يا “حرشاني” لك التحية وباقة ورد من صنعاء!!
فؤاد عبدالقادر
من جونية إلى صيدا ومن الفندق الذي نسكن فيه إلى قاعة “الاونيسكو” في بيروت، من فعالية إلى أخرى، ومن محطة إلى مشوار آخر.. هكذا كما عشت، كان برنامجنا اليومي مزدحما وكنا نتابع فعاليات الدورة السادسة لجائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري.
بيروت كعادتها في استقبال ضيوفها.. استقبلتنا مفتوحة الأبواب والنوافذ.. واهدتنا باقة ورد وحزمة رياحين وديوان شعر.. وفوق هذا وذاك ضحكات الصديق العزيز الصحفي التونسي المعروف محمود الحرشاني.. عميد مجله “مرآة الوسط” التي تصدر في سيدي بوزيد بتونس الخضراء.
في الدورة الخامسة لجائزة البابطين في أبو ظبي، التقينا وشاركنا، وقد مرت فترة على ذلك اللقاء.. نسيت خلالها أشياء كثيرة.. ولم يبق منها شيء إلا ضحكات عمنا الحرشاني صاحب القلب الطيب.
لم أصدق عيني عندما التقينا مرة أخرى في بيروت كانت لا تزال ضحكاته كما عهدتها تعطر الجو والمكان وتضفي عليه زخات من الفرح والحبور..
لا يزال صوته يرن في أذني، أيها الصحفي اليمني كيف الحال.. وكيف أهلنا في اليمن؟.
يا عم محمود.. ليتني كنت أملك ذلك الصفاء والقدرة على المرح.. والكلمات الطيبة النابعة من القلب.. التي كنت تترك لها العنان لتغازل بها عصفورة كانت ترافقنا في ذهابنا وإيابنا.. وكان غزلاً عفيفاً نشهد أنه كان كذلك.
أظن- وليس كل الظن إثم.. أن تلك العصفورة البيروتية التي كانت غزلياتك وقفاشتك البريئة تضحكها وتشاركك النكت والتعليقات ستتذكرك ولن تنساك..!!
اليوم فقط فاجأني ساعي البريد بذلك المظروف الذي حمل لي رسالتك وعددين من مجلتكم العتيدة.. ودعوتكم الكريمة لي بالمشاركة أو المساهمة في الكتابة.
فرحت كطفل.. تذكرنا الحرشاني.. وأيام بيروت ودورة الأخطل الصغير.. والندوات المصاحبة لها أصوات الشعراء وهي تجلجل على مسرح “الاونيسكو” تبايع الأخطل الصغير (بشارة الخوري) شاعر لبنان والعرب على إمارة الشعر العربي.. وكأنها اليوم على نفس المسرح وفي نفس القاعة.
حدث ذلك منذ أربعين عاما ونيف.. وكأنني أشاهد وأسمع أمين نخلة.. وهو يردد:
يقولون أخطل وصغير..
أنت في دولة القوافي أمير
أو صالح جودت.. وهو يعقد لواء الإمارة:
كل هذه المعادن المختارة..
صاغ منها حبيبنا أوتاره
وجلا من خيوطها أشعاره
فعقدنا له لواء الإمارة
ثم يأخذني الخيال.. وأشاهد بشارة الخوري.. الأخطل الصغير وهو يقف على المسرح ليرد التحية:
أيوم أصبحت لا شمسي ولا قمري
من ذا يغني على عود بلا وتر
لله ورود وأغان
وتدور الأيام والسنين.. ويقف الشعراء في نفس المكان وعلى نفس المسرح يلقون قصائدهم في الدورة التي تكرم الأخطل الصغير، يظل الشاعر الكويتي- اليمني الكبير أحمد السقاف يلقي قصيدة عصماء بالمناسبة بصوته الجهوري.. نفس الشاعر أحمد السقاف الذي ألقى قصيدة مبايعة بشارة الخوري أميرا للشعراء قبل نصف قرن.. كَبُرَ الرجل وشاب شعر الرأس وهدّه الدهر لكنه لا يزال ذلك الفارس اليعربي الذي ما مل الكفاح..!!
تناثرت قصائد الشعر هنا وهناك وفي أكثر من أمسية.. في طرابلس .. وأخرى في صيدا.. وفي ختام الدورة.. ختامها مسك كما يقال.. أمسية شعرية .. تألق فيها أغلب الشعراء المدعوين للمشاركة في الدورة السادسة.. جمعهم فيها وباركها رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين.. وأمينها المثقف عبدالعزيز السريع، عندما شكر الدكتور عبدالواسع الحميدي عميد كلية الآداب والتربية، في صعدة رئيس المؤسسة على ما تقدمه المؤسسة قال له: أمتكم لا تزال ولاّدة والكلمة تعني الكثير.
أشعار.. وورود وأغان.. وموسيقى وقلوب.. ولبنان المحبة عشناه أياما وتركناه خلفنا.. لكن ذكراها ستظل في القلب.. وسنظل نردد قول الشاعر:
شام أحبابي وموعدنا
أواخر الصيف آن الكرم
يعتصر
نعتق النغمات البيض نرشفها
يوم الأماسي لا خمر ولا سهر!!