تحالف العدوان بين خيارين!

محمد بن دريب الشريف
يبدو أنَّ الموازين اختلفت كلياً في اليمن ، بعد خمس سنوات من الكرّ والفرّ ، والحرب الشرسة التي شنتها السعودية وحلفها العدواني على الشعب اليمني ، أملاً في الحسم خلال أسبوع واحد ، كما كان يُخيل إليهم من وهمهم أنّه واقع وأمر مفروغ منه ولا حائل دونه .
حينها كانت اليمن تُعاني من أزماتٍ داخلية ، على الصعيد الاقتصادي ، وكذلك السياسي ، بل عدم استقرارها على كافة الصعد حينذاك ، خصوصاً والشعب خارج من أعتاب وأتعاب ثورة شعبية على نظامٍ فاشلٍ فرضته السعودية بتوصياتٍ أمريكية ، من خلال المبادرة الخليجية التي تقدّمت بها ، وطرحتها كرزمة حلول لا تقبل النقاش ، بين طرفين طالما تصارعا على السلطة والنفوذ ، على حساب أهداف الثورة الشعبية ، وأحلام المواطن اليمني في التخلص من نظام العمالة ، وأعوانه من أحزاب الارتزاق.
وذاك ما دفعها لشن حربٍ لا هوادة فيها ، كوسيلةٍ أخيرة لفرض خياراتها على الشعب اليمني ، بعد أن استنتجت حينها أن ‘ مبادرة خليجية ‘ أخرى لا يمكن قبولها ، خصوصاً وقد فقدت الأحزابُ والمكونات اليمنية الموالية لها الثقةَ لدى عامة الشعب وافتضح مكنون سرها ، ولم يعد بالإماكن التسلل إلى صفوف ثورة التصحيح الشعبية الجديدة ، وركوب الموجة من جديد ، لاختطاف الثورة لصالحها ، ولصالح القوى الإقليمية والدولية كما هو الحال في التعامل مع ثورة فبراير 2011 م ..
نستطيع أن نجزم اليوم أن السعودية وحلفاءها ، فقدوا آخر الخيارات لديهم بخصوص اليمن ، ولم يعد بحوزتهم من أوراق الضغط ما يستطيعون به فرض ولو جزء بسيط من الوصاية على اليمن .
وورقة الحرب والحصار ، وتدمير مقومات الاقتصاد والعيش للشعب اليمني ، والتي كان الرهان عليها إلى حدٍ كبير ، في تطويع الشعب اليمني والعودة به إلى سابق العهد ، باتت خاسرة وعديمة النفع ، بعد هزائم عسكرية متتالية ، على امتداد رقعة الحرب ، وما نجم عنها من خسائر مهولة ، مُنيت بها السعودية وتحالفها بشرياً ومادياً ، والوصول إلى حالة العجز الشديدة عن استمرار سداد فاتورة هذه الحرب المكلفة ، وترنح اقتصادها بين الموت وأمل الحياة ، وعدم قدرتها تحمل نفقات وتكاليف عمليات عسكرية تقودها في اليمن باهظة الثمن ، وما يترتب عليها من التزامات مالية لحكومة الفنادق ، ومجاميع المرتزقة التي تقاتل في صفها ، لتحقيق هدف بات من الواضح للسعودية وحلفها استحالة تحقيقه ، بعد جولات من الصراع بلغت فيها العمليات العسكرية أقصى مدياتها في كل الجبهات الداخلية والخارجية ، ويُضاف إلى هذا الرصيد الهائل من الإخفاقات والفشل الذريع في الملف اليمني، المشاكل الطارئة التي تواجهها السعودية في الداخل ، سواء المشكلة الاقتصادية المتعلقة بالنفط وحربها مع روسيا حالياً ، والتي بدورها ضاعفت الإخلال بنظامها الاقتصادي ، وأفقدتها التوازن ، والسيولة المالية الكبيرة ، التي تُشكل المصدر الوحيد لتسديد فاتورة مغامراتها العسكرية ، وتدخلاتها السياسية في بلدان المنطقة ، أو جائحة ‘ وباء كورونا ‘ التي عصفت بمدنها ، وتحتاج في سبيل مواجهتها إلى تحديد ميزانية كبيرة ، وأيضاً ما ترتب على هذه الجائحة من كساد ومفاسد اقتصادية كبيرة في الأسواق العالمية ، والتي تعود أضرارها بالدرجة الأولى على دول كالسعودية والإمارات ، التي تعتمد كلياً في إنعاش اقتصادها على نشاط مثل هذه الأسواق ..
وبالعودة إلى الملف اليمني لاشك أنّ آلية المواجهة التي حددتها القيادة في اليمن مُنذ اليوم الأول ، لدفع هذا العدوان ، كانت إلى حدٍ كبيراً عظيمة النفع والفائدة ، وشكلت العامل الأهم في التخفيف من وطأة الهجمات العنيفة، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو على المستوى الدبلوماسي ، وإخفاق كل محاولات تحالف العدوان في اختراق حواجز الصد والدفاع والمقاومة ، وابتلاع اليمن واحتلاله كما هو هدف محدد من قبل الأمريكان مُنذ اللحظة الأولى لهذه الحرب .
وفي الواقع أنّ تلك الآلية الدقيقة للدفاع والمواجهة التي رسمتها القيادة اليمنية ، خولت الجيش واللجان الشعبية الآن ، الانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم المحكم في كل الجبهات ، وسقطت على إثره جبهات كان المعول عليها كبيراً لبلوغ صنعاء ، وإسقاط العلم اليمني ، كجبهة نهم التي سجلت رقماً قياسياً في احتضان عدد الألوية العسكرية الغازية وكذلك العتاد العسكري المهول ، وأيضاً سقوط محافظة الجوف الحدودية بالكامل ، والتي باتت في القبضة الحديدية للجيش واللجان الشعبية ، إضافة إلى سقوط بعض مديريات مارب المهمة والإستراتيجية ، كمديرية رغوان ومديرية مجزر ، ومعسكرات وألوية تشكل بمجموعها أهم خطوط الدفاع العسكري بالنسبة لعاصمة المحافظة ، ووقوف الجيش واللجان الشعبية على مشارف مدينة مارب وعاصمتها ، وحصارها من جميع الجهات ، وهي على ماهي عليه من الأهمية التي تكمن في كونها المعقل الرئيسي لقادة الاحتلال ، والوكر الأهم والأخير لمجاميع مرتزقة تحالف العدوان على مستوى شمال اليمن ، وسقوطها يعني جلاء آخر جنود العمالة من شمال اليمن ، والاستعداد لتحرير ما تبقى من محافظات الجنوب وتعبيد كل الطرق للمعركة الوحيدة وجهاً لوجه مع الجيش السعودي ، فوق تراب أرضه وتسخير كل الجهود والإمكانات لذلك .
أمّا الجديد في أحداث الحرب ونتائجها ، هو الهزيمة الساحقة التي لحقت بالسعودية وتحالفها ، وباتت واضحة المعالم ، وتثاقلها عن مواصلة هذه المغامرة ، بل الاعتراف بالهزيمة على لسان مسؤولين كبار في تحالف العدوان ، ودعوة الجانب اليمني للحوار الشامل ، وتغيير قواعد المفاوضات ، بالشكل الذي يتلاءم مع الشروط التي فرضتها حكومة صنعاء الشرعية ، وأصرت على تنفيذها قبل الجلوس على أيّ طاولة محادثات وخوض عملية أيّ تفاوض جديد مع أطراف العدوان .
ولذلك نجد ولأول مرة تصريح من قبل مسؤولين في تحالف العدوان ، يتضمن الدعوة الصريحة ” لحوار سياسي شامل ” كما هو الشرط الوحيد الذي وضعته صنعاء لاستجابتها لأي دعوة مفاوضات مُنذ بداية العدوان ، باعتباره الخيار الأمثل كما يرى قياداتها لحلحلة الأزمة ومعالجة تبعاتها على كل الأصعدة والمستويات .
ولمْ تقتصر الدعوة ” لحوار شامل ” على مسؤولي التحالف في الرياض وأبوظبي ، بل سمعناه من الراعي الرسمي لهذا العدوان ، ومن له الكلمة الفصل وبيده الحل والعقد ، من البيت الأبيض ، إذ خرج وزير الخارجية الأمريكي معبراً عن رغبة الولايات المتحدة في وقف الحرب ، والبدء في ” حوار شامل ” كما قال ، وهذا يُقرأ على أنّه اعتراف بالهزيمة ، وفشل تحالف العدوان في تحقيق أيّ من الأهداف التي شن الحرب في سبيلها إلى حد الآن ، بغض النظر عما إذا كانت أمريكا أو قوى تحالف العدوان تحت قيادتها ، تُبيت نوايا أخرى ، أو في حساباتها استراتيجية استدراج عسكري ، واستغلال هذه الدعوات ، وما قد تُفضي إليه من مشاورات ومحادثات ، لإعادة ترتيب الأوراق والتمركز ، والاستعداد للهجوم من جديد وفق معادلات وخطط جديدة لمواصلة الحرب والعدوان على الشعب اليمني .
نعم ؛ هذا غير مستبعد من حسابات البيت الأبيض ويبقى احتمالا وارداً وكل شيء وارد في سياسته – خصوصاً وهو يتزعم حرب لا يباشرها ولا يخسر فيها لا مادياً ولا بشرياً ، وإنما له وكلاؤه الذين يباشرونها نيابة عنه ويتحملون في سبيل تحقيق رغباته كل الخسائر المهولة الناجمة عنها – ولكن القراءة الأولية ، والمفهوم لكل متابع من هذه التصريحات والدعوات هو الاعتراف بالفشل والإخفاقات والهزيمة .
والجديد أيضاً ، بعد مخاض الخمس السنوات المنصرمة ، هو الانزعاج الكبير والقلق والإحباط الذي أصاب قادة المملكة السعودية بالخصوص ، من التكلفة الباهظة لهذه الحرب وخسائرها ، والإخفاق العسكري الذي كان من نصيب تحالفهم ، والفشل الكبير في إدارتها ، والهزائم المتتالية خلال سنوات الحرب المتعاقبة ، وعدم إحراز أي نقطة انتصار ولو متواضعة ، رغم عدم التقصير أو التواني في السعي لنيل ذلك ، بل عدم قدرة هذا التحالف الكبير على الردع والدفاع ، سواء عن المناطق التي كانت تحت سيطرة مرتزقتهم داخل اليمن ، أو على مستوى الأراضي والمناطق في عمق المملكة الجغرافي ، والتي اقتحمت وتمَّ السيطرة عليها من قبل الجيش واللجان الشعبية ، أو الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على منشئاتها الاقتصادية المهمة ، ومرابض طائراتها ، ومخازن ترسانتها التسليحية ومعسكراتها ، وقواعدها وسفنها الحربية في عرض البحار .
ولكن العجيب والمحير ، أنَّ المملكة السعودية لمْ تستطع ترجمة هذا الانزعاج من تكاليف وخسائر حربها ، واليأس من جدوى عدوانها العبثي إلى قرارات فعلية لوقفها !! والشروع في فتح صفحة جديدة مع الشعب اليمني ، بعد أن تترك لليمنيين خيار تقرير مصيرهم بأنفسهم ، دون تدخل في مجريات الحوار والمفاوضات بينهم ، وكذلك قبول نتائجها وإلزام الأطراف اليمنية المحسوبة عليها على التنفيذ والقبول ، برغم أنّ هذا مُتيسر وتستطيعه في أي وقت ، ولا توجد ولو نسبة ضئيلة من احتمال عدم تحقق هذا الخيار ، ذلك لإنّ حكومة صنعاء ترغب في وقف الحرب ، ولديها الجدية للخروج منها ، رغم أنّ الموازين العسكرية تفرض لصالحها مؤخراً ! كذلك رغبة قادتها في التصالح ومعالجة المشاكل عن طريق لغة الحوار ، أيضا قدرة المملكة على تطويع الأحزاب اليمنية والمكونات المشاركة في العدوان ، والراغبة في مواصلة الحرب ، على التفاوض والحوار السياسي الشامل مع حكومة صنعاء ، والدخول في مصالحة وطنية ، تضمن الحقوق للجميع ، والشراكة في صناعة القرار بمعزل عن الوصاية من أيّ طرف خارجي كان ..
والسؤال المطروح هو : لماذا إلى الآن لم تستطع السعودية ترجمة هذا الانزعاج الكبير من هذه الحرب وما نجم عنها من خسائر فادحة ، إلى واقع ملموس كما ينبغي ويفترض عليها ؟! وكما يرغب قادتها ، بعد إخفاق جيوشهم العسكرية ، وعجزهم البالغ عن إنجاز ولو الحد الأدنى من الأهداف التي شُنت من أجلها الحرب إن كانت هناك أهداف فعلية محددة ؟؟!!
طبعاً لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال ويقطع بصوابية جوابه، وذلك لضبابية الرؤية لدى صُنّاع القرار السعودي وتخبطهم ، وتأرجح مواقفهم وعدم ثباتهم ، بالإضافة إلى أنّ الهدف الحقيقي من هذه الحرب غير محدد وغير معروف ، وكل ما فرضوه كأهداف لحربهم يتضح عدم منطقيتها وقبولها عقلاً وعرفاً ، وتنافيها الكلي مع القانون الدولي والمواثيق الأممية فيتم التنازل عنها من وقت لآخر ..
ولكن القدر المتيقن هو أن للولايات المتحدة الأمريكية دور كبير في الحيلولة دون اتخاذ السعودية قرار وقف هذه الحرب .
أمّا لماذا ؟
فعلى الأقل: لأن هذه الحرب تشن على شعب هو الأول تمرداً على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية واستطاع بفضل الحراك الثوري انتزاع القرار السياسي والسيادي من أيدي أدواتها هذا أولاً .
ثانياً : لما تُوفره هذه الحرب للأمريكان من أموال طائلة من خلال بيع السلاح المستهلك والمستخدم لطحن أطفال اليمن ونسائه ، والصفقات التجارية والتسليحية الهائلة التي تُعقد رأس كل سنة لهذا الغرض بينهم وبين الأدوات المباشرة للقتل والفتك بأرواح الأطفال والعزل من أبناء الشعب اليمني
ثالثاً : ضمان استمرار هذه الدول في خدمة السياسة الأمريكية وتنفيذ أجندتها ومشاريعها على مدى المستقبل البعيد من خلال إضعاف قدرتها على التمرد في أيّ لحظة من اللحظات ، والخروج عن طوق الطاعة ، لما تُوفره هذه الحرب من أوراق ضغط مهمة يستطيع قادة الولايات المتحدة في أي وقت التلويح بها للابتزاز المالي كلما استشعروا حاجتهم لأوراق النقد العربية ، أو مقاضاة هذه الأدوات كمجرميّ حرب ومنتهكيّ حقوق الإنسان وقتله ، وإسقاط أنظمتهم كما هو الحال مع نظام صدام حسين وغيره من الأنظمة البائدة .
وعليه يُشكّل اتخاذ قرار وقف الحرب من قبل السعودية حالياً أمراً بالغ الصعوبة برغم رغبتها الشديدة في ذلك لما وصل إليه حالها الاقتصادي من التدهور والخسران ، وهي الآن ‘ بين أمرين أحلاهما مُرّ ‘ ولكن ليس من السهولة بمكان اتخاذها أيّ قرار يُخالف الإرادة الأمريكية ، أو التوقف عن تحقيق رغبتها ورعاية مصالحها في المنطقة العربية ، وخوض حروب بالنيابة عنها خصوصاً والقادة هناك تعوزهم الشجاعة الكافية للتمرد على وصاية الساسة الأمريكان ، واتخاذ القرارات الجريئة والبطولية لضمان أمن بلدانهم واستقلالها وسيادتها واقتصادها .
ولكن الذي يبدو عليه التوجه السعودي بشأن ورطة الحرب هذه وكيفية الخروج منها ، أن المملكة ذاهبة إلى خيار ثالث تضمن من خلاله التخفيف من هذا العبء الكبير ، ووطأة أوزار هذه الحرب على كاهلها من جهة ، ومن جهة أخرى ضمان عدم انزعاج البيت الأبيض ، وإثارة غضب مسؤوليه فيما إذا حادت عن الحرب كفاعل مباشر ، وذلك من خلال تقوية أذرعها في اليمن ، وتوفير مستلزمات الحرب لهم ، واستمرار إمدادهم بالأموال والإمكانات وتتوارى بعدها خلف كثبان صحاريها الرملية تنتظر النتائج على غرار الإمارات التي قوضت دعائم السلم والتعايش في محافظات الجنوب من خلال انتدابها ميليشيات القتل والسحل والتخريب وبيع الأوطان ، ووفرت لهم في سبيل ذلك كل الاحتياجات والإمكانات ،وأصبح المجلس الانتقالي برعايتها مُتحكّماً في كل تفاصيل الحياة ، وحارساً أميناً لمصالحها ، وتهيئة الظروف المناسبة لعمليات النهب والسرقة التي تقوم بها الإمارات ، والسطو وبيع النفط اليمني والغاز والمعادن ، وكل ثمين في الجزر اليمنية وحتى أشجار ‘دم الأخوين’ النادرة التي تُقتلع من سقطرى وتُمنح الجنسية الإماراتية الوضيعة لتزيين منتزهات وحدائق مدنها الموبوءة بجذام العمالة واللصوصية .
ولكن حسب التقديرات فإن هذا الخيار صعب أيضاً ، وغير مُمكن بالنسبة للسعودية حالياً وقد فاتها أوانه.. لأنّ القيادة في صنعاء تنبهوا لمثل هذه المخاطر ، وسارعوا إلى سد مثل هذه الثغرات باتخاذ قرار حسم المعركة في نهم والجوف ، وكذلك أهم مديريات محافظتي مارب والبيضاء ، التي تُشكّل مساحة لا يُستهان بها ، ولو لم يفعلوا ذلك لوفرت تلك المساحات ظرفاً مكانياً كبيراً يُعطي الأذرع السعودية حرية التحرك وبناء القدرات المؤذية ومزاولة النشاطات التخريبية المزعجة ضد أبناء الشعب اليمني ، ويمنح السعودية حق الاستراحة والاختباء خلف الكثبان لبث سمومها والإملاءات العدوانية الخبيثة ،
وفي الحقيقة أنّ القرار الذي اتخذته القيادة في صنعاء كان صائباً وحكيماً إلى حد كبير ، وفَرَضَ معادلة صعبة ومعقدة ، ومثَّل عقبة كؤود ليس بالإمكان تجاوزها إطلاقاً .. لأن بتر هذه الأذرع وتنظيف تلك المناطق من هذه الأدوات القذرة يعني حشر السعودية في زاوية ضيقة وعزلها ميدانياً ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما : إمّا مواصلة الحرب في ظل يمن خالٍ شمالاً من كل أدوات العمالة والارتزاق ، والمواجهة المباشرة معها على طول الشريط الحدودي ، وتوظيف كل إمكانات الجيش واللجان الشعبية للتنكيل بجيشها على أراضيه ، ومضاعفة خسائرها ، وإعاقة اقتصادها أكثر فأكثر، وإمّا إعلانها وقف حربها كلياً والتخلي عن فكرة تطويع اليمن للولايات المتحدة الأمريكية والتدخل في شؤونه الداخلية ، ورفع يدها وترك اليمن لليمنيين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم، وهذا هو الأمر المعقول والمفترض أن تكون عليه السعودية والقرار الذي ينبغي اتخاذه اليوم قبل الغد من قبل قادتها لو كانوا يعقلون، ونؤمن أن هذا الإجراء هو ما ستتخذه طال أمد الحرب أم قصر والعاقبة للمتقين .
والذي يهمنا الآن هو أنّ مدينة مارب على مسافة عَدوةِ حصان من طلائع المُخَلّصين والمُنقذين ، وقرار تحريرها قد اتخذ من قبل القيادة الرشيدة بعد حصارها وتطويقها من جميع الجهات والحسم مسألة باتت سهلة الإمكان ، وبهذا يتم تجفيف آخر منابع الإرهاب والتخريب ، وبتر الذراع الأهم في شمال يمن الإيمان والحكمة .
ونرجو من القيادة في صنعاء الاستعجال والبت في الأمر وعدم التأني في إعطاء الضوء الأخضر للجيش واللجان الشعبية لحسم مسألة تحريرها ، وعدم الالتفات إلى دعوات الحوار سواء التي من قبل السعودية أو الأمم المتحدة أو أمريكا ، وإن تضمنت تلك الدعوات ما يوحي بتنفيذ الشروط التي وضعتها صنعاء قبل استجابتها لأي دعوة مفاوضات قادمة لأن الذي يُقرأ بين سطور هذه الدعوات نوايا سوء وخيانة، والغرض منها كسب الوقت لا أكثر، لإعادة ترتيب الأوراق العسكرية ، ومحاولة استعادة ما فقدوه من توازن ، ومناطق كانت تحت جبروت احتلالهم ، وسعياً للحيلولة دون تحرير مدينة مارب ، وخسران أهم وآخر معاقل مرتزقتهم في اليمن لأنه من الواضح جداً عدم توفر الجدية لدى قوى العدوان لوقف الحرب حالياً ، ويُستبعد إلى حد كبير أن تتخذ السعودية قراراً كهذا ، ووقف العدوان على الشعب اليمني في الوقت الراهن ، وذلك لسببين في الحد الأدنى السبب الأول : وقوف أمريكا على النقيض التام من اتخاذ مثل هذا القرار وخيارها الذي مازال إلى الآن هو استمرار الحرب ، ومن المُستبعد أن تتخذ المملكة السعودية أيّ قرار يتنافى مع رغبة المسؤولين في البيت الأبيض .
والسبب الثاني : لمْ يعد بيد السعودية ومرتزقتها ما يشجعها على التفاوض الجاد ، أو يُعطيها حق الجلوس على طاولة المحادثات ، خصوصاً بعد فشلهم وإخفاقاتهم على مدى الخمس السنوات المنصرمة ، وخسارتهم مؤخراً كل المناطق التي كانت تحت رحمة احتلالهم من نهم إلى مدينة مارب وصولاً إلى مركز محافظة الجوف ومنطقة اليتمة الحدودية .
وعلى أقل التقديرات أنّ السعودية لمْ تخض حرباً لمدة خمس سنوات – خسرت على إثرها 750 مليار دولار وغير ذلك الكثير معنوياً وبشرياً – من أجل الجلوس أخيراً مع القيادة اليمنية على طاولة المفاوضات ، أو دفع مرتزقتها إلى العملية التفاوضية وانتظار ما تفضي إليه من النتائج لمباركتها والاحتفال بها كآخر هدف تحقق من أهداف حربها الملعونة!
هذا مستبعد تماماً في الوقت الراهن وخارج حسابات أمراء السعودية والإمارات ، وغير معقول في حقهم ، خصوصاً وهم على ما هم عليه من العنجهية والمكابرة والمشي على رؤوس الأصابع والطاعة المفرطة لإدارة الرئيس ترامب .
وعليه يبقى خيار تحرير مدينة مارب مطلباً شعبياً لا يحتمل التأخير ، وهو الخيار الأمثل الذي يرجو أبناء الشعب اليمني ألا يحول دون حصوله أيّ حائل ، وهدف تأمل تحققه كل فئات الشعب ومكوناته وترجو أن تنتفي كل الموانع في سبيل حصوله لما لهذه المدينة من الأهمية الاقتصادية أولاً والعسكرية ثانياً كون تحريرها يمهد الطريق للحدود اليمنية السعودية ومساندة أبطال الجيش واللجان الشعبية هناك ، وحشد جهود المقاتلين جميعاً وتفرغهم لقصم فقار الجيش الملكي في عقر داره وفوق تراب أراضيه وهذا هو الضامن الحقيقي لوقف العدوان ، والتخلص من أذى وشرور حرب السرف التي تقودها بسوس القرن على جيرانها .
وإن كان ولا بد من التفاوض فيد الجيش واللجان الشعبية تُحكم السيطرة الميدانية وتستكمل التحرير ، ويد “محمد عبدالسلام ورفقائه” تمتد إلى السلام ، ولا تنافي بين الأمرين إلّا في حالة أن تتخذ السعودية قرار وقف الحرب ، ويتم إعلان ذلك بشكلٍ صريح من قبلها ، وتوقف كل عملياتها العسكرية فعلياً على مستوى البر والبحر والجو ، ورفع الحصار الجائر عن حرية الملاحة الجوية والتجارة ورفع كل القيود والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية ويدها عن مجريات الحوار والتفاوض بين اليمنيين ..

قد يعجبك ايضا