 31]، حالة الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- والإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوجه الجاد نحو الالتزام بتوجيهاته -سبحانه وتعالى- هي الحالة التي يجب أن نكون عليها جميعاً كمجتمعٍ مسلم، فإذا لاحظ الإنسان أنه خالف شيئاً من توجيهات الله، رجع، وتاب، واستغفر، وندم، واتجه اتجاهاً جاداً للالتزام العملي والطاعة لله -سبحانه وتعالى- فإذا لاحظ أنه زل هنا أو هناك هكذا يبادر بالرجوع، حالة الرجوع يجب أن تكون حالة مستمرة في واقعنا كمسلمين وكمجتمعٍ مؤمن، وبها الفلاح؛ أما إذا كان الإنسان مستهتراً تتراكم الذنوب، تتراكم المعاصي، وتكبُر تأثيراتها على نفسه، وتعظم تأثيراتها السلبية في واقع الحياة من حوله، فيكون لهذا الأثر السيئ على الإنسان في نفسه، يتخرب، يفسد، يفسد الإنسان وتفسد نفسيته، ثم يعظم انحرافه ويسوء في هذه الحياة، وتكثر أعماله السيئة، ويتجه اتجاهاً سلبياً، قد يصل إلى درجة الخذلان التام والعياذ بالله -سبحانه وتعالى-.
الله -سبحانه وتعالى- يقدِّم أيضاً وعداً للإنسان بأنه إذا رجع إلى الله، وتاب، وأناب إليه بصدق؛ أنه سيغفر له، حتى لا يكون الإنسان محبطاً، أو يائساً، أو قانطاً من رحمة الله، يقول الله -جلَّ شأنه- في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: الآية110]، هذا وعد من الله -سبحانه وتعالى- وعد بالمغفرة، إنك عندما تعمل سوءاً، أو تظلم نفسك، ثم تندم وتعود بالتوبة النصوح والصادقة إلى الله -سبحانه وتعالى- وتطلب منه المغفرة، وتسعى لنيل مغفرته، أنه سيغفر لك؛ ولذلك لا مبرر للإنسان في استمراره على الذنب، في إصراره على المعصية، لا مبرر له، وإذا يئس فاليأس بنفسه ذنب، هو ذنبٌ آخر، وإذا قنط من رحمة الله فهذه معصية أخرى، عظيم فضل الله -سبحانه وتعالى- وسعة رحمته وكرمه أنَّ اليأس من رحمته ذنب بحد ذاته؛ ولذلك لا مبرر للإنسان في الإصرار على الذنب، بل إنَّ الحالة الصحيحة للإنسان المؤمن، للإنسان الذي يتقي الله -سبحانه وتعالى- أنه إن زل، أو قصَّر، أو فرَّط فيما هو طاعة لله، فيما هي مسؤوليةٌ عليه، وانتبه؛ يبادر فوراً إلى التوبة، يبادر، لا يتأخر، لا يسوِّف، ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- عن عباده المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: الآية135]، نلاحظ في هذه الآية المباركة كيف أنهم أولاً: يذكرون الله؛ لأنهم لا يستمرون في حالة الغفلة عن الله -سبحانه وتعالى- قد يسهو، قد يغفل لبعض الوقت، ولكنه ينتبه، يتذكر الله -سبحانه وتعالى- لا يستمر في حالة الغفلة عن الله -سبحانه وتعالى- أوقاتاً طويلة، فيتمادى في عصيانه، فيصر على ذنبه. لا، هو ينتبه، ويذكر الله، عند ذكره لله يتحرك فيه الخوف من الله -سبحانه وتعالى- والحياء من الله -سبحانه وتعالى- فيبادر فوراً: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، يستغفر الله، ويتوب إلى الله توبةً نصوحاً جادةً صادقة، ويقلع عن المعاصي، يقلع عنها، يقلع عن تلك المعصية، يقلع عن ذلك الذنب.
{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، الإصرار على الذنوب من أخطر الأمور على الإنسان، الإصرار على الذنب، سواءً كان هذا الذنب معصية بشكل تجاوز لحدٍ من حدود الله، ومخالفة لنهيٍ من نواهي الله -سبحانه وتعالى- أو كان هذا الذنب تفريطاً في طاعة مما أمرنا الله وألزمنا به من مسؤولياتنا التي حملنا الله إياها، كلاهما يعتبر ذنباً، ويعتبر معصيةً؛ لأن البعض لا ينتبه لهذا الجانب الآخر، الذي هو التفريط في الطاعة اللازمة.
الإنسان إذا أصرّ، هذا الإصرار خطيرٌ جداً على الإنسان، تفسد نفسيته، يؤثِّر الشيطان فيه أكثر، يتمكن من التأثير عليه، في نفس الوقت يعظم سخط الله عليك، يكبر غضبه عليك، وقد تصل والعياذ بالله إلى حد الخذلان، أن يخذلك الله، فلا يمنحك شيئاً من رعايته، ومن رحمته، ولا يتوب عليك فيوفقك لل

قد يعجبك ايضا