■ مطلقـة تـرث زوجـها لعـدم قـدرة أبنـائـه علـى إثـبات تـاريـخ وفـاة والـدهـم
, مسؤولو المقابر يدفنون الموتى ولايعرفون هوياتهم
بضعة أيام حاسمة لطرفي القضية في حال نجح أحد الأطراف إثبات أحقيته بوثائق رسمية.
هذه حكاية حقيقية حدثت مؤخراٍ حين اختلف ورثة المتوفى حول أحقيتهم بالميراث فالأبناء يجاهدون من أجل إثبات انقضاء عدة طلاق زوجة أبيهم قبل تاريخ وفاته, وهذا يعني حرمانها من الميراث شرعاٍ, والزوجة المطلقة تجتهد في سبيل تأكيد تاريخ وفاة زوجها قبل انقضاء عدتها, لتظل القضية عالقة أمام القضاء, بسبب غياب وثائق رسمية تحدد تاريخ واقعتي” الطلاق والوفاة” وكذا طعون الطرفين للشهادات.
تتكرر هذه الحالة أمام القضاء في ظل غياب الوعي لدى المواطنين بأهمية الحصول على الوثائق الرسمية خلال الفترة القانونية.. في هذا التحقيق سنوضح المشاكل والأضرار الناتجة عن عدم قطع شهادة الوفاة في وقتها.. وماهي الأسباب والحلول للقضية¿ وهل تملك اليمن إحصائيات للوفيات¿.
وأسباب الوفاة ¿ وكم عدد الوفيات كرقم يسجل لدى الجهات المختصة.. نتابع تفاصيل هذا التحقيق.
> عدم اهتمام المواطنين تجاه الحصول على شهادة الوفاة لموتاهم يضعهم في مشاكل عديدة, بحسب قاضي الأحول الشخصية بمحكمة بني الحارث رضوان الخميسي, منها عند طلب ورثة المتوفى حصر أملاك والدهم, إذ لا يتم الحصر بدون شهادة وفاة تثبت الواقعة مما يجعل الورثة من ضمن المخالفين لقانون مصلحة الأحوال المدنية نظراٍ لتجاوزهم الفترة القانونية.. واصفاٍ العميسي إجراءات الحصول على بطاقة الوفاة بـ”إجراءات روتينية ومملة”.. معتبراٍ إياها أهم أسباب ابتعاد المواطن عن قطعها بالإضافة إلى انعدام الوعي القانوني لدى المواطنين بأهمية الحصول عليها.
بنك المعلومات
يعتبر السجل المدني بنك المعلومات لأي دولة, فلا تخلو الدول المتقدمة من هذا البنك”السجل” باعتباره كيان الدولة والعمود الفقري لها والمرجعية الرسمية, كما يقول مدير عام الرقابة ومدير التحقيقات والشكاوى بمصلحة الأحوال المدنية العقيد/ محمد حاجب.. مضيفاٍ:»اليمن لا تملك بنك المعلومات وغيابه يخلف الكثير من الأضرار على الدولة منها عدم معرفة عدد حالات الوفاة وأسبابها وكذلك غياب سجل انتخابي صحيح«.
السجل الانتخابي
وعلى صعيد ذلك اتفق مدير الأحوال المدنية بمديرية معين أمانة العاصمة العقيد/ فضل عبدالله الجبوبي مع العقيد حاجب على أن غياب إحصائيات الوفيات يفقد السجل الانتخابي المصداقية, كونه بحاجة إلى عملية تحديث مستمر تشمل تنزيل أسماء المتوفين وإضافة من بلغ السن القانونية بالإضافة إلى الإخلال بقاعدة البيانات لدى مصلحة الأحوال المدنية لأن إحصائياتها ليست دقيقة, مما يفقد ذلك قيمتها ومكانتها أمام الجهات الرسمية وذات العلاقة.
انعدام مراكز المصلحة
واعتبر العقيد الجبوبي غياب فروع الأحوال المدنية في بعض المديريات أهم أسباب إهمال المواطنين تجاه هذه الوثائق وعدم قطعها في الفترة المنصوص عليها في القانون, نظراٍ لبعد مراكز الأحوال عن القرى وارتفاع تكلفة السفر.. مشدداٍ على ضرورة تواجد فروع للمصلحة في المناطق البعيدة عن المدن “الريف” كون قاطنيه يمثلون 75٪ من السكان, أو إعطاء عقال القرى نماذج بلاغات الوفاة.
وزارات مخالفة للقانون
عدم التنسيق بين وزارة الصحة التي يجب عليها أن تلتزم بإشعار المصلحة نهاية كل عام بعدد حالات الوفاة التي شهدتها المستشفيات, بحسب مدير عام التخطيط والتقييم “الإحصاء سابقاٍ” العقيد الركن/ خالد معياد من أهم أسباب انعدام إحصائيات دقيقة وشاملة للوفيات بالإضافة إلى تساهل وزارة الأوقاف بإلزام مسؤولي المقابر بعدم دفن أي شخص بدون شهادة وفاة.. مشيراٍ إلى أن المصلحة لا تمتلك إحصائيات صحيحة ودقيقة للوفيات حتى لشهداء وزارتي الداخلية والدفاع التي يلزمها القانون برفع أسماء الشهداء نهاية كل عام.
قانون العقوبات
ويختلف معياد مع الجبوبي حول إعطاء عقال القرى والمستشفيات والمقابر استمارات الوفاة, باعتبارها وثائق رسمية لا تعطى إلا للمختصين.. منوهاٍ بأن المواطنين لا يستخرجون بطائق الوفاة خلال الفترة القانونية (60 يوماٍ) نظراٍ لغياب وعي المواطن وعدم تفعيل قانون العقوبات على المتجاورين.
تنسيق شامل
من جانبه أكد مدير إدارة التخطيط بمصلحة الأحوال المدنية العقيد/ محمد عمر العصري على أن عدم تفعيل قانون الأحوال المدنية والسجل المدني الصادر برقم (23) لسنة 1991م وكذا تطبيق مبدأ الثواب والعقاب على المواطن والموظف, ساعد على انتشار هذه الظاهرة.. وبحسب العصري فإن حصر إحصائيات الوفيات يحتاج تنسيقاٍ شاملاٍ بين الجهات ذات العلاقةـ الآنف ذكرهاـ بالإضافة إلى توظيف كادر متخصص في الإدارات الإحصائية, كون أكثر منتسبي المصلحة ليس لهم أي علاقة بعلم الإحصاء وكذا إيجاد عمل آلي بدلاٍ من اليدوي الذي يشكل عائقاٍ لإحصاء الوفيات.
إحصائيات مشكك بها
وبحسب إحصائيات مصلحة الأحوال المدني فقد شهد النصف الأول من العام الجاري قطع “18183”شهادة الوفاة من مختلف فروع المصلحة بالمحافظات.. إلا أن العقيد العصري شكك بهذه الإحصائية كونها غير دقيقة.. لافتاٍ إلى أن 80٪ من المتقدمين للحصول على شهادة الوفاة متجاوزين الفترة القانونية ويستخدمونها لأغراض ومنافع شخصية.
مستشفيات متقاعسة
عدم رفع المستشفيات للمصلحة بحالات الوفاة خلال الفترة القانونية (15 يوماٍ) من تاريخ وقوعها, يعتبر أهم عوامل فشل المصلحة في حصر عدد الوفيات, كما يقول مدير السجل المدني بأمانة العاصمة المقدم/ أحمد الصرابي, والذي أوضح بأن المستشفيات متقاعسة ولا تقوم بإبلاغ فروع المصلحة بأي واقعة وفاة, مشيراٍ إلى أن فرع الأمانة يقوم بقطع ما لايقل عن (2000) شهادة وفاة خلال العام.
جريمة تعديل القانون
وفي السياق ذاته اعتبر مدير عام الرقابة ومدير التحقيقات والشكاوى بمصلحة الأحوال المدنية العقيد/ محمد حاجب تقاعس المصلحة في تطبيق القانون على المتجاوزين الذي ينص على دفع عشرة آلاف ريال غرامة, من أهم العوامل التي ساهمت بشكل كبير في إهمال المواطنين للحصول على وثيقة الوفاة.
وعن الحلول التي تستطيع من خلالها الحكومة أن تمتلك سجلاٍ مدنياٍ دقيقاٍ شدد العقيد حاجب على ضرورة إعادة المجلس الأعلى للمصلحة الذي نص عليه قانون 23 لسنة 1976م والذي تم إلغاؤه بعد صدور قانون 93 كون المجلس يعتبر العمود الفقري للحصول على الإحصائيات.. منوهاٍ بأن المجلس فعل في الثمانينيات برئاسة رئيس المصلحة وبمشاركة الجهات ذات العلاقة كوزارة الصحة والأوقاف وغيرها.
وشدد العقيد حاجب على تطبيق نصوص القانون خاصة قانون الغرامات لما له من دور كبير في المساهمة على إقبال المواطنين باستخراج الوثائق الرسمية, وذلك يأتي مصاحباٍ لتوعية إعلامية قانونية.
إجراءات حالية
الحصول على إحصائيات شاملة ودقيقة من وزارة الصحة باعتبارها أحد أطراف القضية, خلال الحديث مع مدير عام الإدارة العامة للمعلومات والبحوث الدكتور/ عبد الجبار علي الغيثي والذي تأسف لعدم امتلاك الوزارة إحصائيات شاملة لهذه المعضلة التي وصفها بـ”الكارثة”.. مشيراٍ إلى أن الوزارة تسعى في الوقت الحالي للتنسيق مع مصلحة الأحوال المدنية ومنظمة الصحة العالمية لربط سجل الوفيات والولادة بشهادات منظمة الصحة العالمية, للحصول على إحصائيات دقيقة.
استطاعت وزارة الصحة أن تجمع أسماء المتوفين وأسباب الوفاة مع تحديد مكان وزمان الوفاة التي تتم بالمستشفيات وإلزام المشافي بالرفع نهاية كل عام, بحسب الغيثي, إلا أن هذه الأرقام ليست شاملة, إذ إنها ترفع من المستشفيات الكبيرة في المدن الرئيسية بينما من يتوفون في الأرياف والمنازل لا تضاف أسماؤهم, نظراٍ لغياب الوعي لدى المواطنين بأهمية تسجيل حالات الوفاة.
تفعيل إدارات الإحصاء
وشدد البعيثي على ضرورة أن تمتلك الدولة إحصائيات الوفاة, لما سيفيدها في تنفيذ مشاريع واستراتيجيات مهمة, وكذلك معرفة أسباب الوفاة وإيجاد معالجات لها, بالإضافة إلى أنها ستساعد على إجراء البحوث العلمية.. مطالباٍ بتفعيل قانون مصلحة الأحوال المدنية لما سيساهم بشكل كبير في حل القضية وكذا إيجاد تنسيق مستمر بين المصلحة ووزارة الصحة والأوقاف والعدل, وتفعيل إدارة الإحصاء لهذه الجهات ورفدها بمتخصصين بعلم الإحصاء وأهميته لما أصبح بهن الحال إلى إدارات غير فعالة.
نسب تقديرية
مسئول رفيع بوزارة الصحة ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أرجع أسباب عدم امتلاك الوزارة أرقام الوفيات إلى عدم استشعار صناع القرار بالوزارة بالمسؤولية الوطنية وبأهمية الأرقام.. مشيراٍ إلى أن أكثر المستشفيات لا تقوم برفع أسماء المتوفين بينما البعض يرفع أرقاماٍ بنسبة 10٪ من حالات الوفاة التي تشهدها المستشفيات, خوفاٍ من مسألتهم عن ارتفاع أعداد الموتى والأسباب.
واعتبر المصدر تهميش الشباب في هذا الجانب من أبرز أسباب عجز الوزارة عن الحصول على إحصائيات وذلك لعدم تفعيل طاقتهم عند النزول الميداني لحصر الوفيات الذي ينحصر على أصحاب القرار كالوزير والوكلاء ومدراء العموم الذين اتهمهم المصدر بعدم قيامهم بالنزول الميداني واكتفائهم بتقديرات نسبية ليس لها أي صحة على أرض الواقع.
مقابر بدون سجلات
وزارة الأوقاف والإرشاد أوضحت على لسان مدير مكتب أوقاف الأمانة المهندس محمد قايد بأن مسؤولي المقابر لا يرفعون بأسماء الأشخاص الذين يتم دفنهم.. مشيراٍ إلى أن الوزارة تعمل في الوقت الحالي على توزيع سجلات للمقابر من أجل تسجيل اسم وبيانات الشخص المتوفى ورفعها للوزارة في فتره لم تحدد بعد.. مشدداٍ على ضرورة التنسيق بين الجهات المختصة للحصول على إحصائيات دقيقة وشاملة.
رئيس هيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء الدكتور/ نصر القدسي أكد على أن هيئة المستشفى ترفع سنوياٍ إحصائيات شاملة لكل الأعمال الي تقوم بها منها حالات الوفاة وتسلم للمختصين بوزارة الصحة.. مطالباٍ الوزارة في حال عدم امتلاكها إحصائيات الوفاة بإلزام المختصين داخل الوزارة وكذا هيئات المستشفيات ومراكز الصحة بالجمهورية برفع إحصائيات الوفاة خلال فترة محددة ومعاقبة من يخالف ذلك.
أهمية الإحصائيات
وعن أهمية الحصول على إحصائيات الوفاة يقول الدكتور القدسي “لها أهمية كبيرة جداٍ ليس فقط من قبل عمل إحصائية سكانية ولكن لمعرفة أين ومتى تحصل هذه الوفيات وبالتالي تتبع معرفة الأسباب والعمل على مكافحتها مثل على سبيل المثال قد تكون الوفيات في مكان ما ناتجة عن وباء ما وهنا يجب تفعيل وتنشيط الترصد الوبائي وقد تكون هذه الوفيات ناتجة عن حوادث مرورية وهنا يأتي تفعيل دور المرور أو عن إصابات أعيرة نارية وهنا يأتي قانون منع حمل السلاح وقد يكون عن سوء تغذية كما هو في الأطفال وهنا يأتي دور وزارة الصحة في الاهتمام بجانب الأمومة والطفولة أو قد تكون ناتجة عند عدم تحصين الأطفال وهنا يتمثل دور وزارة الصحة وهكذا تمثل أهمية وجود إحصائيات دقيقة”.