بين السياسة والاقتصاد
علي الأشموري
إذا كانت السياسة في القاموس هي فن الممكن فلا أخلاق في السياسة.. والاقتصاد هو عصب الحياة ومقومات البناء والتنمية، فالحرب الكونية الثالثة على اليمن التي تدخل عامها السادس هي حلقة في سلسلة الحروب السياسية والاقتصادية التي سبقتها منذ أن كان السعوديون رعاة إبل بينما كانت اليمن سلة غذائية بأرضها وترابها وبشرها.
وكانت تمد السعوديين بالغذاء وبكل أنواع الحبوب فقد كانت اليمن -بشعبها الذي كان يعيش في ضنك وشظف العيش- لا تبخل على جارة السوء بالمقسوم لكن لم يظهر فيها المعروف وكان الحسد وحقد “البعير” يدفعانها لإثارة الفتن والقلاقل والتدخل في الشؤون الداخلية، والتاريخ مليئ بالعبر، فشركة “أرامكو” النفطية قَدِمَتْ للتنقيب عن النفط في اليمن فبدأت بوادر الخير باكتشاف بئرين نفطيتين في الحديدة التي كانت ومازالت مطمعاً للعقال الخليجي ولآل سعود بالذات وحرب الأدارسة خير دليل، وأيا كان السبب فقد تم ردم البئرين وتوجهت الشركة إلى السعودية بفضل ربيبتها بريطانيا والدول الغربية والكيان الصهيوني، وفي أواخر السبعينيات “القرن المنصرم بعام” أُغرقت الأسواق اليمنية بأنواع الحبوب والقمح الأسترالي وغيره.. فوجد المزارع اليمني نفسه بين فكي كماشة الخسارة، فقد أصبحت الزراعة بالنسبة له عبئاً ثقيلاً في ظل الإغراق وارتفاع كلفتها فبدأت هجرة الأيادي العاملة الزراعية، وبخبث استقبلت جارة السوء اليمنيين وأُعطيت لهم المزايا والتابعيات، والتنقل والعمل، وفي نفس المسار غزت اليمن شجرة خبيثة تنتقل من الأرض عبر الهواء إلى أماكن المياه الجوفية، كانت في وادي سردد بداية تمتص المياه الجوفية من على بعد كيلو مترات، فتصحرت الأرض الزراعية، وبدأ الخناق يضيق على العمالة اليمنية المهاجرة في السعودية إلى أن تم ترحيلهم في حرب الخليج.
وكانت أياد تنخر في المؤسسات تحارب العقول في شتى المجالات وبدأت هجرة العقول، وهي سياسة أخطر من حروب المواجهة وكان التدخل السعودي الأمريكي في القرار اليمني حاضراً، فمخرجات التعليم كان أفضلها يتجه نحو الهجرة إلى بريطانيا والسعودية وأمريكا والغرب.. وكل هذه المخططات الخبيثة والمدروسة غرضها التجويع وإفراغ اليمن من العقول اليمنية، وبسبب الروتين المعقَّد بين المالية والخدمة أصبحنا نقرأ ونسمع عن العقول اليمنية وإنجازاتها خارج الوطن..؟!
وهنا لا بد من مثاليين ارتأيت أن أسوقهما الأول: د. القلب الشهير “الربوعي” ظل يتابع بين الخدمة والمالية على راتب 35 ألف ريال إلى أن تعب وطفش، فحمل حقيبته ورحل إلى بريطانيا ولأن هجرة العقول قد عطَّلت المشافي وعدم وجود رقابة طبية انقطعت الثقة بين المريض والطبيب اليمني، ففي عقد التسعينيات قرر مسؤول السفر إلى بريطانيا لإجراء عملية القلب، واشترط أن يكون الفريق الطبي المعالج بريطانياً وأثناء الفحوصات الطبية اكتشف أن رئيس الفريق الطبي يمني، وبعد نجاح العملية اعتذر بشدة لكن الطبيب ابتسم وقبل الاعتذار .
المثال الثاني: طبيب يمني قضى زهرة شبابه يعمل في السعودية وكان أشهر طبيب للقلب على المستوى الأوروبي، وحينما اندلعت الحرب الكونية على اليمن في 2015م قرر العودة إلى وطنه، وقبيل السفر أصيب بوعكة صحية أُسعف على إثرها إلى أحد مشافي المملكة فكان يتواصل مع أسرته ويطمئنهم بأن صحته بخير وسيعود في القريب العاجل، وفي اليوم التالي وجدوه جثة هامدة، فالدواء الذي استخدمه من قبل الممرضة لم يقرره له طبيب .. والحليم تكفيه الإشارة.
آخر الكلام
اليوم الحكومة بدأت تهتم بالمزارع وإعادة الاعتبار إلى الأرض الزراعية رغم الحصار البري والبحري والجوي والحرب الظالمة التي اشترت مواقفها وأسلحتها المحرَّمة وعلى رأسها الولايات المتحدة والإمارات ثلاثي الشر الحاقد والطامع في ثروات البلاد.
اليمن سينهض ويتعافى بفضل أبنائه الشجعان والمجاهدين الأبطال في كافة الجبهات والميادين، وإلا لماذا الصراخ والعويل حينما سقطت العاصفة في حزم الجوف؟ لأن الجوف مساحتها واسعة ومخزونها النفطي يفوق مخزون جارة السوء السعودية، ولها حدود قريبة مع مارب الحضارة والتاريخ، قال تعالى ” وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ” .
من سبأ وليس من المراقص والتفاخر بالتطبيع مع الكيان الغاصب ومع صفقة القرن والتباهي بالتنصير وكلّه من أجل الكرسي حتى ولو سجن كل من يقول كلمة حق أو يبدي رأياً، فأين أحمد بن عبدالعزيز وغيره، ومن تم سجنهم، وما هي الأسباب يا بن سلمان ؟ وهل كل ما يحدث في السعودية هو بداية النهاية لزوال حكم من يشربون بول البعير؟