المضحك المبكي أنه وبعد عقدين من إقرار التعددية السياسية وممارسة العمل الحزبي في ظل مناخات الديمقراطية بفضاءاتها المفتوحة والحرة أن نجد قوى سياسية وحزبية لا تزال حتى الآن غير قادرة على الرقي بممارساتها إلى المستوى المتقدم والمتطور الذي بلغته التجربة الديمقراطية اليمنية أكان ذلك على نطاق الوعي السياسي والاجتماعي أو من حيث رسوخ ثقافة الديمقراطية وتقاليدها لدى الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني الذين تأصلت لديهم مرجعيات حضارية يحتكمون إليها وهم يمارسون حقوقهم السياسية على نحو يؤكد إلمامهم بالقواعد الضابطة للممارسة الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك فإن أحزاباٍ سياسية كان يفترض أن تكون القدوة والمثال في هذا الجانب ظلت تراوح في مكانها فلا هي التي استطاعت مواكبة الزخم الديمقراطي وانتقالاته وتحولاته ولا هي التي تطبعت مع مفردات هذا الواقع لتظل أسيرة للفكر الماضوي الشمولي للمتنفذين فيها الذين يسيطر عليهم الفهم الضيق لمضمون الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير ومجريات التنافس الشريف في البرامج لكسب ثقة المواطنين والحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع. وبفعل ضيق الأفق لدى هؤلاء المتنفذين على أحزاب اللقاء المشترك هاهي هذه الأحزاب تدور حول نفسها في فلك الاعتصامات والتظاهرات وترديد الهتافات والشعارات التي عفا عليها الزمن على غرار ما كان يحدث إبان الحكم الشمولي الذي هيمن على المحافظات الجنوبية والشرقية قبل إعادة وحدة الوطن فقد كان يدفع بالمواطنين تحت تأثير التهديد والوعيد للخروج في مظاهرات تطالب بتخفيض الرواتب وإحراق الشراشف (الشياذر) وغيرها من التصرفات الصبيانية والعبثية. وهاهو مثل هذا النوع البشع من الاستغلال والتضليل يتكرر اليوم من خلال الاعتصامات والتظاهرات التي تدعو إليها أو تشجع على إقامتها قيادات أحزاب اللقاء المشترك تحت عناوين مختلفة مرة للمطالبة بإطلاق اللصوص والقتلة وقطاع الطرق وأخرى بالتضامن مع الخارجين على الدستور والنظام والقانون من العناصر الانفصالية التي تسعى إلى إعادة تمزيق الوطن وتفتيت وحدته وثالثة بالدفاع عن عناصر التخريب التي أشعلت الفتنة في محافظة صعدة وحرف سفيان بهدف إعادة أزمنة الطاغوت الإمامي الكهنوتي المتخلف المستبد ورابعة بدعوى التمديد بالاعتداء على سيارات الخدمات الخاصة بقياداتها الحزبية. وإذا لم تجد تلك الأحزاب عنواناٍ تضلل به عقول الناس عمدت إلى تسييس أية قضية تبرر لها قرع الطبول ليصل بها الأمر درجة الاختلاف في ما بينها حول عناوين الاعتصامات التي ستدعو إليها في الفترة القادمة فقد أراد كل منها فرض رؤيته الآيديولوجية على الآخر من خلال تلك العناوين فحين دعا أحدهم إلى اعتصام يؤيد زواج الصغيرات ويناهض أي قانون لتحديد سن الزواج دعا الآخر إلى اعتصام يطالب بقانون يجيز نزع حجاب المرأة العاملة مقتنعاٍ بأن ذلك سيزيد من شعبية أحزاب المشترك بين النساء ليقترح الثالث اعتصاماٍ لجذب العناصر المتطرفة والإرهابية لتأييد المشترك وذلك بالدعوة إلى حظر الموسيقى والغناء والفنون واجتثاثها تماماٍ من اليمن. والمؤسف أن أحزاب المشترك بهذه الممارسات قد أسقطت من حساباتها مسؤولياتها تجاه الوطن والذي لا يمكن أن يبنى بالاعتصامات والتظاهرات وترديد الشعارات والمناكفات والمكايدات والفوضى أو التماهي مع الخارجين على الدستور والنظام والقانون والتحريض على أعمال العنف والتخريب وإثارة الفتن والزج بالبلاد نحو نفق مظلم بل أن النهوض بالوطن يقتضي التحلي بالمسؤولية والمزيد من العمل وتكاتف الجهود والقدرات من أجل تسريع وتائر البناء والتنمية وتهيئة المناخات الآمنة أمام الاستثمارات وتحفيزها على الاستثمار في اليمن وإقامة المشاريع الإنتاجية والصناعية الصغيرة والكبيرة التي توفر فرص عمل جديدة أمام الشباب ولما من شأنه إخراجهم من طابور البطالة وكذا الدفع بالتوجهات الاقتصادية التي بدأتها الحكومة نحو الأمام من أجل استنهاض الاقتصاد الوطني وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ومواصلة تطوير الخدمات العامة مستفيدين من الطفرة النوعية التي حققتها اليمن على صعيد التوسع في التعليم وشبكات الطرق والاتصالات والصحة والاستصلاح الزراعي. فهل يدرك أولئك الذين يشجعون الغوغاء على انتهاك الدستور والخروج على النظام والقانون ويفتعلون المشاكل والأزمات بغية تعطيل مسيرة البناء والتنمية أنهم بتلك التصرفات ينتقمون من هذا الوطن وليس من الحزب الحاكم ويلحقون الضرر البالغ بأبناء مجتمعهم وشعبهم وعليهم أن يتقوا الله في هذا الوطن الذي يجب أن يكون نقطة اتفاق ووئام بين جميع أبنائه بصرف النظر عن الخلافات والتباينات السياسية والحزبية فالمواطنة السوية لا تكتمل إلا بتغليب المصالح العليا لهذا الوطن على ما دونها من المصالح الحزبية والذاتية الضيقة وجعل هذا الوطن هو مظلتنا جميعاٍ. ومن يهن عليه المتاجرة بوطنه يهن عليه بيع نفسه.