القضاء وثقة الجمهور..!!
يحيى محمد الربيعي
إصلاح وتطوير القضاء يعد الركيزة الأولى لإحداث التطور المنشود في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة والضمانة الأكيدة لاستتباب الأمن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع، وتحقيق الرخاء للمواطنين من خلال حماية الحقوق.
وأي قصور أو خلل في أداء القضاء يعكس نفسه على مختلف أنشطة الدولة وخططها في مجالات التنمية والأمن والاستثمار والإصلاح المالي والإداري، لذلك لا بد من إجراءات تحديث وتطوير أجهزة السلطة القضائية بما يواكب المتغيرات ويعالج الاختلالات الموجودة والمتوارثة.
إن تحديث وتطوير السلطة القضائية يمثل الخيار الحضاري والتوجه الإنساني الذي تأخذ به الدولة للوصول إلى قضاء عادل ومستقل، يعمل على تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات لكافة المواطنين بكفاءة ونزاهة وفق إجراءات سريعة وميسرة بالاستناد الكامل والأمين إلى أحكام القانون مع ضمان رقابة ذاتية فعالة.
وعلى القاضي أن يرى بحسه السليم وفطنته وذكائه نداء الحق، فالحق لا يتمثل في القواعد القانونية، وإنما بما تقرره هذه القواعد وتجعل من هذا الحق قوة يمكن الوصول إليها، وتوجد بين القانون والحق علاقة ترابط واتصال تجعل الحق قوة عندما يقر ذلك القانون الذي يهدف إلى تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها.
ويمكن القول إن الحق ثمرة القانون والقانون هو أداة لتثبيت الحقوق وبيانها، فهناك علاقة متبادلة بينهما إذا ضاع أحدهما ضاع الآخر، والقاضي هو الساهر بعلمه وتجربته على الحفاظ على هذا التوازن بين الحق والقانون.
ويجب على القاضي الامتناع عن إقامة أية علاقة مشبوهة مع مراكز القوى والنفوذ الرسمية والشعبية، كما يجب أن يظهر القاضي في عيون المواطنين بمظهر من يحترم حقوقهم وحرياتهم، ومن الملاحظ أن انتقال القضاة من منطقة إلى أخرى يتيح حماية ضد إقامة علاقات وثيقة مع مختلف الشخصيات.
كما يجب أن يحافظ قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة على استقلال بعضهم عن البعض على الرغم من انتمائهم للهيئة نفسها، وتمثل مبدأ الحياد، وهو حق مضمون للمتقاضين، فالحياد بموجب الدستور ومبادئ القوانين النافذة، واجب مطلق مفروض على القاضي الذي هو عنصر أساسي من عناصر ثقة الجمهور، وينطوي الحياد عند ممارسة الوظائف القضائية على الغياب الجلي للآراء المسبقة، وأن يكون قادرا على تلقي جميع وجهات النظر التي نوقشت أمامه وأخذها بعين الاعتبار.
في الواقع، فإن الحديث عن «الفساد القضائي» يثير انتباه نشطاء حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجه، خاصة إذا ما تورط قضاة في قضايا الرشوة، كما أن الفساد في السلطة القضائية يتطلب من القانون أن يمنع القضاة من تلقي الهدايا والعطايا.
وفي هذا السياق، حرصت الدولة برعاية المجلس السياسي الأعلى على تبني رؤية وطنية لبناء الدولة الحديثة، طموحة لتحديث أجهزة الدولة وتنقيتها من الخلل والفساد، وكان من أهم مرتكزات هذه الرؤية تطوير السلطة القضائية بغية رفع شأن القضاء والارتقاء بأداء أجهزته.
والحقيقة أن الرؤية تعتبر مكسباً مهماً للقضاء لأنها تتناول سبل النهوض به وتولي عناية خاصة بتكوين وتنمية القدرات البشرية وتستوعب الأمور التي تشغل القضاة وأعضاء النيابة باعتبارهم محور الاهتمام والرعاية، وتشمل العناية بالقوى الإدارية أيضاً في كافة أجهزة وهيئات السلطة القضائية باعتبارهم أعوان القضاة من حيث:
1 – الإعداد والتأهيل المستمر للقوى الوظيفية العاملة في أجهزة القضاء ليتمكنوا من مواكبة التطورات في الجمهورية اليمنية بصفة خاصة وفي العالم بصفة عامة.
2 – استكمال البناء التشريعي والتنظيمي لأجهزة السلطة القضائية.
3 – استكمال البنى التحتية لأجهزة وهيئات السلطة القضائية.
4 – تحسين الوضع المعيشي لمنتسبي السلطة القضائية.
على أن «يتولى القضاء حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون»، فالقضاء لجميع الناس والقاضي ليس لواحد من الخصوم، «اعطني قضاء عادلاً أعطك دولة»، فبدون قضاء عادل لا تقوم دولة القانون، ومقولة تشرشل «إذا كان القضاء بخير، فإن بلدي بخير»، مقولة تتغنى بها الأمم.