عمليات الردع..البادئ أظلم

 

حمدي دوبلة

كان مساء حزيناً وكان كل ما فيه مرعباً وصادماً، وبلغت بعض تفاصيله مستوى اعتبره الكثيرون مشاهد مصغرة لأهوال يوم القيامة.
شخصياً لن أنسى أبداً -شأني في ذلك شأن مئات الآلاف من سكان منطقة نقم شرقي العاصمة وكذلك الملايين من أبناء صنعاء- مشاهد وأحداث ذلك المساء الدامي والحافل بالفوضى والرعب والارتباك الذي ساد أوساط أهل نقم وخاصة النساء والأطفال.
-أتكلم هنا عن اللحظات والساعات الرهيبة التي أعقبت جريمة إلقاء القنبلة الهيدروجينية على حي نقم السكني مساء التاسع من مايو من العام 2015م، أي بعد نحو شهرين من بدء العدوان على اليمن ..أتذكر حينها أن أغلب الناس كانوا صائمين في يوم الاثنين وأرادوا التقرب إلى الله والتضرع إليه سبحانه وتعالى بأن يرفع الغمة والبلاء عن العباد لكنهم وعندما صدحت المساجد بأذان المغرب لم يتمكنوا من تناول الإفطار لأن طائرة حربية تابعة للعدوان أجمع كل الخبراء والمراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين على أنها إسرائيلية” الهوى والهوية” ألقت تلك القنبلة الملعونة على الحي لتتحول الحياة إلى كابوس فظيع .
-كان الناس يهرعون مذعورين في كل أحياء وأزقة نقم على غير هدى وإلى أماكن لا يعلمونها، ومن لم يجد وسيلة للركوب أطلق لقدميه العنان في شوارع اكتظت بالنساء والأطفال والكبار والصغار، فيما تركت بعض النسوة منازلهن مفتحة الأبواب ومنهن من خرجت بالملابس المنزلية من هول ما جرى.
-خلَّفت تلك الجريمة المشهودة 120شهيدا منهم جاري في السكن الحاج علي الثلايا الذي كان وقت الانفجار ذاهباً برفقة بعض أبنائه إلى الجامع ولم ينتبه أولاده إلا وقد فصلت شظية رأسه عن جسده وخرَّ على الأرض مضرجاً بدمائه الطاهرة أمام أعين أولاده وعلى مقربة من منزله الذي لم يكن يبعد سوى أمتار قليلة عن المكان المستهدف، أما المصابون في الجريمة فتجاوزت أعدادهم الـ400 إنسان جلهم من النساء والأطفال وكبار السن.
-يومها كتبنا في هذه الصحيفة صحيفة الثورة مقالاً بعنوان (اليوم في صنعاء وغداً في الرياض ) ونحن نمني النفس بأن يكون يوم القصاص قريبا، لكن ما ضاعف آثار هذه الجريمة النكراء وقبلها بأيام فقط جريمة قصف حي فج عطان السكني غربي العاصمة بقنبلة مماثلة خلَّفت المئات من الشهداء والجرحى أنهما جاءتا قبل أن يدشن الأبطال في الجيش واللجان الشعبية أي رد واضح على تلك الجرائم النكراء حتى شعر الناس باليأس والإحباط وانتابهم إحساس بالانكسار والهزيمة، لكن الأبطال في مؤسسة الجيش واللجان ومن ورائهم القيادة السياسية الحكيمة التي كانت ترى بعيون ثاقبة أن التأني في الرد والتريث في اتخاذ الخطوات المناسبة هو القرار السديد والعمل بالمثل اليمني الشهير” المستقضي بعد سنة مستعجل” على الأقل حتى ظن العدو أنه أمام خصم ضعيف وخانع ولا يمتلك القدرة حتى على الدفاع عن نفسه، ناهيك عن الرد ليتمادى مزهواً بغطرسته وغروره في اقتراف الجرائم وسفك الدماء وانتهاك الحرمات .
-اليوم وبعد مرور خمسة أعوام كاملة من العدوان بات جيشنا الباسل هو من يمتلك زمام المبادرة وهو من يقرر تنفيذ عمليات توازن الردع في عمق العدو وفي الزمن الذي يريد وعلى الهدف المناسب الذي من شأنه إيلام العدو، لكن بقدر عالٍ من الالتزام بالجانب الأخلاقي والتقيد بأخلاقيات الفرسان وبقواعد الحروب المتعارف عليها دولياً، لدرجة أن الردع اليمني وإلى نسخته الثالثة لم يسجل سقوط أو إصابة أي مدني وإنما أصاب مفاصل حيوية واقتصادية هامة في أقاصي أراضي العدو المترامية.
-جاء الردع الثالث ليشفي صدور قوم مؤمنين وليؤكد للقاصي والداني أن شعباً عظيماً مثل الشعب اليمني- وهو الذي لم يُهزم حتى في حروب ما قبل الإسلام – لا ينبغى له أن يعرف الانكسار والتراجع وهو في ذروة الإيمان بالله وبعدالة قضيته وبحقه المشروع في الدفاع عن النفس والأرض والعرض، والتصدي للمعتدين وردعهم بكل الوسائل المتاحة.. والبادئ أظلم.

قد يعجبك ايضا