حسن سعيد الدبعي
يقول شاعر باكستان العظيم محمد إقبال ” إذا الإيمان ضاع فلا أمانة.. ولا دين لمن لم يحيي دينا”.. ولهذا فإن الهوية الإيمانية والهوية الوطنية إذا انتزعتا من صدورنا فلا قيمة ولا عزة ولا موقف يمكن ان يجعلنا أمة ذات هدف في هذه الحياة وفي هذ العصر الذي نواجه فيه كل أصناف التحديات.. وبدون الهوية الإيمانية والهوية الوطنية فإننا مجرد تائهين في صحراء واسعة من الجهل والغباء والضعف والهوان” قل إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين” ولا حاجة للمزيد من التوضيح والتفسير والتوهان والتحليلات غير المجدية.
من الاتهامات التي توجه إلى المثقف العربي – ولا تزال – أنه ابتعد عن دوره الرائد ومهمته التنويرية التي تمثل الضوء الساطع لحركة المجتمع وتفاعله في قضايا الفكر والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عنها باستماتة وحيوية باعتبارها حجر الزاوية في انطلاقة حضارية إنسانية وتعددية ثقافية بحيث تلامس احتياجات المجتمع وغاياته في توازن وتناغم بما يسهم في بناء ثقافة واعية وناجزة لمهام المثقف وتطلعاته بعيداً عن اجترار المفاهيم والمصطلحات الرائجة لتحديد دور المثقف ومهامه في هذا العصر مستنداً بالدرجة الأولى إلى هويته الإيمانية والوطنية لمواجهة رياح التدمير والاقصاء لكل ما هو عربي ومسلم.
في النصف الثاني من القرن الماضي تراجعت الحريات السياسية في عالمنا العربي بشكل ملحوظ وازدادت سوءاً في مطلع هذا القرن الواحد والعشرين حيث تراجعت مستويات عديدة في الثقافة والفكر والنهوض الحضاري وما نشاهده هي أزمات وكوارث وتراجعات اضمحل فيها دور المثقف العربي وانكمش دوره وفاعليته في المجتمع ويسري هذا التراجع على أدوار المثقفين جميعاً بتياراتهم المختلفة الذين استمروا في الخنوع للظروف الراهنة وأزماتها كالهزيمة والهجمة الاستعمارية لضرب مقومات الأمة الحضارية في جوانب عديدة وأصبحت الهوية الإيمانية والهوية الوطنية عند المثقف العربي ضعيفة وقابلة للانقراض إن لم تشتعل صحوة حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها.
وهنا نتساءل: لماذا انسحب المثقف العربي من الساحة كمؤثر وفاعل تاركاً الأمر للسياسي وأنصاف المثقفين الحاملين للمباخر وأبواق النفاق والتزلف يتصدرون مواقع الثقافة ومؤسساتها..؟ هذا التراجع والتقهقر والانزواء للمثقف العربي الشريف المشبع بالهوية الإيمانية والوطنية بالإضافة إلى ما سبق ذكره في هذا الصدد مثل الحكم الشمولي وما تبعه من تراجع في قضايا الحريات التي هي من صلب مضامين الإسلام الحنيف.
من هنا عجزت الثقافة العربية في التصدي للتحديات الماثلة أمامها ومن أهمها إضعاف وإنهاك وإطفاء ضوء الإسلام في الساحة العربية والدولية والعودة إلى عصر الانحطاط والذل والمهانة.. فالوجه الاجتماعي والفكري لممارسة الحرية لايزال يعاني الكثير من إشكالات فهم المبدأ أو القدرة على تطبيقه ناضجاً وسليماً والمثل البارز على هذه المسألة الشائكة هو واقع الكتاب لدى العرب حيث لا يزال الكتاب يخيف الرقابة في الدول العربية إلى اليوم.. وهذه من المحن التي يعاني منها العقل العربي وانعكست على وضعية الثقافة والمثقف بما يشبه الانتكاسة في ديناميكية الثقافة وتفاعلها على كل المستويات.
أما الرأي العام فلم يعد يرى في المثقفين أي قوة فاعلة أو قادرة على الفعل.. وفي معظم المجتمعات العربية تحتل الأولويات السياسية إن لم تكن الأمنية جميع المساحة التي يمكن أن تمارسها السلطات الاجتماعية على تنوعها وتميل السلطة العليا إلى أن تذيب في حجرها جميع السلطات الأخرى وتجعل من نفسها المرجعية الأولى والوحيدة في العلم والفن والثقافة والاقتصاد والسياسة معاً، وبالتالي تلغي أي حركة اجتماعية خاصة أو مستقلة عن الحركة السياسية التابعة للدولة.. وهذا ما تشجعه الدوائر الاستعمارية وتغذيه بكافة الوسائل حتى تتوسع الهوة بين المثقفين والسلطات الحاكمة في العالم العربي..
كلمة عتاب لملائكة الرحمة
نسألكم الرحمة في المرضى والاعتناء بهم بتجرد عن الكسب المادي والعمل بضمير خاصة أن مهنة الطب من أسمى المهن.. لكنها تحولت مع الأسف إلى سلخانة يروح ضحيتها المرضى والمعدمون الذين يلجأون إلى الأطباء والمستشفيات للعلاج ولا يجدون إلا ضمائر ميتة وتفريغ جيوب المرضى وتعدد الفحوصات غير الضرورية بقصد حلب المريض وقتله نفسياً ومادياً وهذا ما يتعارض مع القسم الطبي الذي يؤديه الطبيب قبل ممارسة الخدمة.. ورحم الله الأستاذ عبدالله البردوني الذي لخص مهنة الطب في بلادنا بقوله
“علبوا الأمراض أغلوا سعرها
حتى صار الطب سمساراً أميناً”
يذهب إلى الطبيب لشرح مرضه فإذا به يواجه بطلبات فوق كاهلة “كشافة، مختبرات، فحوصات لا تفعلها عند فلان أفعلها عند فلان الفلاني لأن له نسبة عن كل فحص أو كشافة، واشتر العلاج من هذه الصيدلية وليس من تلك لأن له نسبة أخرى من قيمة العلاج.. وأغلب الفحوصات والكشافات والمختبرات لا ضرورة لها ولكن القصد إفراغ جيب المريض لا أقل ولا أكثر ارحموا فالراحمون يرحمهم الله.
قد يعجبك ايضا