صلاة الحروف في محراب الصمود
سعاد الشامي
اليوم… تتفتح شهية القلم وتثور براكين اللغة ، وتتسلق الكلمات جبال المعجزات ، وتتأنق الحروف بزي منسوج من حرير الصمود ، وترفرف المشاعر في سماء الأفئدة بجناحين من نور البصيرة ونار العزيمة.
فلا تلوموني وزملوني بالعذر إن صار حرفي اليوم متعبدا في محراب الصمود وطاف حول كعبة الثبات فمن يستشعر آثار النعم وجبت عليه صلاة الشكر وابتهالات الحمد والثناء.
لن أنسى أشلاء الأطفال والنساء وهي تتناثر هنا وهناك…. فأنا دائما أمتطي راحلة الذاكرة وأسافر إلى دروب المظلومية الراسية في عمق قلبي منذ الضربة الأولى ، ولن تكف لساني عن لعن تلك الضمائر التي انحسرت خارج أسوار اليمن ، ولن أؤمن بتلك المبادئ الإنسانية التي ذابت في مواقد الجاهلية الأخرى ، ولن يفارقني منظر الدمع وهو يحبو من حدقات العيون التي أثكلها فقد الأحبة ونكلت بها أفواج الكروب والمآسي.
لكن اليوم… وجب علينا أن نتباهى بصمودنا ، وأن نرتل آيات الفخر والشموخ ، ونغمر فهرس حديثنا برقائق البهجة والسرور ، ليدرك العالم أننا اليوم نرتشف عذوبة العزة والكرامة من ينبوع الصمود ، وليفهموا أن الصبر وإن كان حملا ثقيلا لكنه طوق نجاة للمستضعفين الواعين والمظلومين المتحركين.
ألم يهزم صمودنا جحافل الطغاة والمعتدين.. فاصفرت قلوبهم من ذعر خمسة أعوام فلم يبقى أمامهم اليوم إلا محاولات عبثية تحتضر على أطراف الجبهات قد تكون سكرات الرحيل؟
ألم يصنع صمودنا شمس الحرية ، التي ترنو اليوم نحو أرض السعيدة بعدما لملمت شوائب العتمة ، وشقت ستار الصعاب وصنعت المعجزات العظام ؟
ألم يمسح صمودنا من على وجه الوطن كل أوهام الانكسار ومحاولات التفرقة وصار التماسك والتلاحم عنواننا ؟
ألم يغربل صمودنا الساحة الوطنية وكشف أقنعة المنافقين المسيسين بندوب الخيانة والارتزاق ، الذين نكسوا شعائر وطنيتهم وإنسانيتهم وهجعت أرواحهم المدنسة لشعائر الأعداء ، واقتطعوا أضحية من أجساد الأبرياء من أبناء جلدتهم ليطعموا بها شيطان الأرض ؟!
ألم يفضح صمودنا المعلومات الملغومة بالأكاذيب والأباطيل المنتشرة على أبواق الدجل والخداع والتي حاولوا من خلالها أن يهزموا نفسيتنا ، فنفضنا عن أعينا رماد الكذب وصوبناها على نبراس المسيرة ، فجاء الإعلام الحربي ليكشف زيفهم ويحرق أعصابهم ويدمر عقولهم ويشل حركة أفكارهم بتلك المشاهد الأسطورية التي يعرضها من قلب الحدث ومن داخل المعارك ؟
ألم يتصيد صمودنا جرذان التكنولوجيا ورواد الضغينة ، المندسين في كل المواقع لنشر السموم الفكرية ولدغ القلوب الضعيفة ، ففضحهم الله وأحبط أعمالهم وكانوا شهود على عفونة أخلاقهم ؟!
ألم يثبت صمودنا أن أرواحنا الثائرة والبطولية لا تقبل بمعادلات الذل والانكسار مهما عصفت بها رياح المصاعب وهوت عليها سياط المحن وطالت عليها السنين ؟
ألم يرهب صمودنا الأعداء بتلك المنظومات القتالية اليمنية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والدفاعات الجوية التي تخترق الحراسات الشديدة وتنسف كل القلاع المنيعة وتذيقهم طعم البأس اليماني ؟
“فلك الحمد يا الله على هذه النعمة”.. ترددها شفاه أدمنت التسبيح وتنبض بها قلوب يمانية تعتصم على ضفاف تأييدك ورضاك.