المؤكد أن هناك بوناٍ شاسعاٍ بين من يحمل مشروعاٍ وطنياٍ كبيراٍ ويعمل من خلاله على تحقيق النهوض التنموي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي لما من شأنه الارتقاء بوطنه وأبناء شعبه في إطار مجموعة من الخطط والبرامج الهادفة إلى إعداد نهضة شاملة تعبر عن آمال وتطلعات الجماهير العريضة في مزيد من النماء والتطور والرخاء وبين أصحاب المشاريع الصغيرة ومن يحملون معاول الهدم والتخريب والفوضى ويبنون توجهاتهم ومشاريعهم الصغيرة على الوهم والرهانات الخاسرة التي سبق وأن جربوها ولم يجنوا من ورائها سوى الخيبة والفشل الذريع ومع كل ذلك فإنهم لم يتعظوا أو يستفيدوا من كل الدروس والعبر ليبرهنوا على أن من استمرأ العيش في مستنقعات التآمر والعمالة والارتزاق والخيانة والتسكع والتسول لإشباع نهمه من المال الحرام لا يمكن أن يغدو رقماٍ أو صاحب مشروع وطني كبير فالصغار يظلون صغاراٍ لا هدف لهم ولا قضية وإذا كان لهم من غاية فهي تقتصر على اللهث وراء مصالحهم الضيقة والأنانية. ولأن الفرق واضح بين من يكرس وقته وجهده ويسهر على متابعة هموم وقضايا وأحوال أبناء شعبه ويعمل بدأب ليلاٍ ونهاراٍ في خدمة وطنه وكل ما يحافظ على أمنه واستقراره ومنعته وسلمه الاجتماعي وبين أصحاب الأيادي المرتعشة والمشاريع الصغيرة التمزيقية والأفكار الصدئة التي تتكسب وتتمصلح من خلال المتاجرة بالوطن وإثارة الفتن وإشعال الحرائق والتحريض على العنف واستباحة حياة وممتلكات الناس لا يردعها خلق أو ضمير فإن من الغريب والمريب أن نجد هناك من القوى السياسية من لا يميز بين الحق والباطل والضلال والصواب وفي أي موقع يكون وأي طريق يسير إلى درجة صار البعض من هؤلاء لا يجد حرجاٍ في تماهيه مع طابور الأقزام ومشاريعهم الصغيرة إما بدافع الكيد السياسي والمناكفة الحزبية أو حمى الابتزاز أو رغبة في الوصول إلى بعض المكاسب والمنافع التي يظنون أن البلوغ إليها لن يكون إلا عبر ذلك المسار المتعرج والأهوج الذي يغلب عليه طابع الشطط والفهم الضيق. ونعتقد أن هذه القوى الحزبية هي أحوج ما تكون اليوم إلى استيعاب مضمون الرسائل التي وردت في كلمة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية يوم أمس في الاحتفال الذي أقيم في العاصمة صنعاء بمناسبة العيد العالمي للعمال خاصة وأن في تلك الرسائل الكثير من الدلالات والشواهد التي يتعين على هذه القوى استلهام دلالاتها برؤية متبصرة بعيداٍ عن العناد والمكابرة والإمعان في تكرار الأخطاء إذا ما أرادت هذه القوى الحفاظ على دورها ومكانتها في الساحة السياسية والتصالح مع الجماهير التي أصابتها الحيرة والدهشة وهي ترى مثل هذه الأحزاب تمارس السياسة والعمل الديمقراطي والحزبي على أساس ملتبس تطغى عليه الازدواجية والتناقضات والتقلبات فهي في الوقت الذي تتشدق بالوطنية والديمقراطية تأتي مواقفها مخالفة ومتصادمة مع المصالح العليا للوطن وروح الديمقراطية وتقاليدها وأخلاقياتها والقواعد التي تقوم عليها. وتبرز ملامح هذه الحالة من التناقض في أنها تدعو إلى الحوار وهي أول من تنقلب عليه وتطالب بتطبيق الدستور والنظام والقانون في حين أنها تتحالف مع العناصر الخارجة على الدستور والقوانين والأنظمة وتدافع عن قطاع الطرق والقتلة واللصوص والمخربين وعناصر الانفصال وكأنها بهذه المواقف تريد أن تغيظ السلطة أو تكايدها أو تْضر بها وهي في حقيقة الأمر إنما تضر بالوطن ولهذا ليس بمستغرب أن نراها تمسك العصا من المنتصف فهي مع الوطن في ما تطلقه من الشعارات وضد الوطن في ما تمارسه من أفعال. وقد يكون من المناسب لهذه القوى أن تعي أن من غير الممكن أن تصل من خلال هذه المواقف المتناقضة والانتهازية إلى فائدة ترتجى كما هو حال تلك التحالفات المشبوهة التي أقامتها مع العناصر الانفصالية والتخريبية والتي جعلتها شريكاٍ في كل الأعمال الإجرامية التي اقترفتها تلك العناصر الخارجة على الدستور والنظام والقانون أكان ذلك جرائم التخريب وقطع الطرقات ونهب السيارات والممتلكات العامة والخاصة وإحراق المحلات التجارية أو جرائم الاعتداء والقتل والتنكيل التي تعرض لها العديد من المواطنين الأبرياء على أساس جهوي ومناطقي مقيت. فهل هذه القوى الحزبية والسياسية قادرة اليوم على التنصل من تلك المسؤولية الجنائية والأخلاقية أم أن هوسها على الوصول إلى السلطة قد أعماها عن إدراك الطريق الصائب والسليم لتحقيق هذا الطموح والذي لن يتأتى إلا عبر صناديق الاقتراع وكسب ثقة الناخبين وأصواتهم والوسائل الديمقراطية الحقة أم أنها لم تفقه حتى الآن أن أزمنة الانقلابات قد ولت وأن الزمن هو زمن الديمقراطية وزمن حكم الشعب نفسه بنفسه¿!!. وتخطئ هذه القوى السياسية والحزبية خطأ جسيماٍ إذا ما اعتقدت أن الشعب اليمني يمكن له أن يفرط بمكاسب ثورته “سبتمبر واكتوبر” وكذا بأمنه واستقراره أو أن هذا الشعب سينساق وراء شعاراتها الزائفة التي تدعو فيها إلى شيء وتقصد غيره. وياليت هؤلاء يفهمون!!