رغم أجواء التفاؤل والارتياح الكبير الذي قوبلت به دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية عشية العيد الوطني العشرين للجمهورية اليمنية كافة القوى السياسية والحزبية إلى حوار وطني جاد ومسؤول حول مختلف القضايا التي تهم الوطن والخروج بتوافق بناء يفتح صفحة جديدة تقوم على الشراكة والتفاهم لما فيه خدمة المصالح العليا للوطن وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الماثلة¡ إلا أن البعض مع الأسف الشديد ربما لم ترق له تلك الأجواء الطيبة وردود الفعل الإيجابية التي استقبلت بها دعوة رئيس الجمهورية من سائر الفعاليات السياسية والاجتماعية والإعلامية في الداخل والخارج¡ فعمد إلى محاولة زرع الأشواك في طريق التئام هذا الحوار عن طريق طرح بعض الاشتراطات التعجيزية للقبول بالحوار.
في حين أنه كان بإمكان هؤلاء طرح أية مطالب على طاولة الحوار ومناقشتها بأسلوب حضاري وفي سياق الإطار العام للحوار بعيدا◌ٍ عن خلط الأوراق وأساليب المماطلة والتسويف والشروط التعجيزية التي يستحيل الاستجابة لها لارتباطها بمحددات دستورية وقانونية أو بحقوق خاصة بمواطنين لا تملك أطراف الحوار مجتمعة سلطة عليها.
وربما فات على من يربطون بين القبول بالحوار والإفراج عن كافة المحتجزين بما فيهم مرتكبو الجرائم والأعمال الجنائية المحكوم عليهم أو المنظورة قضاياهم أمام القضاء¡ أن مثل هذا المطلب غير قانوني وغير مبرر لكون من شملهم العفو الرئاسي من المحتجزين على ذمة أحداث فتنة صعدة والعناصر الخارجة على القانون في بعض مديريات عدد من المحافظات الجنوبية قد تم الإفراج عنهم بناء على توجيهات فخامة رئيس الجمهورية¡ أما الذين في ساحة القضاء أو صدرت بحقهم أحكام قضائية¡ فمثل هؤلاء صار القضاء معنيا◌ٍ بهم وليس لأحد التدخل في شؤون القضاء باعتباره سلطة مستقلة ولا سلطان عليها.
والغريب والعجيب في آن¡ أن ينبري البعض للمطالبة بتعطيل أحكام القضاء والتدخل في شؤونه¡ وهم أنفسهم الذين ظلوا يطالبون في خطاباتهم السياسية والإعلامية باحترام سلطة القضاء وقراراته وأحكامه واستقلاليته¡ ما يمثل تناقضا◌ٍ يصعب فهمه!!.
وبالتوازي مع استقراء هذه المفارقة¡ تبرز دلالة مؤلمة على أن العمل السياسي والحزبي في بلادنا ماتزال تشوبه الكثير من المفاهيم الخاطئة والقاصرة¡ الأمر الذي يضع التجربة الديمقراطية اليمنية أمام امتحانات عسيرة¡ مما يوجب على كل من يؤمنون بالمبادئ الديمقراطية أن ينهضوا بدورهم في مواجهة الممارسات التي تحاول إفراغ الديمقراطية من مضمونها الصحيح والسليم وإفقادها جوهرها الحقيقي وتحويلها إلى عملية شكلية وشعار فضفاض¡ يفسره كل على هواه ووفق رغباته ومصالحه.
ومن المؤسف أن يسقط البعض إلى هذا المنزلق الخطير ويبني مواقفه على مثل هذه المفاهيم المغلوطة¡ مع أنه لا يليق بمثل هؤلاء أن يجعلوا الحوار مرهونا◌ٍ بشروط تتصادم مع قيم الديمقراطية والعدالة ونصوص الدستور وروح الأنظمة والقوانين وحقوق وواجبات المواطنة!!.
وكيف لعاقل أن يقبل أو يجيز لهؤلاء مثل ذلك الاشتراط الذي يدعو إلى الإفراج عن مرتكبي جرائم ومقترفي أعمال جنائية صدرت بحقهم أحكام قضائية يرتبط بعضها بحقوق مدنية خاصة لمواطنين س◌ْفكت دماؤهم واست◌ْبيحت حرماتهم وس◌ْلبت ممتلكاتهم وأفزعت سكينتهم العامة¿!!..
وهل من الدين والشرع والقانون والعرف والعقل والمنطق أن يطالب أحد الدولة بالنكوص عن واجباتها الدستورية والقانونية بصون حقوق مواطنيها لمجرد إشباع رغبة البعض في الانتصار للشر¿!!.
وسواء استفاق هؤلاء من سباتهم أو بقيوا على غفلتهم فيكفي أن دعوة فخامة الأخ الرئيس للحوار قد كشفت أن البعض يبني توجهاته على قاعدة توسيع الهوة بينه وبين مجتمعه بل ويستغل الديمقراطية كأداة استعراضية للظهور وكسب الشهرة أو لمجرد التأكيد على انه لا يزال حاضرا◌ٍ¡ إن لم يجعل من الديمقراطية وسيلة للتكسب والتمصلح وجني المنافع والمصالح الذاتية الضيقة أو لتمرير مشاريعه الصغيرة والشخصية على حساب الوطن والمصالح العليا لأبنائه.
ويبقى من الواضح أن مماطلة هذا البعض في الاستجابة لدعوة الحوار¡ أكدت أن كل الذرائع التي ظل يتشدق بها لم تكن سوى أعذار واهية لتسويغ تهربه من استحقاقات الديمقراطية بعد أن صار على قطيعة مع المجتمع وليس لديه¡ كما يعتقد¡ الكثير مما يخسره¡ فهو لا يملك ما يراهن عليه أو ما يمكنه من ترتيب أوراقه على أساس الربح والخسارة..
ولهذا فإنه ينطبق على ذرائعه وأعذاره لتعطيل الحوار¡ المثل القائل: عذر أقبح من ذنب”!!.
Prev Post
Next Post