لا نقرأ.. والنتيجة معروفة سلفاً
عبدالملك سام
يقول الكاتب الكبير جلال أمين إنه أحب القراءة بسبب والده الذي استخدم معه حيلة ذكية، لقد تعمَّد والده – الذي كان كاتبا أيضا – أن يجعل ابنه يقضي وقتا معه وهو يملي عليه بعض فصول كتابه، ومع الوقت اعتاد الولد الصغير الكتابة وتملَّكه هذا الولع اليومي الذي يحتاج منه القراءة أيضا.. من هنا نجد أنه يمكنك أن تنمي حب القراءة لدى أطفالك ولهذا فوائد جمة، خصوصا في حياتهم إذا كنت من النوع الذي يقلق عليهم، فبالقراءة أنت تضمن أن أطفالك سيزدادون وعيا، كما أنك سترتاح عندما يقضون وقتهم وهم مع كتاب وليسوا في الشارع، كما أنهم إذا تعلموا القراءة على يديك فأنت ستضمن نوعية الكتب التي يقرأونها، وستتحسن درجاتهم في المدرسة، وغيرها من الفوائد التي لا يتسع المجال لذكرها كلها، انتهاء بجعل البلد يتخلص من كل مشاكله وينعم بالثروة والقوة!!
لقد قال الدكتور الراحل أحمد خالد توفيق – وهو يصف مراحل الدراسة التي مر بها – إن طالب البكالوريوس يجب أن يعرف (ماذا حدث)، وطالب الماجستير يجب أن يعرف (كيف حدث)، أما طالب الدكتوراه فيجب عليه أن يعرف (لماذا حدث).. هذا يذكِّرنا بمشكلة التعليم الخالدة في بلداننا التي يطلق عليها الغرب متندرا بأنها “نامية”، بينما هم يعرفون أن هذا النمو لن يكتمل أبدا، والسبب أن الغرب يعرف أننا لا نقرأ! أذهب إلى أي بلد من تلك التي تنبهر بما وصل إليه من تقدم وراقب ..ماذا ترى؟ ستجد أن من يحملون الكتب في كل مكان تقريبا، ناهيك عن المكتبات ودور النشر المنتشرة.. ألا يدل ذلك على وجود علاقة بين القراءة والتقدم والازدهار الحضاري؟!
نحن أمة “أقرأ” – كما قيل – عنا أصبحنا أقل الأمم قراءة في العالم! فبينما المواطن الإسرائيلي يقرأ بمعدل يصل إلى كتابين أو خمسة في العام الواحد، فالمواطن العربي يقرأ ما يعادل صفحتين فقط في العام!! طبعا أنا أتحدث عن الكتب لا عن النكت والأخبار.. أصبح معظمنا ينام فلا يحلم بشيء مطلقا، والسبب أنه قد استهلك جميع الأحلام في صحوه وهو يحلم بماذا سيفعل وكيف سيفعل ،ثم لا شيء يتحقق! لغتنا أفضل اللغات على الإطلاق، فمثلا يبلغ عدد مفردات اللغة الإنجليزية الغنية ما يقارب 60 ألف مفردة، في حين أن لغتنا فيها ما يقارب 250 ألف منها، ورغم هذا هي تندثر مع كل جيل جديد يأتي!
مظاهر الجهل تزداد كلما ابتعد شعب ما عن القراءة، ويصبح المجتمع بدون منعة أمام الأفكار الدخيلة عليه.. لقد أصبحنا نستقبل كل ما يأتينا من الخارج على أنه حقيقة مُطلقة، وبالتالي أصبحنا نستقبل منتجاتهم كلها دون أن نفكر في أنها تأتينا من بلدان لا موارد لها! حتى أني أعتقد أننا لو وجدنا منجماً من الألماس لما عرفنا بذلك، ولو عرفنا بذلك بالصدفة فإننا سنحتاج خبيراً أجنبياً يأتي لاستغلاله كما يريد هو! أصبحنا نستورد (الملاخيخ) كما قال السيد حسين الحوثي- رضوان الله عليه- والسبب هو الجهل، فالشعب الجاهل يكون ضحية جهله وفريسة للدول التي قرأت وعملت بجد لتصبح أمماً ذات شأن..
هذا يذكِّرني بتلك الدول التي بدأت من الصفر كالهند والصين؛ فبداية نهضتها بدأت من التعليم وإنشاء المعاهد التي تطورت لتصبح جامعات فيما بعد، وبهذا عملت لترتقي بشعوبها لتخرج من حالة البؤس التي تعيشها، بينما نحن ابتعدنا عن الدين والدنيا لنصبح في أسفل السُلَّم الحضاري، بل إننا أعطينا صورة سيئة عن الدين العظيم الذي اختصنا الله به، الدين الذي طالبنا بالعلم والتعلم فرفضنا، فلا دنيا ولا آخرة.. كما أني أستغرب من البعض الذي يهتم ببناء جامع على أنه أفضل شيء ممكن، في حين أن بإمكانه أن يبني جيلا كاملا بل وأمة كاملة لو قام ببناء مكتبة بسيطة وجعلها وقفا لكل الناس، ولتكن صدقاتنا بحسب حاجة المجتمع، ودينياً هذه من الأشياء التي تبقى للمؤمن حتى بعد رحيله “علما نافعاً ينتفع به”..
الحل بسيط ولا صعوبة فيه، ولدينا تجارب هامة في هذا الجانب، ولو لاحظنا جانباً بسيطاً هو التعليم الذي يبدأ بإعداد المعلمين والاهتمام بالبنية التحتية للتعليم، بعدها أنا أضمن لكم أننا سنشهد تغيرا في كل المجالات، لنبدأ بالمناهج والمعاهد والكليات.. يا ناس لدينا خريجو جامعات لا يستطيعون أن يكتبوا سطرين في موضوع علمي ما، ناهيك عن قراءته! وهناك البعض متخصصون في مجال ويعملون في مجال لا يمت بصلة لما أضاعوا نصف عمرهم ليتعلموه! لا نريد كلاما بائسا عن المؤامرات والعجز ووضع أنفسنا في مكان الضحية، صدقوني نستطيع أن نغير كل هذا الواقع خلال سنوات قليلة لأن من يسافرون منا للخارج لا يلبثون أن يتفجروا مواهب في عدة مجالات علمية، وبدلاً من البكاء على الأطلال فلنبدأ فقط من النقطة الصحيحة، وهي (اقرأ).. ودمتم بود.
ملاحظة: أنا أعرف أن هناك من اكتفى بأول سطرين من المقال ولم يكمل القراءة.. ألم أخبركم أن مشكلتنا في القراءة؟!