إرسال قوات تركية إلى ليبيا.. مغامرات السلطان الجديد في الساحة الليبية

 

قدمت الرئاسة التركية الاثنين الماضي مشروعاً موقعاً من قبل رجب طيب أردوغان إلى البرلمان التركي لأخذ الموافقة على ارسال قوات الى ليبيا، وجاء في المشروع انه “وفي أعقاب ما حدث في ليبيا في فبراير عام 2011م، قوضت الجهود المبذولة لبناء المؤسسات الديمقراطية بسبب تزايد النزاع المسلح وطغيان الهياكل المجزأة على الساحة”. ومن خلال هذا المشروع ، أخذت تركيا مسألة إرسال قوات إلى ليبيا بجدية أكبر.
ليبيا وإرسال القوات التركية
بعد تصاعد التوترات في ليبيا والموجة الجديدة من هجمات خليفة حفتر في 12 ديسمبر للاستيلاء على طرابلس ، طلب وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية فتحي باشاغا رسميًا في أواخر ديسمبر من تركيا إرسال قوات الى ليبيا. حيث استجاب أردوغان منذ البداية بشكل إيجابي لهذا الطلب، قائلاً: “بعد إعادة فتح البرلمان التركي في يناير ، سيرسل مسودة هذا المشروع إلى برلمان بلاده” والآن فإن طلب ارسال القوات على طاولة البرلمان ومن المتوقع انه سيتم الإعلان عن موافقة ارسال القوات الى ليبيا في الثاني من شهر يناير.
أصبحت مسألة ارسال القوات التركية الى ليبيا أكثر جدية حيث وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية مؤخرًا اتفاقين مهمين في 6 ديسمبر ، أحدهما حول التقسيمات البحرية بين تركيا وليبيا في البحر الأبيض المتوسط ​​والآخر حول تطوير التعاون الأمني ​​والعسكري بين الطرفين, وعقب الاتفاق المذكور أعلاه أصبحت المسألة الليبية مرتبطة بشكل وثيق مع القضايا الجيوسياسية والجيواقتصادية في البحر المتوسط و طوعاً أم کرهاً جعلت الجهات الفاعلة أكثر توجهاً وحساسية لمصير ليبيا، بالإضافة الى ان حدود المنافسة في المنطقة أصبحت أكثر غموضًا وتعقيدًا، ومن ناحية أخرى ، اشتدت الصدامات في ليبيا وهي في مرحلة حاسمة ، حيث بدأت الوحدات التابعة لحكومة الوفاق الليبية بالتحضير لعملية بركان الغضب رداً على هجمات حفتر.
الأوضاع المعقدة في ليبيا
تعتبر السعودية وتركيا لاعبين إقليميين مهمين في الحرب الليبية، ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال ، “وعدت السعودية حفتر بعشرات الملايين من الدولارات لبدء العمليات والاستيلاء على مدينة طرابلس.” وفي هذه الأثناء ، قامت تركيا باستثمار مبالغ طائلة في ليبيا ، بالإضافة إلى الأسباب التاريخية والسياسة وإعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية، حيث ذكر تقرير بلومبرغ أن الشركات التركية أبرمت صفقات بقيمة 18 مليار دولار مع الحكومة.
وبعد أن أعلنت القوات المسماة بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر أنها وصلت على مسافة 300 متر من طرابلس ، قام عدد من المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا بنشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يعلنون فيه دخولهم ليبيا. كما ذكرت بعض وسائل الإعلام وجود عدد من قوات “الجيش السوري الحر” ونشوب معارك برية بينهم وبين قوات المعارضة في ليبيا. وفي هذا الصدد أعلن المرصد السوري لحقوق الانسان أن تركيا جمعت حتى الآن “حوالي 500 شخص من تركمان سوريا” لإرسالهم الى ليبيا ، وكانت وسائل الإعلام السعودية مثل العربية والحدث قد أعلنت في وقت سابق عن ارسال تركية شحنات أسلحة إلى مدينة مصراته. لكي يتم التحضير لنقلها إلى الكتائب التابعة لحكومة الوفاق في العاصمة طرابلس.
إذن كانت تركيا والسعودية في طليعة الحرب بالنيابة في ليبيا، فإن العديد من الدول الأخرى ذات المصالح والمواقف الأكثر تطوراً تراقب تدريبات قوات حفتر وحكومة الوفاق الليبية وتقيم الوضع المناسب للتدخل في ليبيا. حيث تدعم مصر والإمارات مواقف السعودية؛ وقد وصف الرئيس عبدالفتاح السيسي ليبيا بأنها ركيزة أساسية للأمن القومي في القاهرة. فهو يأمل كثيراً في أن يتم تطبيق نموذج الانقلاب المشابه لحكومته في مصر في ليبيا ، وأن يتم قمع وتهميش جماعة الإخوان المسلمين ، التي تدعم الآن حكومة الوفاق الوطنية الليبية.
من ناحية أخرى ، تدعم إيطاليا وفرنسا حفتر ، وتسعى ألمانيا إلى حل سياسي، وقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الأسبوع الماضي ، “نطلب من تركيا الامتناع عن تقديم حلول عسكرية للأزمة الليبية”، وتونس من بين الدول التي تدعم الموقف التركي لكن بحذر وقال رئيس البرلمان التونسي الأسبوع الماضي: “الحكومة الوحيدة التي نعترف بها في ليبيا هي حكومة طرابلس التي وافقت عليها الأمم المتحدة” ، مضيفًا إنه لا يدعم أي طرف في النزاع. ومع ذلك ، فإن مثل هذا الموقف يتماشى مع رغبات تركيا ، خاصة وأن أردوغان وصل إلى تونس في زيارة غير متوقعة الأربعاء الماضي وناقش مع المسؤولين التونسيين الوضع والاستقرار في ليبيا.
لكن الموقف الأمريكي والروسي في ليبيا معقد للغاية، حيث تكمن مصالح روسيا وأمريكا في ليبيا في الارتباط مع أوروبا والمنافسة على تصدير الطاقة ، كما تدعم روسيا جزئيًا التوترات في ليبيا حيث تؤدي التوترات في ليبيا إلى مثيلاتها في شرق البحر المتوسط حيث تم التوصل مؤخراً إلى اتفاقيات مهمة لنقل الغاز إلى أوروبا ، كما ستقوض أيضًا إمكانية تصدير الغاز الليبي إلى أوروبا لمستقبل غير معلوم. لذا فإن روسيا تدعم موقف تركيا إلى هذا الحد، في الوقت الذي دعمت فيه روسيا حتى الآن حفتر ، لكن أردوغان سعى خلال زيارته الى روسيا الأسبوع الماضي التوصل إلى اتفاق مع روسيا لوقف موسكو دعمها لمجموعة فاغنر. هذه المجموعة مدعومة من روسيا وتقاتل من أجل حفتر.
لقد كان النجاح في منع تصعيد المواجهة مع موسكو ، ولكن بالتزامن مع الابتعاد عن واشنطن بالنظر إلى أن حفتر له علاقات وثيقة مع واشنطن. يبحث ترامب شرق البحر المتوسط ​​عن ضغوط جديدة على تركيا بدعم جديد لقبرص، ويجب على تركيا عبور المنطقة القبرصية التركية لإرسال قوات إلى ليبيا. وفي خضم ذلك ، استفزت اليونان. ففي أوائل شهر نوفمبر ، أجرت مصر وقبرص الجنوبية واليونان مناورات مشتركة نكايةً بتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط.
إن انضمام تركيا إلى الحرب الليبية يحول موقف تركيا الوكيل إلى مواجهة مباشرة ويشكل خطراً كبيراً على أنقرة لأن أوروبا وأمريكا والمحور العربي يتابعون التطورات والتحولات العسكرية في ليبيا بحساسية كبيرة وفقاً لمصالحهم المختلفة.
البرلمان التركي حالياً في موقف صعب لأخذ القرار، حيث ترى المعارضة التركية أن ارسال قوات تركية الى ليبيا امر خطير. لكن أردوغان لا يزال ثابتاً على موقفه. وفي خطاب ألقاه مؤخراً في مقاطعة أزمير قال: “إذا تخلينا عن نهجنا تجاه جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا، فلن يتركوا لتركيا حتى شاطئاً للسباحة أو لصيد الأسماك”، ومع ذلك ، امتنع أردوغان عن الكشف عن دوافعه الرئيسية وهي انه هل يبحث عن عمليات محدودة وامتيازات كبيرة مثل نبع السلام في سوريا؟ هل يختار الصراع الطويل في ليبيا؟ أم إنه سيكتفي بمجرد انشاء عدد من القواعد في ليبيا وتونس؟ هذا يعتمد كثيراً على ردود أفعال الجهات الفاعلة الأخرى، وفي الآونة الأخيرة كان الموقف المصري أكثر ليونة ويدافع عن حل سياسي ، ودعا خليفة حفتر الذي سمع أيضًا أخبار ارسال القوات، المجتمع الدولي إلى الحلول دون ارسال القوات التركية الى ليبيا، كما استولى على سفينة تابعة لتركيا في أوائل شهر يناير في البحر المتوسط وأبحر بها إلى ميناء رأس الهلال في شرق ليبيا حتى تكون ورقة ضغط على تركيا.

قد يعجبك ايضا