الهوية الإيمانية.. خلاصة الثمرة العظيمة لكتاب الله والهدي النبوي

 

علماء دين: لابد من تصحيح الثقافات المغلوطة والوقوف بالناس على البينات الإيمانية
باحثون: الهوية الإيمانية كانت ولاتزال في مرمى استهداف الفكر الوهابي ولا بد من ترسيخ جذورها في قلوب اليمنيين

تعتبر الهوية الإيمانية خلاصة الثمرة العظيمة لكتاب الله سبحانه وتعالى والهدي النبوي وذلك لما لها من تأثير إيجابي في بناء النفس البشرية وتهذيبها والارتقاء بالإنسانية إلى الكمال الأخلاقي والعقلي والزكاء الروحي والطهر النفسي الذي يؤهل الإنسان للارتباط الحقيقي بالله سبحانه وتعالى فهي مسألة ليست ببعيدة عن تعاليمنا الإسلامية ولا بغريبة على معتقداتنا بل إنها تحفيز للعودة إلى الأصول والثوابت الدينية والثقافة القرآنية و لم يكن اختيار السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله للجامع الكبير بصنعاء مكانا لتدشين الهوية الإيمانية إلا لما يحمله من رمزية دلالية عميقة فقد مثل الجامع الكبير منارة علمية ومعرفية وجامعة إسلامية منذ عصور الإسلام الأول كما أنه أول مسجد بناه اليمنيون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويرتبط في الوجدان والذاكرة بالإمام علي عليه السلام الذي بعث إلى اليمن ليدشن هوية الإيمان اليمنية العظيمة..
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام أجرينا عدة لقاءات مع بعض العلماء والباحثين والذين تحدثوا عن أهمية الهوية الإيمانية ودورها في بناء الأمة نقرأها من خلال سطور هذا التقرير.

تقرير: حاشد حسين مزقر

صنعاء التي يتوسطها الجامع الكبير تخبئ بين جدرانها الكثير من قصص وحكايات جمعت بين من لبوا دعوة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وبين آل رسول الله وأصحابه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومعاذ بن جبل ولارتباط الهوية الإيمانية بهذا المكان العظيم كانت البداية من هنا.
برامج تفعيل
العلامة عبدالله الراعي مفتي الجامع الكبير قال: الهوية الإيمانية هي مسألة ليست ببعيدة عن تعاليمنا الإسلامية ولا بغريبة على معتقداتنا إنها تحفيز للعودة إلى الأصول والثوابت الدينية والثقافة القرآنية لنكون جميعاً في خندق واحد بالقول وبمعية العمل وبملازمة الفعل الذي يعكس القناعة والإيمان بهذه الثوابت وهذا الإيمان.
وزاد بالقول: الهوية الإيمانية هي معرف موضوعي لطبيعتنا كمسلمين والتعاطي معها ينبغي أن يحتكم إلى عقلانية النقاش بروحية عالية مهيأة للتفهم والقبول بالطرح وكثير من الأفكار نجحت للأسف الشديد في تسميم ثقافة شريحة لا يمكن الاستهانة بها من المثقفين أدخلتهم في دائرة الشك التي طالت حتى الشك في المعتقدات يدخلون في جدال يضعفهم أكثر مما يوصلهم إلى الحقيقة زعزعت ثقتهم بهويتهم فباتوا في حالة استلاب عن تحديد الحقائق بل حتى عن تمكين الذات فرصة للتأملّ في خلفيات المفهوم.
علماء الأمة من حملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تصحيح الثقافات المغلوطة والوقوف بالناس علشى البينات بالاستناد على قاعدة متينة ثابتة قوامها المنهج الرباني ومضامينه آيات الله وأحاديث رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله والاجتهادات الخالصة عمن ساروا على هديه.
تعميق الهوية الإيمانية
في ذات الموضوع التقينا الشيخ محمد الجمال شيخ مشايخ القرآن في الجامع الكبير وكان موضوع(الهوية الإيمانية) محورا للنقاش وخلص إلى القول :أن الاحتفال بذكرى دخول اليمنيين في الإسلام هو بذاته تعبير صادق عن أصالة الهوية لليمنيين وارتباطهم المباشر بالمصادر الأصيلة في الإسلام من صحابة المصطفى وأهل بيته من الإمام علي ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما مضيفا: نركز في الجامع الكبير ومن خلال حلقات التعليم كيف تعمق الهوية الإيمانية في نفسية الطالب وكيف ننقلها إلى الآخر من خلال الطالب الذي يخرج خطيبا أو قاضيا وعندما يعايش المجتمع ينقل صورة عن تحديد الهوية فالجامع يرسل أيضا الخطباء والمرشدين والوعاظ إلى المساجد وإلى القرى والمناطق المختلفة لتوعية الناس بمعنى الهوية الإيمانية الحقيقية التي كادت أن تطمس منطلقين من صنعاء القديمة التي هي الحاضنة الأساسية للجامع طبعا منذ فترة مع دخول بعض الأفكار انطمست بعض المعالم والمظاهر ونحاول إحياءها ولكن سوف يكون ذلك إن شاء الله من خلال العديد من البرامج القادمة.
الهوية والتعايش المذهبي
رئيس ملتقى التصوف الإسلامي عدنان الجنيد في ورقة عمل بعنوان (الهوية اليمنية في مرمى الاستهداف الصهيو – وهابي).. أشار فيها إلى التعايش المذهبي بين أبناء الشعب اليمني وأبرزهما هما المذهبا الزيدي والشافعي على مر التاريخ.
وأرجع استهداف الهوية اليمنية إلى أن اليمنيين هم أوائل الذين أسلموا ولحقوا بركب المصطفى عليه الصلاة والسلام أفرادا وجماعات إلى جانب أن الإسلام انتشر عبر أبناء اليمن في أنحاء المعمورة وهم المدد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولفت الجنيد إلى خطوات استهداف الهوية اليمنية عبر الفكر الوهابي الذي عمل على إنشاء المعاهد الدينية والجمعيات الخيرية بغرض طمس الهوية الإيمانية والمعالم الدينية.. لافتاً إلى أن هذه المعاهد والجمعيات ساهمت في تفريخ المراكز الوهابية وتوسع انتشارها خلال الفترة الماضية في محاولة لضرب الهوية اليمنية بكافة شرائحها ومكوناتها.
أصالة الهوية الإيمانية
ويشير الباحث حمود الأهنومي إلى أن دخول أهل اليمن الإسلام تعتبر ذكرى عظيمة تتجدد فيها أصالة الهوية لليمنيين وارتباطهم المباشر بالمصادر الأصيلة في الإسلام من صحابة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأهل بيته من الإمام علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهما
وتطرق الباحث الأهنومي إلى فضائل أهل اليمن في القرآن الكريم قال تعالى “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
كما لفت إلى فضائل أهل اليمن أيضا في السنة المطهرة قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه بن عباس رضي الله عنه “يأتيكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة يريد القوم أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم”، وقوله “الإيمان يمانٍ وهم منّي وإليّ وإن بعُد منهم المربع ويوشك أن يأتوكم أنصاراً وأعواناً فآمركم بهم خيراً”.
وذكر أن: “القيمة الإنسانية قيمة عظيمة في الهوِية الإيمانية”، وذكر أن “أسوأ عملية مسخ للإنسان اليمني أن يخرج من الحالة الإيجابية الراقية التي عرف بها الإنسان اليمني الإسلامي وهويته والتي توارثها منذ فجر الإسلام، ومنذ الصدر الأول للإسلام على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى يد تلامذته العظماء، وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومعاذ بن جبل، وغيرهما”.
وفي استعراضه لشواهد تاريخية تدل على الهوية الإيمانية لليمنيين.. أشار الباحث إلى أن “إسلام أهل اليمن إسلام قوي وقويم، ودائما وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع”.. وقال: “واليمنيون اليوم يقدمون نموذجاً رائداً للإيمان النقي والمواجه والمحمدي الأصيل على مستوى العالم الإسلامي؛ ولهذا ليس بعيداً أن تكون اليمن هي رائدة العمل الإيماني والجهاد الإيماني في زمن الارتداد”..
ويضيف الباحث “وأظهرت الأحداث المعاصرة والمواقف اليوم في آخر الزمان، أن إيمان المؤمنين في اليمن علماء ومجاهدين وقادة ومواطنين “على نحو راق، ومتميز وهم في طليعة الأمة بكل ما يمثله إيمانها من مبادئ وقيم وأخلاق وروحية” على حد وصف السيد القائد -سلام الله عليه-.
الباحث أوصى في نهاية حديثه بأن تكون استجابتنا معبرة عن هذه الهوِية علماً وجهاداً وأخلاقاً وفكراً وثقافة وتحركاً وانطلاقة، وتضمين هذه الهوِيّة في الدستور والقوانين وأن تشتق منها فلسفة الدولة اليمنية العادلة ومناهجها التعليمية والإرشادية والتثقيفية وأولوياتها وغاياتها.
الاستلاب الثقافي والحضاري
فيما تؤكد الباحثة الاجتماعية والمهتمة بالدراسات التاريخية لليمن نجاة الشامي: إن من اخطر أوجه التدخل السعودي في المنطقة العربية هو محاولة طمس الهوية التاريخية والإيمانية للشعب اليمني وغزوها فكرياً وبحسب دراسات قامت بها الباحثة، فإن العدوان السعودي على اليمن يمتد تاريخياً إلى ما قبل معاهدة الطائف 1934م، بل إن جذوره أبعد من ذلك وقد لا يكون من قبيل المبالغة أنها تمتد إلى البدايات الأولى لتأسيس إمارة آل سعود.
وتقول الشامي: لقد اتخذ عدوان آل سعود على اليمن صوراً وأساليب عدة تتمثل في الاستلاب الجغرافي لليمن، والاستلاب الثقافي والحضاري ومحو الهوية الإيمانية والقيم النبيلة التي قام عليها المجتمع اليمني والجغرافيا والموروث الحضاري والثقافي والهوية والقيم النبيلة وقد تزامن العدوان السعودي على اليمن مع محاولة زرع الفكر الوهابي المتطرف في المجتمع اليمني الذي يمتاز بالتنوع الفكري والمذهبي ويسوده التسامح والإخاء والتراحم والتعاون. ولم يكن له أن ينجح في التسلل إلى نسيج المجتمع اليمني إلا عندما سُمِحَ للسعودية بتمويل وإدارة المعاهد العلمية (ذات المنهج الوهابي)، وكذا إطلاق يدها في تمويل استراتيجيات تطوير المناهج الدراسية النظامية مما سمح لها بتوظيف عددا من التربويين في عملية صياغة بعض من مواضيع الكتب الدراسية كذلك السماح لها ببناء المساجد وإدارتها، وإنشاء وإدارة الجمعيات “الخيرية” وتمويلها كل هذه المنظومة هي التي خرَّجت آلافاً من الشباب الذي يحمل بذور الفكر الوهابي البغيض، ذلك الفكر الذي يستبيح الدماء والأعراض، ويبث الكراهية والحقد، ويشوه كل مبادئ الإسلام وقيمه ويفرغها من محتواها، ويضرب النسيج الاجتماعي والتسامح في المجتمع، فأصبحوا بمثابة اليد التي تنفذ ما يريده آل سعود بعد أن تم انخراطهم في التنظيمات التي تدعي الإسلام- والإسلام منها براء- فالإسلام دين رحمة.. لا دين وحشية، ودين قيم وأخلاق.. لا دين همجية وعبثية، دين عدل وإنصاف.. لا دين ظلم وتجبر.
ووفقا للباحثة نجاة الشامي: “منذ ذلك الوقت بدا ظاهراً للعيان أن وراء كل المواقف والأفعال من آل سعود- الرامية إلى زعزعة أمن واستقرار اليمن، وإثارة الفتن والصراعات المسلحة وتغذيتها – تقف أطماع السعودية وأهدافها لضرب اليمن اقتصادياً، واستلابه جغرافياً وحضارياً وثقافياً، ومحو هويته وأصالته وعراقته، ومحاولة (إعادة تدوير) بعض أبناء اليمن وتحويلهم إلى مسوخٍ مشوهة فكرياً وعقائدياً، فتنكروا لوطنهم وباعوا أنفسهم عبيداً أذلاء يتسولون الصدقات على أبواب أمراء آل سعود وتبرز بعض أدوات العدوان السعودي بأبعاده وأهدافه والحرب الطويلة على اليمن في نشر هذا(الفكر) المتطرف في اليمن، وضرب اللحمة الاجتماعية، وشراء الذمم وتأجيج الصراعات بين أبناء الوطن الواحد. وإذكاء الخلافات المذهبية والمناطقية عبر ما زرعه الفكر الوهابي من التكفير واستباحة الدماء والأعراض والأموال، ودعم الإرهاب، واختطاف السياح، وزرع الأحقاد، ورفض أي فكر مخالف ورمية بالكفر.»
تميز الهوية الإيمانية
إن المفهوم الذي قدمه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للهوية الإيمانية يميزها عن سائر الهويات فهي مكونة من بعدين معنوي ومادي متصلان بالله، فالجانب المعنوي لهذه الهوية يتميز عن الجوانب المعنوية لسائر الهويات والتي تكون متصلة بمفهوم أيديولوجي مصلحي أو أسطوري خرافي فالجانب المعنوي في الهوية الإيمانية متصل بالله المتولي لعباده، الفاعل المعين الهادي، الذي له ترخص التضحيات، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والجانب المادي للهوية الإيمانية يتميز عن الجوانب المادية لسائر الهويات فالهوية الإيمانية تدفع إلى الإنتاج والكفاح والمعرفة والتطوير كواجبات على الإنسان المُسلم لا مناص منها يؤديها التزاماً لتوجيهات الله، ويقوم بها على أساس من هدى الله بما يوجب رضوانه ويُظهر عظمته فيما البعد المادي لبقية الهويات ليس فيه عنصر الالتزام ولا بعد الهدى الأخلاقي ويمكن للإنسان الذي ينتمي لأي من تلك الهويات أن يتهرب من أحد عناصرها فيما يظل متصفا بتلك الهوية.
مربط الفرس
مما سبق نصل إلى قناعة كاملة بأنه قد بات علينا جميعا أن نكون في خندق واحد بالقول وبمعية العمل وبملازمة الفعل الذي يعكس القناعة والإيمان بهذه الثوابت العظيمة فالهوية الإيمانية هي معرف موضوعي لطبيعتنا كمسلمين والتعاطي معها ينبغي أن يحتكم إلى عقلانية النقاش بروحية عالية مهيأة للتفهم والقبول بالطرح فكثير من الأفكار نجحت للأسف الشديد في تسميم ثقافة شريحة لا يمكن الاستهانة بها من أبناء المجتمع ولابد من هوية إيمانية شاملة تتجاوز الهويات الضيقة الصغيرة القبلية والمناطقية والعرقية والعصبوية التي لا تعبر عن حقيقة اليمنيين وانتمائهم ولقد باتت اليوم مطلباً حتمياً لمواجهة هذه المخاطر التي يحاول الواقفون على تأجيجها سلب إرادة الأمم والشعوب وإبقائها في حالة (المستضعفين).

قد يعجبك ايضا